مصحح مسارات المدينة العربية

18 مايو 2015
سابا جورج شبر (السادس إلى اليمين) 1947
+ الخط -

من لقطةٍ بعدسة تصوير فوتوغرافية بسيطة، تلحظ العينُ عدداً من الأشخاص في نصف دائرة، مجلس إدارة جمعية المعماريين والمهندسين العرب في القدس أمام كنيسة المهد في بيت لحم، والتاريخ هو عام 1947.

لم يذكر واضع كتاب "قبل شتاتهم" وهو يدرج هذه الصورة بين الصور الأخرى، سوى اسم مهندس معماري واحد من هؤلاء، السادس من اليمين، د. سابا جورج شبر (1923-1968)، العامل في دائرة الأوقاف الإسلامية.

كان هذا بعد حصوله على شهادة البكالوريوس الثانية من جامعة القاهرة في عام 1946، وإعداده لرحلة دراسية طويلة ستأخذه إلى جامعة ماساتشوستس في أميركا للحصول على درجة ماجستير في العمارة في عام 1948، ثم إلى جامعة كورنيل ليحصل على درجة دكتوراه في تخطيط المدن والتخطيط الإقليمي.

إذاً، من هذه اللقطة الفوتوغرافية خرج إلى العالم الفلسطينيُّ الذي سيشهد على مدن عصره، معماراً وهندسة وتنظيماً، وسيكون أول مخطط مدن في الوطن العربي قبل أن يقضي أربع سنوات في الولايات المتحدة في مجال التخطيط والتعليم في جامعاتها.

ولعل أكثر جوانب شهادته تأثيراً كانت تلك التي تناولت بعين نقدية حاذقة مصائر التحديث الذي اندفع إليه نشاط عمراني كبير اجتاح الوطن العربي لامست معظم مدنه في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، فلاحظ انعدام توفر الأسس التنظيمية السليمة في بعض الحالات، كما في حالة بيروت، وحذر من انحدار مدن عربية أخرى مثل الكويت إلى المنزلق ذاته، وعنى بذلك تبني أنماط معمارية لا تأخذ بعين الاعتبار عنصر الجغرافية، بما في ذلك المناخ، وطبيعة الموقع، والفلسفة المعمارية الأدق من العنصرين السابقين، تلك المتصلة بالنواحي الاجتماعية والمعنوية والجمالية أكثر من اتصالها بالنواحي المادية الملموسة، وأخيراً عنصر الحياة الاجتماعية الذي يتناول خصائص ومميزات وعادات البيئة.

لم يشهد سابا خلال حياته القصيرة (45 سنة) على عصره فقط، بل قدم شهادة على عصور عربية مضت، فكشف عن الجذور الحية النابضة، وحاول قدر الاستطاعة، وسط اجتياح الغباء والجهل والنهم المالي، تصور وتشكيل مدن عربية إنسانية مدركاً أن للعمارة دوراً فاعلاً في تشكيل الإنسان ذاته.

المساهمون