31 يناير 2018
مصالحة صفقة القرن أم مصالحة الذات؟
رجا ديب
الانقسام الفلسطيني الذي سبّبه صراع حركتي فتح وحماس على السلطة، واستمرت الحركتان فيه أزيد من عشر سنوات، فتكرّس سياسياً وجغرافياً، وذلك بانفراد "فتح" بالضفة الغربية و"حماس" بقطاع غزة. وبذلك يصير إنهاء هذا الانقسام مرهونا بتوصل الحركتين إلى اتفاقٍ على دور كل منهما في السلطة التي يتصارعان عليها، بالإضافة إلى حل القضايا التي تولدت عنه في السنوات العشر الماضية.
يبيّن الحوار الذي جرى بين الحركتين في القاهرة، وبمشاركة المخابرات العامة المصرية، وأعلنت نتائجه في 12 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، السياق الذي توصلت فيه الحركتان إلى المصالحة وإنهاء الانقسام. وقد جاء في بيان مشترك أنهما "اتفقتا على تمكين حكومة الوفاق الوطني من ممارسة مهامها، والقيام بمسؤوليتها الكاملة في إدارة شؤون قطاع غزة... بحد أقصى الأول من ديسمبر/كانون الأول 2017". بالتالي، فإن التعاطي مع المصالحة بين "حماس" و"فتح" يكون في السياق الذي يبينه البيان الختامي، للوقوف على نتائجها، وما سيترتب عنها على صعيد القضية الفلسطينية، والمشروع الوطني الفلسطيني الذي تجمع عليه فصائل منظمة التحرير.
تَركز معظم اهتمام المهتمين بالشأن العام الفلسطيني على دوافع هذه المصالحة لطرفيها، وماذا قدّم كل منهما للوصول إليها، من الذي تنازل للآخر، وعن ماذا، ومن الرابح أو المنتصر؟
خارج هذا السياق، وبعيداً عن ارتياح الشارع الفلسطيني، ودعمه المصالحة، وفي اتجاه آخر، فإن هذه المصالحة، نجحت أو فشلت، ستنقل القضية الفلسطينية إلى مرحلة جديدة، قد تكون في إطار ما تحضّر له الإدارة الأميركية لإحياء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، للأسباب التالية:
أولا، أظهرت سنوات الانقسام العشر لكل من إسرائيل والإدارة الأميركية أن القوى الفاعلة فلسطينياً هما طرفا الانقسام؛ حركتا فتح وحماس، وأنه ليس بمقدور أي منهما إخضاع الأخرى لها أو استيعابها، أما بقية الفصائل فدورها محدود وغير مؤثر. بالتالي، فإن إنجاح ما باتت تعرف بصفقة القرن، وتهيئ لها الإدارة الأميركية مع دول عربية، يتطلب جمع الحركتين، والتوافق بينهما، على المرحلة المقبلة ومتطلباتها، وعدم تكرار الحالة التي أعقبت اتفاق أوسلو وإنشاء السلطة الفلسطينية، عندما كانت "حماس" المعارض الفاعل والقوي ونجحت في ذلك، سواء بعملياتها العسكرية أو عندما دخلت السلطة وشاركت في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، وحصلت على الأكثرية فيه التي مكّنتها من استلام رئاسته ورئاسة الحكومة. لهذا، تعمل الإدارة الأميركية من أجل أن يكون الطرف الفلسطيني مؤهلاً للقيام بالدور الذي سيطلب منه لإنجاح صفقة القرن التي ستطرحها لإحياء المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، والمصالحة التي تمت بين حركتي فتح وحماس قد لا تكون بعيدة عن ذلك.
