مصر: فقر مائي وعجز حكومي في مواجهة أزمة سد النهضة

23 ابريل 2018
الجفاف يهدّد زراعة مصر (Getty)
+ الخط -

ما بين تصريحات رئيس مجلس النواب المصري علي عبد العال، التي أكد خلالها أن مصر تعاني "فقرًا مائيا"، وتجاهُل إثيوبيا والسودان لدعوة القاهرة لاستكمال مفاوضات سد النهضة، والذي قابلته تصريحات منفعلة لوزير الخارجية المصري سامح شكري، أكد خلالها أن بلاده "لن تقبل بفرض وضع قائم"، وبين خطة وزارة الري لإزالة مساحات مزروعة بمحصول الأرز بحجة أنه يستهلك كميات كبيرة من المياه، وتضارُب تصريحات وزير الري التي أكد خلالها أن الحل الوحيد لمواجهة الفقر المائي هو "تحلية مياه البحر"، يجد المواطن المصري نفسه أمام حكومة مرتبكة ومتخبطة، لا تستطيع التعامل مع الملف الأخطر الذي يواجه الأمن القومي لبلاده وهو ملف المياه.

أخيرًا، شنّت وزارة الري بمساعدة شرطة المسطحات المائية حملات مكثفة، استهدفت إزالة شتلات محصول الأرز من أراضٍ زراعية في بعض المحافظات بحجة أنها زُرعت بالمخالفة للقرار الوزاري رقم 28 لسنة 2018، والذي خفض المساحة المزروعة من الأرز في مصر من 1.1 مليون فدان إلى 700 ألف فقط، في مسعى لتوفير المياه، وخصوصًا مع اقتراب بدء تشغيل سد النهضة الإثيوبي المقرر في يونيو/ حزيران المقبل، والذي سيؤثر على حصة مصر من مياه النيل، بحسب ما يؤكده خبراء المياه والري.

ووافق مجلس النواب، أمس الأحد، على تعديل قانوني يتيح للحكومة حظر زراعة محاصيل معينة في مناطق تحددها، وقال رئيس المجلس علي عبد العال إن مصر تعاني فقرًا مائيًا. ونص التعديل على أنه "لوزير الزراعة واستصلاح الأراضي بقرار منه بعد التنسيق مع وزير الموارد المائية والري أن يحظر زراعة محاصيل معينة في مناطق محددة، وله أن يستثني من ذلك مزارع الوزارة والحقول الأخرى التي تستعمل للتجارب والإكثارات الأولى للمحاصيل".

وعاقب التعديل الذي أُدخل على قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966، المخالفين بغرامة لا تقل عن 3 آلاف جنيه ولا تزيد على 10 آلاف جنيه (الدولار = 17.60 جنيها) عن الفدان أو كسوره وإزالة المخالفة على نفقته. وأجاز حبس المخالف مدة لا تزيد على ستة أشهر.

وكان يوم الجمعة الماضي، هو الموعد المحدد للاجتماع الثاني التُساعي المقرر بين الدول الثلاث (مصر، وإثيوبيا، والسودان) والذي يضم وزراء الخارجية الثلاثة، ووزراء الري الثلاثة، ورؤساء أجهزة المخابرات الثلاثة، وكان مقررا عقد الاجتماع بالقاهرة، إلا أن إثيوبيا والسودان لم تلتزما بموعد الاجتماع، وتأجل إلى موعد لم يتم تحديده بعد.

وتعليقًا على ذلك، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري: "الزمن يداهمنا ولن نقبل بفرض وضع قائم". وأضاف شكري في لقاء تلفزيوني، إن مصر لم تتلق ردًا من إثيوبيا والسودان حول الدعوة التي وُجهت لعقد جولة مفاوضات جديدة في القاهرة غدًا، متابعًا "مصر بذلت كل جهد خلال جولة الخرطوم، وتفاوضت بحسن نية وتقدير لمصالح الشركاء، من خلال طرح مبادرات تلبي مصالح الجميع، والزمن يداهمنا مع مزيد من فقْد الوقت".

واعتبر خبراء أن تصريحات شكري تنمّ عن تصاعد الخلاف بين مصر وإثيوبيا وازدياد حدة التوتر بين البلدين. وقال رئيس قسم الموارد الطبيعية بمعهد الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة عباس الشراقي، في تصريحات، إن التعنت الإثيوبي يدفع مصر قُدمًا لتدويل القضية، معربًا عن قلقة تجاه إصرار إثيوبيا على التشغيل التجريبي للسد نهاية يونيو/ حزيران المقبل.

في محافظة الشرقية بدلتا مصر، قامت إدارة هندسة ري الزقازيق، الخميس 19 إبريل/ نيسان، بإزالة 8 أفدنة من الأرز بقرية الطيبة، بالتنسيق مع شرطة المسطحات المائية بالمحافظة، وهو الأمر الذي تكرر في محافظات أخرى، وأثار غضب الفلاحين، حيث اعتبرت نقابتهم أن القرار "ظالم".

