مصر: أهداف المجلس الجامع للهيئات القضائية

14 يناير 2019
انتداب القضاة في صدارة المواضيع أمام المجلس الجديد(إبراهيم رمضان/الأناضول)
+ الخط -

أعاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أخيراً، تشكيل مجلس جامع للهيئات القضائية، تحت اسم "مجلس الهيئات القضائية"، قريب الشبه بالمجلس الأعلى للهيئات القضائية الذي كان قائماً في عهدي الرئيسين الراحل، أنور السادات، والمخلوع حسني مبارك، وفق دستور 1971، وتم إلغاؤه بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، بناءً على مطالبات من القضاة، باعتبار أن المجلس كان يهدف إلى السيطرة على الهيئات بواسطة وزير العدل الذي كان يرأس اجتماعات المجلس فعلياً.

ومنذ إعلان الرئاسة تشكيل المجلس الجديد، سيطرت على الأوساط القضائية تساؤلات عديدة عن أهداف إحياء هذه المظلة الجامعة للهيئات القضائية، وكذلك عن عدم ضم القضاء العسكري إليها، رغم النص في الدستور على أنه جهة قضائية مستقلة، تقف على السواء مع القضاء العادي ومجلس الدولة، فضلاً عن الأدوار التي يمكن لهذا المجلس أن يلعبها في ظل أقاويل تتردد بين الحين والآخر عن إنشاء نظام قضائي موحد بدلاً من تعدد الهيئات.

وقالت مصادر قضائية مطلعة في وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى، لـ"العربي الجديد"، إنه بدأ التداول بفكرة إحياء هذا المجلس منذ 6 أشهر، بمناسبة دراسة النظام مشكلة انتداب القضاة، إذ تبين أن هناك خلافات شاسعة بين رؤية كل هيئة ورؤية وزارة العدل للرؤى الأخرى، وهنا شعرت الرئاسة أنه يجب العمل على توحيد آراء القضاء حيال الملفات المختلفة التي قد تثير أزمات بين الهيئات، لتسهيل التعامل ومحاصرة مساحات الخلاف والمعارضة. وبدأت الرئاسة، من خلال أجهزتها الفاعلة، وعلى رأسها الاستخبارات العامة، استطلاع رأي القضاة في إعادة تشكيل المجلس الأعلى للهيئات القضائية، لكن ردود الفعل جاءت سلبية للغاية، بداية من رفض قضاة مجلس الدولة ومحكمة النقض تحديداً فكرة إعادة إحيائه، وانتهاءً باحتجاج بعض القضاة المقربين من شقيق رئيس الجمهورية، المستشار أحمد السيسي، على استخدام نفس الاسم سيئ السمعة "المجلس الأعلى للهيئات القضائية" الذي يقرّب إلى الأذهان مجلس مبارك، ومحاولات وزير العدل الأسبق، ممدوح مرعي، التحكم في موازنات وتعيينات الهيئات المختلفة.

وأضافت المصادر أن الرأي استقر في النهاية على إنشاء المجلس بتشكيل جديد، برئاسة وزير العدل، وعضوية رؤساء المحكمة الدستورية العليا، ومحكمة النقض، ومجلس الدولة، ومحكمة استئناف القاهرة، والنائب العام، ورئيس هيئة قضايا الدولة، ورئيس هيئة النيابة الإدارية، مع تعيين مساعد أول وزير العدل رئيساً للأمانة العامة للمجلس، على أن يسمى "مجلس الهيئات القضائية" بدلاً من "المجلس الأعلى"، وأن تُعرض على المجلس الجديد القرارات التي تمس مختلف الهيئات القضائية، وتتطلب تنسيقاً فيما بينها. وبحسب المصادر، فإن التسمية الجديدة أيضاً تثير حساسية بين الهيئات المختلفة، ويحاول رؤساء الدستورية والنقض ومجلس الدولة تغييرها لتصبح "مجلس الجهات والهيئات القضائية"، باعتبار أن الدستور ميّز في مواده بين "الجهات" التي من أعمالها إصدار الأحكام والفصل في النزاعات، وبين "هيئتي" النيابة الإدارية وقضايا الدولة، إذ تتولى الأولى تحريك الدعاوى التأديبية ضد الموظفين، فيما تتولى الثانية الدفاع عن الحكومة أمام المحاكم.


ويعكس حديث المصادر الهدف الأول من تشكيل المجلس، وهو إمعان السيطرة على الهيئات القضائية، وتوحيد قراراتها إزاء الملفات المختلفة، وذلك رغم أنه يترأس جميع الهيئات القضائية المصرية حالياً مستشارون معيّنون من السيسي بقرار جمهوري، بالمخالفة لقاعدة الأقدمية المعمول بها منذ نشأة القضاء المصري، استناداً للقانون الذي أصدره في إبريل/نيسان 2017 والمطعون فيه أمام المحكمة الدستورية حالياً، والذي استُبعد بسببه المستشاران يحيى دكروري وأنس عمارة من رئاسة مجلس الدولة ومحكمة النقض على الترتيب، نتيجة تقارير أمنية اعتبرتهما من معارضي النظام، بسبب إصدار الأول حكماً بمصرية جزيرتي تيران وصنافير، وتأييد الثاني لتيار الاستقلال القضائي في العقد الماضي.

