علمت "العربي الجديد" من مصادر متعددة في المحافظات المصرية أن معظم المطابع ودور النشر الموجودة في المحافظات أنهت طباعة اللافتات والمنشورات الدعائية الخاصة بالتعديلات الدستورية المرتقبة، في انتظار الأوامر بنشرها وتعليقها في الشوارع. وأكدت مصادر في أكثر من محافظة، لـ"العربي الجديد"، أنه تم التواصل مع كل رجال الأعمال في كل محافظة، والذين يشكلون مع أتباعهم قواعد نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، عن طريق ضباط المباحث، كل حسب القسم التابع له، وتكليفهم بتمويل طباعة اللافتات والمنشورات، وأن الأجهزة الأمنية في المحافظات تتواصل مع أصحاب المطابع أيضاً لضبط العملية، وضمان عدم خروج أي لافتة أو منشور إلا في الوقت المناسب، والذي يحدده جهاز الاستخبارات العامة بقيادة اللواء عباس كامل.
من جهة أخرى، أكدت مصادر قضائية في محكمة استئناف القاهرة، لـ"العربي الجديد"، ورود تعليمات للمحكمة بتجهيز قائمة القضاة الذين سيشرفون على الاستفتاء، وأن يوم 20 إبريل/نيسان الحالي، ربما يكون هو الموعد الأقرب للبدء في إجراء الاستفتاء، الذي تقرر أن يكون على يومين في الخارج ويومين في الداخل. وكانت مصادر سياسية مطلعة في مصر كشفت أنّ جهاز الاستخبارات العامة، الذي يقوده كامل، أصدر تعليمات إلى مقدمي البرامج الحوارية على شاشات الفضائيات، ورؤساء تحرير الصحف الحكومية والخاصة، بشنّ حملة ترويجية لتعديلات الدستور المصري المطروحة أمام مجلس النواب حالياً، بغرض تمديد ولاية السيسي حتى عام 2034.
وقالت المصادر، في حديث خاص مع "العربي الجديد"، إنّ الاستخبارات العامة وزّعت مجموعة من التبريرات على الأذرع الإعلامية حول "حتمية" تعديل الدستور في الوقت الراهن، واستمرار السيسي في الحكم، لاستكمال ما يسمى بـ"المشاريع القومية" وعدم توقفها، على غرار العاصمة الإدارية الجديدة، وتكثيف نشر المواد الإعلامية والصحافية بناءً على ما تضمنته تلك التبريرات من محاور. وأوضحت المصادر أنّ التعليمات الاستخباراتية شملت الاستشهاد بسيناريو تعديل الدستور التركي، في إبريل 2017، والذي منح الرئيس رجب طيب أردوغان حقّ الترشّح لولايتين رئاسيتين مدة كل واحدة منهما 5 سنوات، وبموجبها حظي بصلاحيات عديدة، مثل فرض حالة الطوارئ قبل العرض على البرلمان، في تلميح إلى ما تضمنته تعديلات الدستور المصري من صلاحيات واسعة للسيسي.
ولم تتأخر "الأذرع الإعلامية" في التقيّد بهذه التعليمات، وهو ما ظهر بوضوح عبر عدد من البرامج التلفزيونية. وتسمح تعديلات الدستور ببقاء السيسي في منصبه لمدة 12 سنة إضافية، على المدتين المحددتين بثماني سنوات في الدستور، إلى جانب استحداث مجلس أعلى لجميع الجهات والهيئات القضائية تحت رئاسته، ومنحه صلاحية تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا والنائب العام، فضلاً عن اشتراط موافقة الجيش على تسمية رئيس الجمهورية لوزير الدفاع، وإضافة "حماية مدنية الدولة" إلى الاختصاصات الدستورية للمؤسسة العسكرية. وتضمّن مشروع التقرير الصادر عن اللجنة العامة بخصوص تعديل الدستور، عدداً من المبادئ الأساسية، منها "إمكانية تعيين نائب لرئيس الجمهورية أو أكثر، وتعديل مدة الرئاسة لتصبح ست سنوات بدلاً من أربع، مع وضع ما يلزم في هذا الصدد من أحكام انتقالية، وتنظيم آلية موحدة لتعيين رؤساء الهيئات القضائية، وإعادة صياغة وتعميق دور القوات المسلحة، وجعل تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة".
