رغم إصدار قرارات بالإقفال في حقّ مصانع أغذية محليّة عدّة في ليبيا، غير أنّها ما زالت تنشط ومنتجاتها بمتناول المواطنين. واقع يؤكده المسؤول في جهاز الحرس البلدي في طرابلس، جمعة باني، لـ"العربي الجديد"، موضحاً أنّ أكثر من نصف تلك المصانع تنتج أغذية مخالفة للمواصفات المفروضة. يضيف باني أنّ "ما أتحدّث عنه هو المصانع المرخّصة، أمّا تلك غير المرخّصة المنشأة في داخل مزارع ومبانٍ خاصة، فلا نعلم عنها شيئاً"، لافتاً إلى أنّه أحصى "بصفة شخصية أربعة أصناف من المأكولات، واحد منها خاص بالأطفال، لا تملك سجلاً رسمياً في الأساس".
ويقول باني إنّ "الفساد الغذائي مستفحل من دون أيّ رادع، وسط عجز أجهزة الدولة عن تطويقه نتيجة قلّة إمكاناتها وعدم دعم الحكومة لها من جهة، ومن أخرى احتماء التجّار الجشعين بمليشيات ومسلحين". ويتابع قائلاً إنّ "جهاز الحرس زار في إحدى حملاته، برفقة فريق من مركز الرقابة على الأغذية والأدوية، في يناير/ كانون الثاني الماضي، مصنعاً للحليب والألبان، فاكتشف ثقوباً كبيرة في جدرانه تسمح بمرور الحشرات والقوارض، بالإضافة إلى أنّ سقفه كناية عن غطاء من المعدن، فيما الصرف الصحي غير مدروس". بالتالي، أُغلق بناءً على ذلك، بحسب ما يشرح باني، "بالإضافة إلى أنّ اليد العاملة فيه من جنسيات أفريقية مختلفة لا تحمل شهادات صحية. لكنّ الليبيين جميعهم يعرفون أنّ منتجات ذلك المصنع ما زالت تُعرض في الأسواق حتى يومنا".
اقــرأ أيضاً
وانتشار المصانع الغذائية المخالفة للمعايير الصحية اللازمة أمر كان قد أكّده كذلك المتحدث باسم جهاز الحرس البلدي في طرابلس، يوسف القيلوشي، في تصريحات صحافية في مطلع العام الجاري، لافتاً إلى أنّ 60 في المائة من المصانع المحلية مخالفة للمعايير والمواصفات، ولا سيّما تلك المتعلقة بالنظافة، مضيفاً أنّ الإجراءات التي تُتّخذ في حقّ مثل تلك المصانع تبدأ بالتنبيه والإنذار وتنتهي بإغلاقها. لكنّ باني يوضح أنّ "إجراءات الإغلاق لا تُنفَّذ نظراً إلى عدم توافر سلطة ضابطة".
وكانت شكاوى المواطنين قد تزايدت في نهاية العام الماضي، من جرّاء بيع أغذية فاسدة تباع في الأسواق، فيما ارتفعت حالات التسمّم بين المواطنين بعد تناولهم مأكولات بعض المطاعم. فيقول باني في هذا الإطار إنّ "الأمر الذي شكّل مخاطر كبيرة كان من الممكن أن ينتهي كقضية رأي عام، وهو ما دفع الحكومة إلى تشكيل فريق من جهاز الحرس البلدي ومركز الرقابة على الأغذية ودعمه بحماية مجموعات مسلحة متنّفذة في طرابلس. وقد تمكّن الفريق من الدخول إلى أمكنة كانت ممنوعة علينا بسبب احتماء أصحابها بمسلّحين".
من جهته، يتحدّث عبد الحكيم بلحسن، من فرع مركز الرقابة على الأغذية في البيضاء (شرق)، لـ"العربي الجديد"، عن "عجز فروع مركز الأغذية عن مزاولة مهامها"، شارحاً أنّ "أبسط وضع نواجهه هو التهديد". ويلفت إلى أنّ "أحد أشهر مصانع العصائر في البلاد ثبت استخدامه محلولاً خاصاً باللزوجة بكميات كبيرة جداً، ما يعني أنّه يخالف النسب المسموح بها. لكنّ أيّ جهة ليست قادرة على وقفه عن العمل نظراً إلى تنفّذه واحتمائه بمليشيا مسلحة". يضيف أنّ "السبيل الوحيد للتنبيه إلى حجم المخاطر التي يواجهها المواطن من جرّاء استهلاكه منتجات ذلك المصنع، هو نشر أصنافها على صفحات مركز الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي". ويشدّد بلحسن على أنّ الجهود من الجهات المعنية لا تتناسب مع حجم الخطر، موضحاً أنّه "في سوق الكريمية الذي يُعَدّ المزوّد الرئيس لأسواق الغذاء في البلاد، مصانع لإعادة تعبئة الأغذية منتهية الصلاحية وتزوير تواريخ صلاحيتها. فكيف لمركز رقابي، موظفوه غير محميين، أن يتعاطى مع الموضوع؟ ومن يستطيع إغلاق تلك المصانع التي تعمل في وضح النهار؟".