وارتباطاً بهذا الهدف، تحل قضية انتداب القضاة في صدارة المواضيع المطلوب من المجلس الجديد حسمها، لا سيما بعد رفض مجلس الدولة مشروع القانون الذي أعدته وزارة العدل، في وقت تسابق الحكومة الزمن لإصداره قبل منتصف يناير/كانون الثاني المقبل، تنفيذاً للإلزام الدستوري الذي يحظر استمرار انتداب القضاة للعمل في الجهات الحكومية بعد مرور 5 سنوات على إصدار دستور 2014. وأكد مجلس الدولة، في بيان مفصل، أرسله للحكومة ومجلس النواب، أن المشروع به العديد من أوجه العوار، وأنه لا يجوز لوزير العدل استثناء الوزارة من الجهات التنفيذية واستمرار انتداب القضاة بها، موصياً بإصدار القانون قبل منتصف الشهر المقبل، تأسيساً على تفسير جديد للمادة الدستورية، فيصدر القانون متضمناً منح الحكومة أجلاً طويلاً للاستعداد لتنفيذه، ما يعني تأجيل تطبيق حظر استمرار انتداب القضاة عدة سنوات، بحجة عدم قابلية هذا النص الدستوري للتطبيق حالياً، بسبب الزعم بحاجة الجهات الحكومية لخدمات القضاة المنتدبين لترتيب أوضاعها القانونية. وأشارت المصادر إلى أن السيسي وجّه بإعادة المداولة بين الهيئات المختلفة على طاولة المجلس الجديد للاتفاق على مشروع خالٍ من المشاكل الدستورية، مع التأكيد على رغبته الشخصية في خفض الإنفاق العام على فئات المستشارين الحكوميين المنتمين للهيئات القضائية، استمراراً لعدم رضا السيسي، بل وغضبه أحياناً، من تفاصيل الإنفاق داخل الهيئات القضائية، وحصول مئات القضاة على مبالغ مالية تفوق ما يحصل عليه المسؤولون في الجيش أو الشرطة، نتيجة مزاوجتهم بين رواتب القضاء ورواتب عملهم في السلطة التنفيذية، فضلاً عن إصدارهم أحكاماً وفتاوى تمنع تطبيق نظام الحد الأقصى للأجور عليهم.

أما الهدف الثاني، بحسب المصادر، فإنه يرتبط بنظام التعيين والتدريب الجديد الذي تبحثه حالياً وزارة العدل مع هيئة الرقابة الإدارية والاستخبارات العامة لإنشاء أكاديمية لتخريج القضاة الجدد، والذي كشفت "العربي الجديد" تفاصيله في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. ومن المقرر أن تكون الأكاديمية تابعة لوزارة العدل، ويلتحق بها دورياً جميع الخريجين الجدد الذين تختارهم المجالس العليا للهيئات القضائية كمرشحين للعمل في تلك الهيئات، كمعاونين للنيابة العامة أو قضاة في مجلس الدولة أو أعضاء في النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة. وبعد اختيار المرشحين، بواسطة اختبار تحريري وآخر شفهي واجتيازهم اختبار القبول، وبعد إرسال أسماء المرشحين لجهاز الأمن الوطني وهيئة الرقابة الإدارية للإفادة بالتحريات الأمنية والمالية عنهم وعن ذويهم، سيتم إلحاق المرشحين المجازين أمنياً ورقابياً بالأكاديمية، لبدء فترة دراسة ومعايشة تستغرق 6 شهور تقريباً، سيتم خلالها تحديد القضاة الجدد. ومن المقرر، وفق المشروع، أن يكون نصف المواد التي سيدرسها طلاب هذه الأكاديمية ذات طابع قانوني متصل بعملهم القضائي، أما باقي المواد فستكون ذات طابع أمني وعسكري وسياسي ودبلوماسي، إذ سيلقنون محاضرات عن حروب المعلومات والأمن الاستراتيجي، شبيهة بالمواد التي يدرسها طلاب أكاديمية ناصر العسكرية والأكاديمية الوطنية لتأهيل الشباب للقيادة حالياً، وهما الأكاديميتان اللتان تلقّى الأعضاء الجدد بالنيابة الإدارية وقضايا الدولة محاضرات فيهما، كشفت تفاصيلها "العربي الجديد" في 5 فبراير/شباط و14 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي. وسيلعب المجلس الجديد دور منسق الأكاديمية المزمع إنشاؤها، وسيتم أخذ رأي أعضائه في عدد الخريجين المراد تعيينهم وطبيعتهم وتقديرهم، وفي وضع المعايير المقررة للاختيار والاستبعاد، بما يضمن تطبيقها على الجميع.

وكانت "العربي الجديد" كشفت، في وقت سابق، أن من بين أسباب تأخر قبول الدفعات الجديدة المختارة للعمل في النيابة العامة ومجلس الدولة، أن بعض كبار القضاة يعترضون على إلزام الهيئتين بتدريب القضاة الشبان بالبرامج والدورات الجديدة، واشتراط التحاقهم بأكاديمية تأهيل الشباب، إذ يتخوف بعض القضاة في المجلسين من الآثار السلبية لما قد يخلفه هذا الاتجاه الجديد، ليس فقط على المحصلة القانونية للقضاة الجدد ومدى قدرتهم على استيعاب القضايا المعروضة أمامهم وإدراك مفاهيم العدالة، بل أيضاً على علاقتهم بزملائهم الأقدم والأكثر خبرة، وانضمامهم للحقل القضائي محمّلين بأفكار وانتماءات تتناقض مع السمات المفترض تمتع القضاة بها، كالحياد والنزاهة والابتعاد عن السلطة التنفيذية. وارتباطاً بذلك، رجحت المصادر القضائية أن يكون للمجلس الجديد دور في حسم قضية تعيين المرأة في مجلس الدولة والنيابة العامة، بسبب فتح باب التعيين في الهيئتين للذكور فقط. ويرى مراقبون، من داخل وخارج السلطة، أن هذا الأمر مخالف للدستور الذي نص صراحة على المساواة بين الجنسين في مختلف التعيينات.