ثانيا، الدور المميز، هذه المرة، للطرف المصري لإنهاء الانقسام الفلسطيني أوكل لإدارة المخابرات العامة، فتحركّت هذه لجمع طرفيه، "فتح" و"حماس"، بعد أن حلت العقد التي تعترض ذلك. وأن يكون دور سلطة رام الله السياسي متوافقا مع ما هو مطلوب منها إسرائيليا وأميركياً، فإن حركة حماس هي الطرف المطلوب تكيفه مع الصفقة الأميركية التي يحضّر لها. لهذا كانت أولاً الاجتماعات التي جرت بين قيادة حركة حماس ومسؤولي إدارة المخابرات العامة المصرية في القاهرة في الشهر الماضي، ونجحت الأخيرة في الوصول إلى ما تريده من "حماس". ومن المهم الانتباه إلى أن ما قدمته الأخيرة لإنجاح المصالحة، ما يُطلق عليها بعضهم تنازلات، قدمتها للطرف المصري، وتفاهماتها حولها معه، وليس مع سلطة رام الله أو مع حركة فتح. بالتالي، الطرف المصري هو المقرّر في هذه المصالحة، وليس أياً من "حماس" و"فتح"، وما يقوم به على هذا الصعيد يلقى دعماً من الإدارة الأميركية، إن لم نقل بطلب منها.
ثالثا، ما ركّزت عليه المخابرات المصرية، وأعطته الأولوية هو التوافق بين الحركتين بشأن
السلطة وإنهاء الانقسام الجغرافي، ببسط سلطة رام الله على قطاع غزة، كونها السلطة المعترف بها إسرائيليا، ومؤهلة للقيام بالدور الموكل لها بموجب الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، خصوصا على صعيد الجانب الأمني. فما تسعى إليه الإدارة الأميركية هو أن تكون السلطة الفلسطينية موحدة وقادرة على تنفيذ الصفقة التي ستتقدم بها، ومؤهلة للدور المطلوب منها، والمصالحة بين "حماس" و"فتح" بناء على دور المخابرات المصرية، قد تندرج في هذا السياق.
لهذه الأسباب مجتمعة؛ تسير المصالحة الفلسطينية بخطوات مدروسة وثابتة، ابتداء من التحضير لها، وإن لم تكن إدارة المخابرات المصرية راعية لها بمقدار ما هي صاحبتها والمقرّر لها. ولهذا، إسرائيل تراقب وتتابع من دون أن تعرقل، وتطرح ما تريده منها، والإدارة الأميركية تثني وتؤيد. ونحن ننتظر ونراقب، لمعرفة ما إذا كانت تندرج في السياق المشار إليه، وهو أن تكون خطوة مطلوبة إسرائيلياً وأميركياً للبدء في مفاوضات فلسطينية- إسرائيلية في إطار صفقة القرن الأميركية لإنهاء الصراع، أم هي في سياق إعادة بناء الذات، بناء على رؤية وطنية تجمع الكل الفلسطيني، لمواجهة التحديات الجديدة، بعد أن اتضحت التسوية التي تعمل إسرائيل على الوصول إليها مع الفلسطينيين. نأمل ذلك ونتطلع إليه، على الرغم من أن المعطيات تجعلنا نستبعده، لكن في السياسة كل شيء وارد، والمفاجآت محتملة.
يبيّن الحوار الذي جرى بين الحركتين في القاهرة، وبمشاركة المخابرات العامة المصرية، وأعلنت نتائجه في 12 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، السياق الذي توصلت فيه الحركتان إلى المصالحة وإنهاء الانقسام. وقد جاء في بيان مشترك أنهما "اتفقتا على تمكين حكومة الوفاق الوطني من ممارسة مهامها، والقيام بمسؤوليتها الكاملة في إدارة شؤون قطاع غزة... بحد أقصى الأول من ديسمبر/كانون الأول 2017". بالتالي، فإن التعاطي مع المصالحة بين "حماس" و"فتح" يكون في السياق الذي يبينه البيان الختامي، للوقوف على نتائجها، وما سيترتب عنها على صعيد القضية الفلسطينية، والمشروع الوطني الفلسطيني الذي تجمع عليه فصائل منظمة التحرير.