وقال رئيس النقابة العامة للفلاحين حسين عبد الرحمن أبو صدام، إن قرار تخفيض المساحة المزروعة من الأرز من 1.1 مليون فدان إلى 700 ألف فدان فقط، قرار ظالم لمزارعي الأرز وغير مدروس بدرجة كافية، وسوف يؤدي إلى بلبلة وارتفاع في أسعار الأرز، كما يؤدي إلى بوار الأرض الزراعية.

وأكد أبو صدام في تصريحات، أن الحكومة اختارت الحل الأسهل لترشيد المياه في القضاء على الفلاح والزراعة، وأن هذا القرار المتسرع سوف تنتج عنه نتائج عكسية، وخاصة أن معظم هذه المساحات تشرب عن طريق الصرف الزراعي، وأن الأرز لا يستهلك كل المياه، فهو يحتاج أرضًا رطبة فقط وتصفّى منه المياه لتزرع بها زراعات أخرى، كما أن المحصول البديل لزراعة الأرز يستهلك كمية المياه نفسها، لأنه لا يمكث في الأرض أكثر من 120 يومًا.

وأشار إلى أن الحكومة لم توفر البديل للفلاح، حيث إنه "لا يوجد تقاوي قطن لزرع هذه الأراضي باعتبار القطن محصولا بديلا للأرز، وذلك لعدم جدوى زراعة محاصيل أخرى، كالذرة، التي تتهاون الدولة في تسويقها، ومعظم الفلاحين يفضلون دفع غرامة بدلا من عدم زراعة الأرز، لأن الخسارة في عدم زراعة الأرز أكثر".

وانتقد عضو مجلس النواب السيد حجازي، قرار الحكومة بشأن تخفيض المساحات المزروعة بمحصول الأرز، هذا العام، مؤكدًا أن الفلاح سيعاني كثيرا بسبب ذلك القرار.
وقال حجازي، في تصريحات للمحررين البرلمانيين، إن "محصول الأرز من المحاصيل الرئيسية التي يعتمد عليها الفلاح في توفير مأكله طوال العام، في ظل ارتفاع الأسعار"، محذرا من أن ذلك القرار سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الأرز بشكل مبالغ فيه".

وانتقد عضو مجلس النواب سياسة الري بشأن زراعة المحاصيل، مشيرا إلى أن الوزارة تطلب من الفلاحين زراعة الذرة فقط، أو القمح، وهو الأمر الذي لا يحقق أي هامش ربح للفلاح، في ظل تقلص المساحات الزراعية وتقسيمها على أبناء الفلاحين، حيث لم يعد الفلاح يملك سوى عدد من القراريط، يحاول من خلال زراعتها تحقيق اكتفاء ذاتي لمتطلباته ومأكله.

وعلى الرغم من إقرار مجلس النواب المصري لتعديل قانوني يتيح للحكومة حظر زراعة محاصيل معينة، توفيرًا للمياه، وقرار وزير الري بتقليص المساحات المزروعة بالأرز، إلا أن الوزير نفسه أكد أن الحل الوحيد لأزمة العجز في المياه، هو "تحلية مياه البحر".

وقال الوزير محمد عبد العاطي، إن "الدولة بحاجة إلى ترشيد المياه، سواء كانت مياه الشرب أو مياه الزراعة، لأن مصر تستخدم حاليا 11 مليار متر مكعب من مياه الشرب"، مشيرًا إلى أن "الحل الوحيد لأزمة العجز في المياه، هو أن نلجأ لتحلية مياه البحر، مثلما حدث في مدينة العلمين الجديدة".

وأضاف عبد العاطي خلال زيارته لحزب الوفد، يوم السبت" "إن 95% من مساحة مصر صحراء، وأن الزيادة السكانية تؤثر بشكل كبير على الوضع المائي في الدولة"، مشيرا إلى أن ارتفاع درجة الحرارة في بعض أوقات السنة يؤثر هو الآخر على الوضع المائي.

وأشار إلى أن السبب في العجز المائي في مصر هو أن 97% من المياه في مصر مياه عابرة للحدود، كما أن مياه الأمطار في مصر قليلة، وكل ذلك تحديات تواجه الوضع المائي لدينا، كما أن أكبر تحدٍ للدولة هو الزياده السكانية، فكلما زاد عدد السكان كلما زاد استخدام المياه، وتابع: "نحتاج إلى 900 مليار جنيه لإنشاء محطات صرف صحي وتنقية المياه ولإدارة المخلفات الصلبة والسائلة".

يذكر أن وزير الخارجية السوداني المكلف، محمد عبد الله إدريس، قال إن موعد استئناف المفاوضات حول سد النهضة الإثيوبي، سيتم بالتشاور بين الدول الثلاث (السودان ومصر وإثيوبيا)، وذلك بعد نحو أسبوعين من فشل المحاثات التي أجريت في الخرطوم.

وقال إدريس، بمطار الخرطوم، للصحافيين، عقب زيارة الرئيس السوداني عمر البشير لإثيوبيا، إن موعد استئناف المفاوضات "سيتم بالتشاور بين الدول الثلاث عبر القنوات الرسمية، لتحديد الموعد الجديد". 
ويوم الجمعة، أكدت مصادر مصرية مطلعة على ملف مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، لجريدة "الأخبار" الرسمية، وجود مشاورات تجري حاليا بين الجهات المعنية بالدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، للاتفاق على تحديد موعد جديد.
المساهمون