بعد اتّهام رئيس الحكومة المصري مصطفى مدبولي عدداً من الأطباء بـ"التقاعس" على خلفية تفشي فيروس كورونا الجديد، وجّه أطباء الاتّهام نفسه إلى نقابتهم التي اضطرت للإعلان عن تأجيل مؤتمرها الصحافي الخميس الماضي، بعد حصار أمني فُرض عليها، ما حال دون عقد المؤتمر الذي كان مخصصاً للرد على تصريحات مدبولي. ودخل الأطباء والنقابة العامة لأطباء مصر والحكومة في دائرة من الاتهامات المتبادلة التي تتعلق بالتعامل مع أزمة كورونا، علماً أن الحكومة أثنت على الأطباء في بداية الأزمة، ووصفتهم بـ"جيش مصر الأبيض". وكانت النقابة العامة لأطباء مصر قد أعلنت عن عقد مؤتمر صحافي يوم السبت في 27 يونيو/ حزيران الماضي في مقر النقابة في دار الحكمة في القاهرة، عبر الفيديو، للحديث عن تضحيات الأطباء وبطولاتهم فى مواجهة انتشار الفيروس، واستعراض رؤية مجلس النقابة المتعلقة بأزمة تكليف الأطباء الجدد دفعة مارس/آذار الماضي، الممتنعين عن التسجيل في النظام الجديد، ورؤية النقابة حول معايير الامتحان الموحد لمزاولة مهنة الطب.
قبل نحو نصف ساعة فقط من موعد بدء المؤتمر، أعلنت النقابة العامة للأطباء عن إرجائه لأسباب تقنية حتى إشعار آخر. وأكدت مصادر أن أعضاء مجلس النقابة مُنعوا من دخول المقر لعقد المؤتمر الصحافي، في ظل أجواء أمنية مشددة هدفها منع انعقاده، والذي كان من المقرر أن يشهد رداً على تصريحات مدبولي، الأمر الذي أحدث غضباً بين الأطباء باعتبارهم خط الدفاع الأول في مواجهة الوباء.
وجاء الإعلان عن هذا المؤتمر بعدما أصدر مجلس نقابة أطباء مصر بياناً شديد اللهجة تضمن رفضاً لتصريحات مدبولي، الذي قال إن عدم انتظام بعض الأطباء كان سبباً في ازدياد عدد الوفيات. وقال إنّ رئيس الحكومة تجاهل "الأسباب الحقيقية منها ضعف الإمكانيات وقلة المستلزمات الطبية والعجز الشديد في أسرّة الرعاية المركزة". وفي أعقاب هذا القرار المباغت الذي اتخذته النقابة، اتّهم عدد من الأطباء أعضاء مجلس النقابة بـ"التقاعس" عن حماية الأطباء، والرضوخ للتعليمات الأمنية التي حكمت بإلغاء المؤتمر، ولم تسمح لأعضاء مجلس النقابة دخول المقر إلّا بعد الإعلان عن إلغائه.
وقالت مصادر من داخل نقابة الأطباء المصريين إنّ إلغاء المؤتمر كان الحل الوحيد لفكّ الحصار الأمني عنها والسماح لأعضاء المجلس بالدخول، وإلا لكان الأمر ليتطوّر أمنياً. وعلمت "العربي الجديد" أنّ حالة من الغضب سادت أوساط الأطباء بعد هذا القرار، في الوقت الذي كانوا يتعلقون فيه ببارقة أمل تنصفهم في وجه هذا "العداء" من قبل الحكومة والنظام. وكانوا يأملون أن تساهم النقابة من خلال المؤتمر الصحافي في رد اعتبارهم في الوقت الذي يجابهون فيه الوباء ويقفون في الصفوف الأولى في المعركة، ويتصدون كذلك للاعتداءات المتكررة من الأهالي على الطواقم الطبية داخل المستشفيات.
في هذا السياق، أعلن أطباء ونقابيّون رفضهم موقف النقابة، ومساندتهم لمواقف الأطباء الرافضة لاتهام الحكومة لهم بـ"التقاعس". وقال الأمين العام لنقابة الأطباء إيهاب الطاهر، الذي لم يتوجه للنقابة للمشاركة في المؤتمر نتيحة حادث سير، عبْر حسابه على "فيسبوك": "لا يمكنني قبول أو تصور وضع حواجز حول النقابة والتضييق على بعض أعضاء مجلس النقابة عند دخولهم إلى مقر نقابتهم من دون أي مبرر مفهوم. ولا يصحّ أن تكون تلك هي طريقة التعامل مع مشاكل الأطباء الذين يواجهون الموت حرفياً للدفاع عن سلامة الوطن". وأكّد الطاهر أنّ "النقابة مستمرة إن شاء الله في السعي نحو حقوق ومصالح الأطباء والمنظومة الصحية، ومستمرة في التواصل مع جميع الجهات واتخاذ كل الوسائل النقابية والقانونية المشروعة دفاعاً عن حقوق الأطباء".
الموقف نفسه أيدته الطبيبة والنقابية منى مينا. وتقول: "لاحظ الكثير من الأطباء المشهد العجيب الخاص بمنع أعضاء مجلس نقابة الأطباء ونقيبهم حسين خيري، من دخول نقابة الأطباء السبت صباحاً تحت حجج واهية، في واقعة غير مبررة إطلاقاً هي الأولى في تاريخ العمل النقابي، وذلك لمنع المؤتمر الصحافي. وبالفعل، لم يسمح للنقيب ولا أعضاء المجلس بالدخول إلا بعد الاطمئنان على تأجيل المؤتمر الصحافي". تضيف مينا: "أُدين وبشدة هذه التصرفات التي تمنع الأطباء، في عز أزمة تفشي كورونا، من مناقشة مشاكلهم الخطيرة، والمطالبة بحلول ناجعة لصالحهم ولصالح كل الوطن. وأذكر الجميع بأن كتْم المشاكل لا يحلها، ولكن، للأسف، يفاقمها إلى درجة تهدد أمن وسلامة جميع أفراد الفريق الطبي والمواطنين".