اقــرأ أيضاً
في السياق، تصف الباحثة في المركز الوطني لمكافحة الأمراض، عجيلية العرادي، آثار الأغذية الفاسدة بـ"الموت البطيء". وتوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "مختبرات التحليل أثبتت ما هو معروف من قبل الجميع، وهو أنّ شركات تعبئة المياه تستخدم عبوات بلاستيكية مصنوعة من مواد رديئة نظراً إلى رخص ثمنها، فتتفاعل تلك المواد مع الشمس عند نقلها أو مع اختلاف الحرارة عند تخزينها، ولعلّ أوّل آثاره السرطان مع مرور الوقت". وفي مثال آخر، تشير العرادي إلى "رقائق البطاطس التي تُنتَج في مصانع محلية معروفة من قبل الجميع، فتتفاعل موادها مع الأكياس التي تُعبّأ فيها، لأنّها تشترط ظروفاً معيّنة للتخزين غير متوافرة، والنتيجة كذلك هي السرطان على المدى الطويل". وتتابع العرادي قائلة إنّ "قوائم وزارة الاقتصاد تحظر إدخال 12 ألفاً و633 مادة في تصنيع الأغذية بسبب خطورتها"، سائلة: "من الذي يراقب ويمنع ذلك؟". وتوضح أنّ المادة الأكثر انتشاراً اليوم هي "الفورمول التي تضيفها مصانع الألبان بكميات كبيرة حتى يصمد أمام ارتفاع درجات الحرارة عند نقله في سيارات غير مخصصة للنقل أو في داخل المخازن. وهذه المادة تساوي الموت البطيء بكلّ ما لذلك من معنى". وتلفت كذلك إلى أنّ "أحد أبحاث التخرّج التي أشرفتُ عليها، أثبتتْ وجود مبيدات حشرية في عيّنات من التوابل المعروفة". وطالبت العرادي بـ"ضرورة استعادة قانون احتكار استيراد الأغذية ومواد التصنيع من قبل الدولة، وإقفال ذلك الباب أمام الشركات الخاصة، وذلك كإجراء أوّلي لوقف الفساد الغذائي".
ويقول باني إنّ "الفساد الغذائي مستفحل من دون أيّ رادع، وسط عجز أجهزة الدولة عن تطويقه نتيجة قلّة إمكاناتها وعدم دعم الحكومة لها من جهة، ومن أخرى احتماء التجّار الجشعين بمليشيات ومسلحين". ويتابع قائلاً إنّ "جهاز الحرس زار في إحدى حملاته، برفقة فريق من مركز الرقابة على الأغذية والأدوية، في يناير/ كانون الثاني الماضي، مصنعاً للحليب والألبان، فاكتشف ثقوباً كبيرة في جدرانه تسمح بمرور الحشرات والقوارض، بالإضافة إلى أنّ سقفه كناية عن غطاء من المعدن، فيما الصرف الصحي غير مدروس". بالتالي، أُغلق بناءً على ذلك، بحسب ما يشرح باني، "بالإضافة إلى أنّ اليد العاملة فيه من جنسيات أفريقية مختلفة لا تحمل شهادات صحية. لكنّ الليبيين جميعهم يعرفون أنّ منتجات ذلك المصنع ما زالت تُعرض في الأسواق حتى يومنا".
وانتشار المصانع الغذائية المخالفة للمعايير الصحية اللازمة أمر كان قد أكّده كذلك المتحدث باسم جهاز الحرس البلدي في طرابلس، يوسف القيلوشي، في تصريحات صحافية في مطلع العام الجاري، لافتاً إلى أنّ 60 في المائة من المصانع المحلية مخالفة للمعايير والمواصفات، ولا سيّما تلك المتعلقة بالنظافة، مضيفاً أنّ الإجراءات التي تُتّخذ في حقّ مثل تلك المصانع تبدأ بالتنبيه والإنذار وتنتهي بإغلاقها. لكنّ باني يوضح أنّ "إجراءات الإغلاق لا تُنفَّذ نظراً إلى عدم توافر سلطة ضابطة".
