لا يزال منفّذ واقعة الدهس في برلين متوارياً عن الأنظار، إذ أطلقت الشرطة الألمانية، اليوم الأربعاء، حملة مطاردة لتوقيفه، بعد الإفراج عن مشتبه به، وذلك بعد أكثر من 24 ساعة على الاعتداء الذي تبنّاه تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
ودهست شاحنة، مساء الإثنين، حشداً في سوق مزدحم بمناسبة أعياد الميلاد، وسط برلين، ما أسفر عن مقتل 12 شخصاً وإصابة 48، بعضهم إصاباتهم خطرة.
وعمّمت الشرطة الألمانية، اليوم الأربعاء، اسم مشتبه به جديد، هو (أنيس أ.) من أصول تونسية، مواليد عام 1992 ونشرت صوره، موضحة أنّه سافر عام 2012 إلى إيطاليا، وعاد عام 2015 إلى ألمانيا، وحصل على اللجوء عام 2016. وعاش في ولاية شمال راين وستفاليا، والتي تبعد 600 كيلومتر عن العاصمة برلين، مشيرة إلى أنّ له صلات مع شبكة "أبو الولاء" التي تم اعتقال عناصرها أخيراً.
ويأتي تعميم اسم المشتبه به الجديد، بعدما اضطر المحققون إلى الإفراج، مساء أمس الثلاثاء، عن مشتبه به أوقفوه، وهو طالب لجوء باكستاني، بسبب عدم وجود أدلة. والباكستاني البالغ من العمر 23 عاماً، وصل إلى ألمانيا عام 2015، وكان معروفاً لدى الشرطة بسبب أعمال إجرامية وأوقف سريعاً بعد الهجوم. لكن الشرطة ونيابة مكافحة الإرهاب، أقرّتا، أمس الثلاثاء، بأنّ المهاجم الفعلي "لا يزال فاراً بدون شك".
وعُثر على جثة بولندي في الشاحنة وقد قتل "رمياً بالرصاص"، يرجّح أنّه سائق الشاحنة التي سُرقت منه من قبل المنفّذ، وفق ما أعلن متحدث باسم وزارة الداخلية الإقليمية.
وهكذا عادت التحقيقات إلى المربع الأول، وفق خبراء أمنيين، إذ يتم التركيز حالياً على شهادات شهود العيان التي تمّ الإدلاء بها أمام المحققين، وتقييم أدلة الحمض النووي (دي إن إيه) وبصمات الأصابع، وبيانات نظام تحديد المواقع (جي بي إس).
وأوضح رئيس الشرطة الألمانية الاتحادية أندريه شولتز، في حديث تلفزيوني، مساء أمس الثلاثاء، أنّه لا يمكن حالياً الكشف عن الكثير من النقاب حول التحقيقات، مشيراً في الوقت عينه إلى "أدلة جديدة وعدد كبير جداً من المنطلقات".
وكشف أنّ شرطة برلين، تلقّت أكثر من 500 معلومة عن الاعتداء، لافتاً إلى أنّ هناك "الكثير من الطرق للعثور على الشخص المنفّذ".
وبعدما أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) تبنّيه الاعتداء، إذ نقلت وكالة "أعماق" أنّ "منفذ عملية الدهس في مدينة برلين الألمانية" هو من عناصر التنظيم، أكدت النيابة الألمانية المتخصصة في قضايا الإرهاب، أنّ السلطات لم تتأكد من صحة التبنّي، لكن "الهدف المختار وطريقة التنفيذ توحي بهجوم إسلامي"، بحسب قولها.
وبهدف تعزيز الأمن الداخلي، قرّرت الحكومة الاتحادية، اليوم الأربعاء، توسيع المراقبة بالفيديو في البلاد، وخصوصاً في الأماكن العامة مثل الملاعب الرياضية ومراكز التسوّق، ما قد يستوجب تعديل قانون الخصوصية، بعد أخذ المخاوف الأمنية بعين الاعتبار.
وبينما يتواصل تعزيز الإجراءات الأمنية في برلين، شكّل الاعتداء مناسبة جديدة لتكرار الشعبويين من اليمين هجومهم على المستشارة أنجيلا ميركل، واتهمامها بتعريض البلاد للخطر عبر سياسة الهجرة التي تنتهجها، قبل أقل من سنة من الانتخابات التشريعية.
وكتب أحد المسؤولين في حزب "البديل لألمانيا" اليميني ماركوس بريتزل، عبر "تويتر"، "إنّهم ضحايا ميركل"، في حين رأت القيادية في الحزب فراوكي بيتري، أنّ "ألمانيا لم تعد آمنة" بمواجهة ما وصفته "إرهاب الإسلام المتطرف"، ونددت بقرار المستشارة فتح أبواب ألمانيا أمام اللاجئين.
في المقابل، استنكر وزير الداخلية الألماني توماس دي مزيير، هذه الاتهامات "الشنيعة"، كما ورد على موقع صحيفة "بيلد"، مساء أمس الثلاثاء.
ونفى وزير الداخلية وجود أطفال بين قتلى الاعتداء، مشيراً خلال مشاركته في برنامج تلفزيوني، مساء أمس الثلاثاء، إلى تعرّف السلطات على هويات 6 أشخاص من الضحايا، قائلاً "ليس هناك أطفال، ولكن قد يكون هناك عدد من الشباب".
ولفت إلى أنّ الجهات المعنية لا تملك معلومات عمّا إذا كان هناك مواطنون أجانب بين الضحايا، آملاً إحراز تقدّم في التحقيقات المستمرة حول الملابسات.
وتذكر واقعة الدهس هذه باعتداء نيس في فرنسا، في 14 يوليو/ تموز الماضي الذي أوقع 86 قتيلاً. ومع أنّ ألمانيا ظلّت حتى الآن بمنأى عن اعتداءات ضخمة نوعاً ما، فقد شهدت أخيراً اعتداءات عدة متفرقة. فقد تبنى "داعش" في يوليو/ تموز الماضي، اعتداءين منفصلين نفذهما سوري في الـ27 من العمر، وطالب لجوء في الـ17 يرجّح أنّه أفغاني، أحدهما بواسطة قنبلة والآخر بالسلاح الأبيض، وأوقعا حينها عدة جرحى.