مصر: "القاهرة لحقوق الإنسان" يلغي دورته الطلابية

13 اغسطس 2016
هذه الأنشطة أصبحت ملاحقة بالتهديدات والمداهمات الأمنية (فيسبوك)
+ الخط -

"مصر لم تعد دولة آمنة لأحد"، بهذا العنوان الصادم، أعلن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان - منظمة مجتمع مدني مصرية - أنه قرر للمرة الأولى بعد 22 عاماً إلغاء دورته الطلابية السنوية للشباب حول حقوق الإنسان.

المركز الذي يعمل حاليا من باريس بعد إغلاق مكتبه في القاهرة، قال في بيانه الصادر اليوم السبت: "على مدار 22 عاما، وفي ظل ظروف وأنظمة سياسية مختلفة مرت على مصر، لم يتوقف مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عن عقد دورته التدريبية السنوية لشباب وخريجي الجامعات حول حقوق الإنسان".

وتابع البيان "إلا أنه وفي العام الذي أعلنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عاما للشباب، يضطر المركز للمرة الأولى لوقف هذا النشاط لأجل غير مسمى، بعدما أصبح من المستحيل إيجاد مساحة آمنة للشباب للتعلم أو الإبداع، وأصبحت السجون هي مصير كل من يهتم منهم بالشأن العام".

نشأت فكرة الدورة الطلابية في أوائل تسعينيات القرن الماضي (1993)، في فترة كان التطرف العنيف والإرهاب المتفشي في مصر قادر على تجنيد فئة كبيرة من الشباب المتعلم والجامعي وغرس قيمه المتطرفة فيه، وكانت رؤية مركز القاهرة وما زالت أن مواجهة الفكر المتطرف لا تتأتى إلا بالمعرفة والتعليم، وأن فلسفة نظام التعليم هي التي يمكن أن تقدم بيئة صحية للتطور المجتمعي تسمح بمجابهة الفساد والإرهاب والظلم والتعذيب والقتل والتحرش والاغتصاب وغيرها.

وعلى مدى أكثر من 20 عاماً تمحورت وتطورت فلسفة الدورة الطلابية على أسس نقدية للنظام التقليدي للتعليم المدرسي، من خلال السعي لإيجاد ارتباط شرطي بين السجل التعليمي وقيم التسامح والمساواة والتعايش المشترك والميل للتعاون والرغبة في مساعدة الآخرين وعدم التمييز والشعور بالمسؤوليات الأخلاقية والاجتماعية، وذلك من خلال إيجاد مناخ آمن للحوار بين أطراف متنوعة ومختلفة، على نحو يساهم عملياً في تحسين البيئة المجتمعية ويضع حداً للظلم الاجتماعي ويواجه ثقافة الكراهية والعنف.


"لقد تخرج من هذه الدورة الطلابية أكثر من 1200 شاب وفتاة، انطلقوا لميادين العمل العام، فكان من بينهم حقوقيون، وسياسيون وصحافيون وباحثون ودبلوماسيون وقضاة ورجال أعمال وفنانون ومخرجون ومؤسسو مبادرات اجتماعية رائدة للتعاطي الإيجابي والسلمي مع مشكلات مجتمعاتهم. وفي كل دورة طلابية، وخلال 50 جلسة تدريبية، كان على هؤلاء المشاركين بحث الجذور الفكرية لحقوق الإنسان في الثقافة العربية والأديان والثقافات والحضارات المختلفة، ليس فقط من خلال المقاربة النظرية ولكن بالتجربة الواقعية، إذ كان يشترط في المشاركين التنوع بكل مستوياته: الثقافي، الديني، الجنسي، الإيديولوجي، السياسي، فضلا عن الحرص على ضم مشاركين ومدربين من بلدان عربية أخرى، لتغذية النقاش وإثقال التجربة"، بحسب المركز.

إلا أن تحقيق هذا التنوع أصبح أمراً مستحيلاً في الوقت الحالي، بحسب البيان، الذي أضاف: "فبين صعوبات متكررة في الدخول لمصر وتهديدات حقيقية للمشاركين من خارج مصر، امتد الخطر أيضا للمشاركين المصريين الذين أصبح انضمامهم لنشاط منظمة حقوقية تهمة ومدخلا للتنكيل بهم، وخطرا قد يصل بهم للسجون، كما سبق وحدث لعدد من خريجي الدورة في السنوات السابقة".

وتابع: "أهم مخرجات هذه الدورة كانت تتمثل في الأعمال الفنية التي يبدعها المشاركون من عروض حكي مسرحي، فرق كورال وأغان، معارض فوتوغرافية، وحملات المناصرة والأبحاث العلمية، وغيرها من المخرجات التي يطوعها المشاركون للتعبير عن تصوراتهم ورؤيتهم لحقوق الإنسان، إلا أن مثل هذه الأنشطة أصبحت ملاحقة بالتهديدات والمداهمات الأمنية، فضلا عن خطر المصادرة والمنع، الأمر الذي يجعل مجرد مشاركة أكثر من 50 شابا وشابة في هذه الدورة مخاطرة وتهديداً مباشراً لسلامتهم وأمنهم".

وأوضح "للأسف لم تعد مصر مكانا آمناً لأي نشاط سلمي خلّاق، ولا مجال فيها لتلك الأنشطة والفعاليات، بعدما أصبحت مكافحة الفساد تهمة عقوبتها السجن (هشام جنينة مثالا)، والتمسك بتراب الوطن والاحتجاج السلمي والقانوني على بيع أراضيه جريمة تستوجب الحبس الانفرادي (مالك عدلي وآخرون). والبحث العلمي والدراسة الأكاديمية خطر يهدد بالقتل (جوليو ريجيني مثالا)، أو السجن (إسماعيل الإسكندراني وهشام جعفر وآخرون)".

وأكد البيان أن "مجرد السخرية من بؤس الوضع بالغناء أو الرسم جريمة تستوجب السجن (فرقة أطفال شوارع)، وحمل الورود على قبور الشهداء تهديد للسلم يستوجب القتل (شيماء الصباغ مثالا)، والدفاع عن حقوق الإنسان سبة وتهمة لا يلقى أصحابها إلا التشهير والاتهامات بالخيانة والعمالة، فتُصادر أموالهم وتُغلق منظماتهم". 

 

دلالات
المساهمون