تَركز معظم اهتمام المهتمين بالشأن العام الفلسطيني على دوافع هذه المصالحة لطرفيها، وماذا قدّم كل منهما للوصول إليها، من الذي تنازل للآخر، وعن ماذا، ومن الرابح أو المنتصر؟
أولا، أظهرت سنوات الانقسام العشر لكل من إسرائيل والإدارة الأميركية أن القوى الفاعلة فلسطينياً هما طرفا الانقسام؛ حركتا فتح وحماس، وأنه ليس بمقدور أي منهما إخضاع الأخرى لها أو استيعابها، أما بقية الفصائل فدورها محدود وغير مؤثر. بالتالي، فإن إنجاح ما باتت تعرف بصفقة القرن، وتهيئ لها الإدارة الأميركية مع دول عربية، يتطلب جمع الحركتين، والتوافق بينهما، على المرحلة المقبلة ومتطلباتها، وعدم تكرار الحالة التي أعقبت اتفاق أوسلو وإنشاء السلطة الفلسطينية، عندما كانت "حماس" المعارض الفاعل والقوي ونجحت في ذلك، سواء بعملياتها العسكرية أو عندما دخلت السلطة وشاركت في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، وحصلت على الأكثرية فيه التي مكّنتها من استلام رئاسته ورئاسة الحكومة. لهذا، تعمل الإدارة الأميركية من أجل أن يكون الطرف الفلسطيني مؤهلاً للقيام بالدور الذي سيطلب منه لإنجاح صفقة القرن التي ستطرحها لإحياء المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، والمصالحة التي تمت بين حركتي فتح وحماس قد لا تكون بعيدة عن ذلك.
ثانيا، الدور المميز، هذه المرة، للطرف المصري لإنهاء الانقسام الفلسطيني أوكل لإدارة المخابرات العامة، فتحركّت هذه لجمع طرفيه، "فتح" و"حماس"، بعد أن حلت العقد التي تعترض ذلك. وأن يكون دور سلطة رام الله السياسي متوافقا مع ما هو مطلوب منها إسرائيليا وأميركياً، فإن حركة حماس هي الطرف المطلوب تكيفه مع الصفقة الأميركية التي يحضّر لها. لهذا كانت أولاً الاجتماعات التي جرت بين قيادة حركة حماس ومسؤولي إدارة المخابرات العامة المصرية في القاهرة في الشهر الماضي، ونجحت الأخيرة في الوصول إلى ما تريده من "حماس". ومن المهم الانتباه إلى أن ما قدمته الأخيرة لإنجاح المصالحة، ما يُطلق عليها بعضهم تنازلات، قدمتها للطرف المصري، وتفاهماتها حولها معه، وليس مع سلطة رام الله أو مع حركة فتح. بالتالي، الطرف المصري هو المقرّر في هذه المصالحة، وليس أياً من "حماس" و"فتح"، وما يقوم به على هذا الصعيد يلقى دعماً من الإدارة الأميركية، إن لم نقل بطلب منها.
ثالثا، ما ركّزت عليه المخابرات المصرية، وأعطته الأولوية هو التوافق بين الحركتين بشأن
لهذه الأسباب مجتمعة؛ تسير المصالحة الفلسطينية بخطوات مدروسة وثابتة، ابتداء من التحضير لها، وإن لم تكن إدارة المخابرات المصرية راعية لها بمقدار ما هي صاحبتها والمقرّر لها. ولهذا، إسرائيل تراقب وتتابع من دون أن تعرقل، وتطرح ما تريده منها، والإدارة الأميركية تثني وتؤيد. ونحن ننتظر ونراقب، لمعرفة ما إذا كانت تندرج في السياق المشار إليه، وهو أن تكون خطوة مطلوبة إسرائيلياً وأميركياً للبدء في مفاوضات فلسطينية- إسرائيلية في إطار صفقة القرن الأميركية لإنهاء الصراع، أم هي في سياق إعادة بناء الذات، بناء على رؤية وطنية تجمع الكل الفلسطيني، لمواجهة التحديات الجديدة، بعد أن اتضحت التسوية التي تعمل إسرائيل على الوصول إليها مع الفلسطينيين. نأمل ذلك ونتطلع إليه، على الرغم من أن المعطيات تجعلنا نستبعده، لكن في السياسة كل شيء وارد، والمفاجآت محتملة.