ونفى رئيس مجلس النواب علي عبد العال، تحديد موعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية المقترحة. وقال، خلال مشاركته في الجلسة الخامسة لـ"الحوار المجتمعي" حول التعديلات الدستورية، الخميس الماضي، إن الهيئة الوطنية للانتخابات لم تحدد حتى الآن موعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية. وعقدت مساء الخميس الماضي، الجلسة الخامسة لـ"الحوار المجتمعي"، حول التعديلات الدستورية المقترحة، بمشاركة ممثلي عدد من المؤسسات المالية والاقتصادية المصرية. وأفادت مصادر في "الهيئة الوطنية للانتخابات" في مصر بأن "لجنة مشتركة من الهيئة والاستخبارات العامة والشرطة ووزارة المالية، أقرّت مجموعة من النماذج لبطاقات الاقتراع في استفتاء التعديلات الدستورية، المقرر إجراؤه قبل بدء شهر رمضان". وأكدت أن "الاقتراع سيكون على مجموع التعديلات، إذ إنها غير مجزأة، ولن يستطيع الناخب الموافقة على بعض المواد ورفض بعضها الآخر، بحسب ما دعا إليه بعض النواب والشخصيات العامة الذين حضروا الحوار، الذي أداره البرلمان حول التعديلات في الأيام الماضية". ونفت المصادر بشكل قاطع ما ذكره عبد العال، خلال جلسات "الحوار المجتمعي"، عن أن "الصياغات النهائية للنصوص لم يتم وضعها حتى الآن، وأنه من المحتمل أن تلغى بعض النصوص الأساسية في التعديلات". وشددت المصادر على أن "التغييرات التي من الممكن أن تطرأ على التعديلات لا تتعدى حذف بعض الألفاظ أو استبدالها"، كاشفة عن أن "النصّ الذي من الوارد جداً تعديله، هو الخاص بالموازنات المستقلة للجهات والهيئات القضائية، إذ يمكن أن يتم الإبقاء على تحكم كل هيئة في موازنتها المستقلة، لكن ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان سيتم الإبقاء على إدراج كل موازنة (رقماً واحداً) أم أن هذه العبارة ستحذف".
وعن الإجراءات المرتقبة للاستفتاء، رجّحت المصادر أن "يُجرى الاستفتاء خلال 3 أو 4 أيام، بواقع يوم أو يومين للناخبين خارج مصر، ثم يومين للناخبين داخل مصر"، موضحة أن "قرار إجراء الاستفتاء على مدى يومين في الداخل يصعّب تأجيل الموعد إلى الأسبوع الأول من مايو/أيار المقبل، نظراً لتعاقب عطلة عيد العمال (الأربعاء أول مايو) والعطلة الرسمية (الجمعة 3 مايو) واحتمال أن يكون الأحد 5 مايو بداية شهر رمضان. وبتطبيق الأمر ذاته على الأسبوع الأخير من شهر إبريل، سيكون الأكثر منطقية إجراء الاستفتاء في الأسبوع الثالث منه، وتحديداً قبل عطلة عيد تحرير سيناء (الخميس 25 إبريل)". وذكرت المصادر أن "بعض المختصين داخل الأجهزة الاستخباراتية والأمنية والهيئة الوطنية للانتخابات يفضّلون إجراء الاستفتاء في يوم واحد، لكن القرار الرسمي حتى الآن هو إجراؤه في يومين لتحقيق أهداف عدة، على رأسها منح السلطات فرصة أطول لدفع المواطنين للنزول والتصويت لمصلحة التعديلات مدفوعين بإغراءات مالية واقتصادية، استغلالاً لحلول شهر رمضان وحاجة الأسر المصرية الماسّة للغذاء والكساء، خصوصاً بعد حشد عدد كبير من الجمعيات والأحزاب والنواب للمشاركة في إعداد شنط (حقائب) رمضان وتوزيعها مسبقاً بمناسبة الاستفتاء".
كما تسعى السلطات إلى مضاعفة مكافأة القضاة المشرفين على الاستفتاء والموظفين الذين سيساعدونهم في إدارة اللجان، لتصبح مكافأة القاضي الإجمالية لليومين 6 آلاف جنيه (346 دولاراً) بالنسبة للجنة الفرعية، و10 آلاف جنيه (577 دولاراً) للإشراف على اللجنة العامة، وذلك في إطار التصدي الرسمي لدعوات مقاطعة الإشراف على الاستفتاء التي كان يتبنّاها في البداية عدد من أعضاء مجلس الدولة، احتجاجاً على حذف اختصاص مجلس الدولة بالمراجعة المسبقة على جميع التشريعات قبل إصدارها، ومراجعة جميع العقود الحكومية، وعدم اختصاصه وحده بالإفتاء في المسائل القانونية التي تُثار أمام الجهات الحكومية. ثم امتدت الدعوات إلى قضاة المحاكم العادية، احتجاجاً على دسترة سلطة الرئيس في اختيار رؤساء الهيئات القضائية، وعلى رأسها المحكمة الدستورية العليا ومجلس القضاء الأعلى وتعيين النائب العام.
ووفقاً للمصادر فإن "السلطات تسعى أيضاً إلى امتلاك وقت أكبر للتعامل مع المعارضة التي تنتظر التعديلات، وحتى لا تفاجأ الأجهزة بنجاح دعوات النزول للاستفتاء والتصويت بـ"لا"، فتقف عاجزة عن مجاراتها بالسرعة المطلوبة، فضلاً عن خشيتها من أن يؤدي هذا الأمر إلى خلل في نسب التصويت لمصلجة المعارضة. وبالتالي، فإن إتاحة يومين للاقتراع سيكون حلاً مناسباً، لتلافي أي نتائج غير سارة أو آثار غير مرجوّة لحشد المعارضة". يأتي هذا الاتجاه من الدولة بعدما انتشرت أخيراً دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي لتحفيز المواطنين، خصوصاً الشباب، للمشاركة في الاستفتاء والتصويت برفض التعديلات الدستورية، وعدم إبطال الصوت أو المقاطعة، علماً بأن حملات الاعتقال التي شهدها مطلع الشهر الماضي في أوساط شباب ونشطاء الأحزاب والتيارات غير الدينية كانت تستهدف بشكل أساسي شباباً أسهموا في نشر هذه الدعوات للمشاركة ورفض التعديلات وعدم المقاطعة.