بانفعال شديد خاطب سعيد حسن المنيعي، سائق سيارة الإسعاف القادمة من مستشفى مدينة رفح على بعد قرابة 5 كم من موقع منزل قصف بصاروخين في سيناء، مما أسفر عن عشرة قتلى و5 إصابات، بعد نحو ساعتين من وقوع الحادث في الساعات الأولى من صباح اليوم.
تقترب سيارة الإسعاف من البيت الذي أصبح حطاماً، فيما يواصل سعيد، صراخه: "ساعتين يا كفره منتظرين الإسعاف، مات 3 أطفال واحنا بننتظر وصول الإسعاف اللي جاية من مستشفى رفح".
وسط مشاعر الحزن والغضب سارع الأهالي إلى نقل 5 مصابين بينهم أطفال إلى سيارة الإسعاف، وطالبوا السائق بنقلهم أولا إلى مستشفى العريش العام لإنقاذ حياتهم، وإرسال سيارات أخرى لنقل جثامين المتوفين إلى ثلاجة المستشفى ذاته.
وحسب شهود عيان فإن طائرة إسرائيلية استهدفت منزلاً مكوناً من طابقين في منطقة "نجع شيبانه " جنوبي مدينة رفح في شمال سيناء، مما أسفر عن مقتل 10 أشخاص بينهم 7 من أسرة واحدة، وإصابة 5 آخرين غالبيتهم من النساء والأطفال.
قصف على الطريقة الإسرائيلية
موسى المنيعي أحد أهالي قرية "نجع شيبانة" أكد لـ"العربي الجديد" أن القصف الذي استهدف منزلاً لأحد المواطنين البسطاء في قريته نفذته طائرة من دون طيار إسرائيلية، حيث قصفت منزلاً يعود إلى المواطن "أحمد ناصر أبو فريح" بصاروخين الأول نجا منه جميع من في المنزل.
وأضاف: "الصاروخ الثاني جاء بنفس أسلوب قصف الإسرائيليين لأهالي غزة، حيث تجمع الأهالي والجيران ومن في المنطقة للاطمئنان على الأسرة، فباغتهم الصاروخ الثاني، مما أسفر عن مقتل نحو 10 أشخاص وإصابة 5 آخرين بينهم أطفال ونساء.
من ناحيته قال، الناشط السيناوي سعيد أعتيق لـ"العربي الجديد" أن القصف استهدف منزلاً بجوار بيتي في قريتي شيبانة تحديداً في تجمع بئر شيبانة. يعود للحاج أحمد أبو ناصر أبو فريح ، فيه أكثر من 14 فرداً من العائلة كلهم من النساء والأطفال، وأعرف أصحاب البيت ولا يوجد بينهم أحدٌ متطرف ، أو له علاقة بالجماعات المسلحة".
وأضاف أعتيق أن "قصف 14 فرداً من النساء والأطفال العُزل، هي جريمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ونحمل القيادة العسكرية في سيناء كامل المسؤولية عن هذا القصف العشوائي، لمنازل المدنيين العزل على الشريط الحدودي".
وتابع مخاطباً القيادات العسكرية في سيناء:"إذا كنتم تريدون ترحيلنا ..أخبرونا ولا تقتلونا، لقد طفح الكيل من تلك العقول التي لا تريد أن تفهم".
أبو أحمد الرفحاوي، كما أراد أن يذكر اسمه ، قال من قرب المنزل الذي قُصف لـ"العربي الجديد" إن "رائحة الموت تفوح من أماكن عدة بنجع شيبانه، الشهداء كثر، جثث ملقاة أمام وداخل منزل الحاج، أحمد أبو ناصر، الذي أصبح تراباً".
وتابع "رأيت جثثاً أخرى في شارع متفرع أمام بقالة أبو يحيى وجثثاً أخرى في سيارة ربع نقل معظمهم أطفال تتراوح أعمارهم ما بين عامين إلى 15 عاماً، وجثثاً لسيدات من زوجات صاحب البيت، المتزوج من 4 سيدات "حسب قوله لـ"العربي الجديد".
الرواية الرسمية
من جانبه، سارع اللواء، علي العزازي، مساعد مدير أمن شمال سيناء عقب الحادث، بالتأكيد في تصريحات هاتفية، أن سبعة مدنيين قتلوا وأصيبت سيدة واحدة، إثر سقوط قذيفتين، بالخطأ على منزلين بقرية نجع شيبانة في منطقة رفح، كانتا تستهدفان نقطة ارتكاز لقوات الأمن على أطراف القرية".
الأمر الذي دفع "صهيب المنيعي"، أحد سكان القرية، لأن يقسم بأغلظ الإيمان، وهو يؤكد أن "القصف كان من خلال طائرة إسرائيلية من دون طيار، والمعروفة باسم "الزنانة" مكثت في سماء القرية قرابة ساعة، وهي تواصل "أزيزها" ومن ثم قصفت منزل الحاج "أحمد أبو فريح"، ولحقته بصاروخ آخر ليتدفق شلال الدم من أجساد الأطفال والنساء الأبرياء العزل".
ويوضح أن : "القصف تم من طائرة من دون طيار إسرائيلية، لأن الجيش المصري لا يملك مثل هذه الطائرات، وليست لديه هذه التكنولوجيا العالية".
وأكدت مصادر قبلية من شمال سيناء، أن الواقعة لم تكن الأولى من نوعها، إذ تكررت، منتصف ليل أول أمس الاثنين، حيث قصفت طائرة إسرائيلية من دون طيار معروفة شعبيّاً باسم"الزنانة"، منزلاً يعود للمواطن "نايف سليمان سالمان" 43 عاماً من قرية"المقاطعة " جنوبي الشيخ زويد، ودمرته بشكل كامل وأصابت رب الأسرة و10 أفراد من عائلته.
