واعتقلت قوات الأمن المصرية، فجر اليوم الثلاثاء، العضو المؤسس للحركة المدنية المعارضة لنظام السيسي والمتحدث الرسمي باسمها، من دون تبيان الاتهامات الموجهة إليه، ما دفع المرشح الرئاسي السابق والقيادي في الحركة حمدين صباحي، للتعليق على واقعة الاعتقال بالقول: "يا أيها المصري الجسور الأصيل الشجاع النبيل النقي التقي العفيف الشريف أنت أقوى من سجانك... لك ولشعبنا الحرية والنصر ولو بعد حين... الحرية ليحيى حسين عبد الهادي، الحرية لسجناء الرأي، الحرية لمصر".
وتلا القبض على عبد الهادي إصدار "الحركة المدنية الديمقراطية" بياناً يدين اعتقال الأمن لخمسة من الناشطين، في أعقاب احتفالية فنية ثقافية نظمها حزبا "تيار الكرامة" و"التحالف الشعبي الاشتراكي" بمناسبة الذكرى الثامنة للثورة، في إطار أعمال الترويع والتنكيل المستمرة بثوار 25 يناير، والعدوان على حريات المواطنين من دون مبرر أو سند من القانون، مطالباً بالإفراج الفوري عنهم، والكشف عن مكان احتجازهم.
وعبد الهادي من مواليد محافظة أسيوط عام 1954، وتخرج من الكلية الفنية العسكرية عام 1977، وخدم ضابطاً مهندساً في الجيش المصري حتى عام 1992، وبعد خروجه من القوات المسلحة شارك في تأسيس "مركز إعداد القادة"، الذي كان تابعاً في بدايته لرئاسة الوزراء، ثم انتقلت تبعيته إلى وزارة الاستثمار، إلى أن أصبح مديراً للمركز في عام 2004، واختير لقيادة الحركة الشعبية "لا لبيع مصر"، واعتبر حينها أن "ما يحدث هو تنفيذ لأجندة خارجية لتدمير مصر وتخريب أصولها".
ويعد عبد الهادي أحد أبرز المدافعين عن معتقلي الرأي في مصر، وعُرف عنه التصدي للقضايا الوطنية، من أشهرها قضية بيع شركة "عمر أفندي".
واختار المفكر الراحل عبد الوهاب المسيري، عبد الهادي، ليكون ضمن اللجنة التنسيقية لحركة "كفاية" المعارضة، إبان عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، بعدما وجد فيه شخصية شعبية مناهضة لعمليات بيع أصول الدولة، كونها غير مشروعة لأنه لم يؤخذ رأي الشعب فيها، وهو المالك الحقيقي لها.
وفوجئ عبد الهادي، بعد تقدير لجنة تقويم شركة "عمر أفندي" التي كان يشغل عضويتها، ثمن الشركة الحكومية بما يقارب ملياراً و300 مليون جنيه مصري، بتجاهل هذا التقدير واعتماد آخر بقيمة 450 مليون جنيه، ارتفع لاحقاً إلى 550 مليوناً بغرض بيعها لشركة "أنوال" السعودية، إضافةً إلى توقيع اللجنة على ما يشبه اعتذاراً عن تقريرها الأصلي، واعتماد القيمة المنخفضة، ما دفعه للقول آنذاك إن "هدر أكثر من 700 مليون جنيه من أموال المصريين أشبه بالمهزلة".
وتقدم عبد الهادي ببلاغ إلى النائب العام ضد وزير الاستثمار في تلك الفترة محمود محيي الدين، ورئيس الشركة القابضة هادي فهمي، يتهمها فيه بالضغط على لجنة التقييم لتسهيل الاستيلاء على المال العام، وهو ما أجل إتمام صفقة البيع لنحو ثمانية أشهر، إلا أن شركة "عمر أفندي" ذهبت في النهاية للمستثمر السعودي، وتحمل عبد الهادي تبعات موقفه بالحرمان من جميع مناصبه، ليعود مرة أخرى لمركز إعداد القادة مرؤساً، لا رئيساً، ومحاضراً بلا محاضرات (ألغيت كل انتداباته).
وسبق لنيابة مدينة نصر بالقاهرة أن أخلت سبيل عبد الهادي بضمان مالي قدره عشرة آلاف جنيه، في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بعد توجيه اتهامات له بإهانة رئيس الجمهورية، ونشر أنباء من شأنها "تكدير الأمن العام"، إثر نشره مقالاً على صفحته الشخصية بموقع "فيسبوك"، تحت عنوان "هي ثورةٌ... وَإِنْ أنكرها لصٌ أو رئيس"، رداً على مهاجمة السيسي لثورة يناير في ما يسمى بـ"منتدى شباب العالم" بمدينة شرم الشيخ.