وكانت شكاوى المواطنين قد تزايدت في نهاية العام الماضي، من جرّاء بيع أغذية فاسدة تباع في الأسواق، فيما ارتفعت حالات التسمّم بين المواطنين بعد تناولهم مأكولات بعض المطاعم. فيقول باني في هذا الإطار إنّ "الأمر الذي شكّل مخاطر كبيرة كان من الممكن أن ينتهي كقضية رأي عام، وهو ما دفع الحكومة إلى تشكيل فريق من جهاز الحرس البلدي ومركز الرقابة على الأغذية ودعمه بحماية مجموعات مسلحة متنّفذة في طرابلس. وقد تمكّن الفريق من الدخول إلى أمكنة كانت ممنوعة علينا بسبب احتماء أصحابها بمسلّحين".
من جهته، يتحدّث عبد الحكيم بلحسن، من فرع مركز الرقابة على الأغذية في البيضاء (شرق)، لـ"العربي الجديد"، عن "عجز فروع مركز الأغذية عن مزاولة مهامها"، شارحاً أنّ "أبسط وضع نواجهه هو التهديد". ويلفت إلى أنّ "أحد أشهر مصانع العصائر في البلاد ثبت استخدامه محلولاً خاصاً باللزوجة بكميات كبيرة جداً، ما يعني أنّه يخالف النسب المسموح بها. لكنّ أيّ جهة ليست قادرة على وقفه عن العمل نظراً إلى تنفّذه واحتمائه بمليشيا مسلحة". يضيف أنّ "السبيل الوحيد للتنبيه إلى حجم المخاطر التي يواجهها المواطن من جرّاء استهلاكه منتجات ذلك المصنع، هو نشر أصنافها على صفحات مركز الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي". ويشدّد بلحسن على أنّ الجهود من الجهات المعنية لا تتناسب مع حجم الخطر، موضحاً أنّه "في سوق الكريمية الذي يُعَدّ المزوّد الرئيس لأسواق الغذاء في البلاد، مصانع لإعادة تعبئة الأغذية منتهية الصلاحية وتزوير تواريخ صلاحيتها. فكيف لمركز رقابي، موظفوه غير محميين، أن يتعاطى مع الموضوع؟ ومن يستطيع إغلاق تلك المصانع التي تعمل في وضح النهار؟".
في السياق، تصف الباحثة في المركز الوطني لمكافحة الأمراض، عجيلية العرادي، آثار الأغذية الفاسدة بـ"الموت البطيء". وتوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "مختبرات التحليل أثبتت ما هو معروف من قبل الجميع، وهو أنّ شركات تعبئة المياه تستخدم عبوات بلاستيكية مصنوعة من مواد رديئة نظراً إلى رخص ثمنها، فتتفاعل تلك المواد مع الشمس عند نقلها أو مع اختلاف الحرارة عند تخزينها، ولعلّ أوّل آثاره السرطان مع مرور الوقت". وفي مثال آخر، تشير العرادي إلى "رقائق البطاطس التي تُنتَج في مصانع محلية معروفة من قبل الجميع، فتتفاعل موادها مع الأكياس التي تُعبّأ فيها، لأنّها تشترط ظروفاً معيّنة للتخزين غير متوافرة، والنتيجة كذلك هي السرطان على المدى الطويل". وتتابع العرادي قائلة إنّ "قوائم وزارة الاقتصاد تحظر إدخال 12 ألفاً و633 مادة في تصنيع الأغذية بسبب خطورتها"، سائلة: "من الذي يراقب ويمنع ذلك؟". وتوضح أنّ المادة الأكثر انتشاراً اليوم هي "الفورمول التي تضيفها مصانع الألبان بكميات كبيرة حتى يصمد أمام ارتفاع درجات الحرارة عند نقله في سيارات غير مخصصة للنقل أو في داخل المخازن. وهذه المادة تساوي الموت البطيء بكلّ ما لذلك من معنى". وتلفت كذلك إلى أنّ "أحد أبحاث التخرّج التي أشرفتُ عليها، أثبتتْ وجود مبيدات حشرية في عيّنات من التوابل المعروفة". وطالبت العرادي بـ"ضرورة استعادة قانون احتكار استيراد الأغذية ومواد التصنيع من قبل الدولة، وإقفال ذلك الباب أمام الشركات الخاصة، وذلك كإجراء أوّلي لوقف الفساد الغذائي".