وتابعت المصادر لـ"العربي الجديد" أن "السلطات العسكرية المصرية منعت وصول إسعافات لنقل الجرحى والمصابين عقب الحادث مباشرة وانتظرت ساعات عدة بعد الانفجار، مما زاد من معاناة المصابين الذين من بينهم أطفال ونساء" ولفتت المصادر إلى أن "المنزل مملوك لمواطن بسيط وليس له أي انتماء سياسي ولا يتبع أي جماعات".
وكانت مصادر طبية في مستشفى العريش العام كشفت أن 6 مصابين وصلوا من قرية" المقاطعة " بالشيخ زويد ، ليل الاثنين، هم: "نايف سليمان سالمان 43 عاماً "الأب" أصيب بجرح قطعي في الرأس 3 سم، وانشراح سيد أحمد عبدالله 45 عاماً "الأم" أصيبت بخلع في الكتف اليسرى ونجلاء حلمي حبيب 21 عاماً أصيبت باشتباه ما بعد الارتجاج وكدمات متفرقة بالجسد، وديانا نايف سليمان 13 عاماً أصيبت بكسر في القدم اليسرى، وأشرف نايف سليمان 20 عاماً أصيب بجرح في الوجه واشتباه في كسر في العمود الفقري، ونور نايف سليمان 7 أعوام أصيبت بجرح في الصدر.
فتش عن الزنانة
من ناحيته يؤكد المواطن "أحمد أسليم أبو دراع" أحد سكان قرية المقاطعة جنوب الشيخ زويد، أن القصف تم من خلال طائرة استطلاع إسرائيلية من دون طيار "زنانة " جاءت من حدود رفح مع فلسطين المحتلة، تم تحديد خط سيرها من صوتها المعروف لسكان المنطقة الحدودية في سيناء. مضيفاً "قصفت الطائرة نفسها سيارة متوقفة أمام أحد المنازل في قرية المهدية، ولم يصب أحد، وقصفت منطقة "الجميعي" جنوب الشيخ زويد، مما أدى إلى إصابة طفل، وقصفت منطقة" أبو العراج" جنوب الشيخ، دون وقوع إصابات".
في المقابل، أصدرت الكتيبة العسكرية "101" مقر قائد العمليات العسكرية في شمال سيناء، في مدينة العريش بياناً مقتضباً بعد الحادث جاء فيه: "إن حادث نجع شيبانه ناتج عن سقوط قذيفتي هاون، أطلقهما عناصر تكفيرية على منزل أحد المواطنين، ونتج عن الحادث وقوع 7 قتلى من أسرة واحدة وإصابة سيدة".
وأشار البيان العسكري إلى أنه: "عقب الهجوم دارت اشتباكات بين قوات الأمن والعناصر التكفيرية، حيث تم توجيه طائرات الأباتشي للتعامل معهم، وتم قصف منزل اختبأوا فيه عقب تنفيذهم الهجوم مما أسفر عن مقتل 3 منهم".
غضب الأهالي
البيان المقتضب، أثار غضب الكثير من أهالي شمال سيناء وخصوصاً سكان المنطقة الحدودية، إذ قال المواطن، أحمد جمعة المنيعي: "الجيش المصري يحارب سكان الحدود في الشيخ زويد ورفح بصواريخ الطائرات الإسرائيلية من دون طيار، وعلى طريقة الأفلام العربي "بيلبسنا الطربوش"، ويقول، إن عناصر تكفيرية كانت تستهدف ارتكازاً أمنيّاً بقذيفتي هاون، وسقطتا بالخطأ على المنزل".
أما الهدف المؤكد حسبما يقول الناشط السياسي السيناوي، حسن حنتوش" فهو: "إرغام سكان الحدود في جنوب رفح والشيخ زويد على الرحيل من منازلهم وتركها رعباً وخشية على أسرهم وأطفالهم، لإقامة منطقة عازلة تبدأ من حدود فلسطين المحتلة، وتمتد في داخل الأراضي المصرية في سيناء، تنفيذاً لقرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي".
وقال إن هذا "بالتأكيد يتم بالتنسيق مع إسرائيل، من واقع أن ترحيل هؤلاء السكان مصلحة مشتركة بين الجانبين، بالنسبة لإسرائيل لتوفير منطقة أمنية لحدودها مع مصر، وبالنسبة للجيش المصري، فإن رحيل السكان طوعاً، هو الأفضل حتى لا يدفع الجيش والدولة تعويضات عن المنازل التي سيتركها سكانها بدعوى إنها منازل مهجورة".
فيما وصف إبراهيم عبدالله المنيعي البيان العسكري بأنه "ممتزج بالكذب، والغباء، واستدرك: "إن التعامل بغباء مع المدنيين العزل في الشيخ زويد و رفح يضر بهيبة الدولة، والجيش وتجعله هدفاً للانتقام، ويزيد من عدد المسلحين الجدد من أبناء الضحايا الذين يسقطون في مثل هذه الحوادث".
وفيما لا يزال الجدل محتدماً بين المصادر العسكرية التي تريد أن تكون روايتها حول الواقعة هي الحقيقية، وبين شهود عيان عاشوا الحدث وشاهدوه بعيونهم، يرقد الآن 5 مصابين على أسرة الشفاء في مستشفى العريش العام، لا يعلمون أن حائطاً واحداً، هو ما يفصل بينهم وبين جثامين10 من ذويهم، أزهقت أرواحهم يرقدون ممددين داخل مبرد المشرحة، في انتظار تصريح الدفن.