وقال عبد الهادي، في مقاله، إن "كلمات الرئيس (السيسي) عن ثورة يناير تتطابق مع كلمات وزير داخلية مبارك المُدان بالاختلاس (حبيب العادلي)، حيث بدا فخامته وكأنه يزيح عن صدره مشاعر مكبوتة، اجتهد لإخفائها من قبل، مع أنها لم تكن خافيةً بالمرة... تحرر الرجل أخيراً من عباءاتٍ أثقل جسدَه بارتدائها، ولَم يعد يطيقها بعد أن دانت له المقادير (أو هكذا يظن)... عباءة الناصرية مع الناصريين، واليسارية مع اليساريين، واليمينية مع اليمينيين، والصوفية مع الصوفيين... أما عباءة يناير فظل يرتديها طوال الوقت، وهي عباءةٌ لو تعلمون ثقيلةٌ".
وأضاف عبد الهادي: "الرجل (السيسي) الذي طلب من المصريين من قبل ألا يستمعوا إلا لما يقوله، يظن أن بمقدوره أن يؤلف تاريخاً غير الذي عايشوه، وأنه امتلك الحقيقة لأنه امتلك الميكروفون... إن الثورات لا تحتاج إلى صك الاعتماد أو ختم النسر من أحد، لا سيما إذا كان من أعدائها... والثورة لم تحكم يوماً لكي تُحاسَب على ما آلت إليه الأوضاع في مصر، فالشعب الثائر لم يهدم الدولة، وإنما اصطف شبابه درعاً بشرياً يحمي المتحف المصري من لصوص الآثار".
Twitter Post
|
وفي 26 إبريل/ نيسان 2018، كشف عبد الهادي عن تعرضه لتهديد من جهة لم تكشف عن نفسها، قائلاً في تدوينة له عبر صفحته على موقع "فيسبوك"، إنه تلقى اتصالاً من رقم محلي، وهدده المتصل بأنه في حال لم يمتنع عن الكتابة "لن يحدث له طيب"، مضيفاً "المتصل قال لي افتح تليفونك هاتلاقي هدية، وإذا لم تصمت ستكون منتشرة مع أصغر تلميذ في أسيوط"، وهو ما تبين أنه رسالة صوتية عن حديث خليع بين رجل وامرأة سينسب إليه، وفقاً للتهديد.
وتابع: "كانت هناك رسالة تهديد سابقة أكثر أدباً من تلك، لكن المعنى واحد، هذه الأساليب المبتذلة لا تخيف مثلي ممن رأسمالهم سمعتهم... ولكنني مندهش من غباء من يلجأ إليها معي، ومن هذا المستوى من الحقارة في الأداء من أجهزة تتقاضى رواتبها من أموالنا لتؤدي وظيفتها في حماية أعراض المصريين، لا انتهاكها وتلويثها... لكنني في مثل هذه الأمور أرى أن المسؤولية تقع على الرأس لا النعال... هذا التدني الأخلاقي هو مسؤولية رئيس يقدم نفسه في صورة الرئيس المهذب... هذا بلاغ مني للرئيس شخصياً".
وكان النائب العام المصري المستشار نبيل صادق، قد قرر في 5 فبراير/ شباط 2018، فتح التحقيق في البلاغ المقدم من المحامي محمد حامد سالم، ضد قياديي "الحركة المدنية الديمقراطية" (13 عضواً)، وعلى رأسهم المرشح الخاسر في انتخابات الرئاسة عام 2014 حمدين صباحي، ويحيى حسين عبد الهادي، والذي يتهمهم فيه بـ"التحريض على قلب نظام الحكم، والإضرار بالاقتصاد والأمن القومي المصري".
Twitter Post
|
واستند البلاغ إلى تنظيم الحركة مؤتمراً صحافياً لإعلان مقاطعتها لما عُرف إعلامياً بـ"مسرحية الرئاسيات"، التي فاز فيها السيسي بأغلبية كاسحة على منافس مؤيد له، متهماً قيادات الحركة المعارضة بـ"إثارة الرأي العام، والتحريض ضد الدولة المصرية، والإساءة لمؤسساتها في الداخل والخارج، وبث روح التشكيك والإحباط والفتنة بين الشعب وبعضه، وبين الشعب ومؤسسات الدولة، وزعزعة أمن واستقرار البلاد".
وأورد البلاغ تصريحات عبد الهادي في مؤتمر المقاطعة، وقوله: "فليهنأ النظام بفضيحته وحده... السبب الرئيسي في ما تعانيه مصر من تخبط وسياسات فاشلة هو الحكم الفردي المطلق الذي لا يراقب ولا يحاسب، ويحتقر الدستور، أساس شرعية أي حكم، ويضرب به عرض الحائط"، متابعاً "لا توجد أي بادرة إيجابية من النظام لفتح المجال العام، واحترام الحقوق والحريات الأساسية للشعب صاحب السيادة، بل زادت الممارسات قبحاً وفجاجة مع اقتراب موعد ما أُطلق عليه الانتخابات الرئاسية".