17 أكتوبر 2024
مشاورات جنيف السورية إلى الفشل
بخلاف ما يعتقد كثيرون، لا يعبر المنهج الذي اعتمده مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، لتنظيم لقاءات جنيف لبحث الحل السياسي في سورية، سواء ما تعلق منه بالتمسك بالدعوات الشخصية، بدل المنظمات، أو استبعاد جدول أعمال واضح، أو الإعلان عن الهدف الحقيقي للمشاورات، لا عن سذاجة المبعوث الدولي، ولا عن عجزه عن وضع جدول أعمال، أو تحديد أهداف اللقاءات وتوضيح غايتها. بالعكس، إنه مدروس بعناية، بهدف تحقيق خمسة أغراض أساسية:
الأول: توسيع دائرة المشاركين في مشاورات الحل السياسي، من دون تحديد معايير واضحة. وهذا ما يسمح لدي ميستورا باستبعاد التنظيمات لصالح الشخصيات التي لا يجمعها تصور مشترك، ولا هدف واضح، ويعطيه خيارات أكثر في تصور المبادرة التي يفكر فيها أو في تبريرها.
الثاني: إلغاء احتكار الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية شرعية المعارضة، ومعه إلغاء أهم ورقة لدى المعارضة، وهي اعتراف المجتمع الدولي به ممثلاً للشعب السوري، حتى يمكن تجنب الضغوط الدولية، ومساواة رأي المعارضة برأي أي أشخاص منفردين.
والثالث: تبرير دعوة حكومة طهران وشرعنة إشراكها في أي مفاوضات حالية، أو مقبلة، حول مصير سورية، وتكريس دورها، وفي ما بعد مكاسبها في سورية وعموم الإقليم.
والرابع: إلغاء سقف جنيف 1، من أجل تسهيل حل عقدة الأسد، التي يعتقد دي ميستورا أنها كانت سبب فشل المفاوضات السابقة، وإيجاد المبررات لإبقائه شريكاً في الحل، سواء أكان ذلك من باب إرضاء طهران، أو في سبيل طمأنة الأسد وبطانته على مصيرهم، وكسب ثقتهم وتعاونهم في الموافقة على المغامرة في الدخول في الحل السياسي.
والخامس: إيجاد الشروط السياسية والفكرية واللوجستية لتحقيق المبادرة التي تفيد دلائل كثيرة بأن مضمونها هو الدمج بين مطالب طهران التي عبرت عنها في مبادرتها العام الماضي وبيان جنيف الذي شكل أساس المفاوضات حتى الآن، والذي تمسكت به الأطراف الدولية الداعمة للمعارضة، بينما لا تزال ترفضه طهران ودمشق، بينما تفسره موسكو على أنه تسوية سورية سورية، بوجود الأسد واستمرار نظامه.
ومن المعروف أن تعيين دي ميستورا وصياغة أفكاره للحل جاءا في فترة كانت المعارضة، المسلحة والسياسية، في تراجع كبير، دبلوماسي وعلى الأرض، وبعد فشل الأمم المتحدة في القيام بواجباتها إزاء الكارثة الإنسانية، وإخفاق جولتي جنيف1وجنيف2، بينما كانت طهران في عز نشوتها بالنصر، وبرزت توجهات في أكثر من مكان ودولة تدعو إلى إعادة تأهيل الأسد لاستخدام جيشه ضد الإرهاب الداعشي.
وقد بدأ دي ميستورا مهمته بتخفيض سقف توقعاته في مجال الحل السياسي. وكان يعتقد أنه ليس هناك أي فرصة للتقدم فيه، وأن أفضل ما يمكن عمله هو تخفيف المعاناة عن السوريين، والتقليل من العنف، فتوجه نحو التشجيع على عقد هدن محلية، مبتدئا من القسم المحرر من حلب.
وبعد فشله في هذه الخطة، تخلى كليا عن استراتيجية البدء من تحت، أي من الهدن المحلية، واستبدلها برؤية مختلفة تماماً، تقوم على البحث عن تسوية بين الدول الإقليمية مقدمة لمفاوضات اعتبرها مستحيلة بين الأطراف السورية. ولذلك، ليست دعوته طهران للمشاركة في لقاءات جنيف الجديدة تفصيلاً، وإنما هي أساس الجدة في الموضوع والعامل الرئيس الذي يراهن عليه، لصناعة الفرق مع مؤتمري جنيف الأول والثاني. ولم يبق أمام دي ميستورا ليصنع المعجزة سوى إقناع الأطراف الإقليمية والدولية، طهران وموسكو من جهة والعرب وأصدقاء المعارضة السورية، والمملكة العربية السعودية خصوصاً، من جهة ثانية، بخطته الجديدة.
للتغلب على صعوبة التسوية بين مطالب المعارضة ومطالب الأسد، يراهن دي ميستورا على إمكانية نجاحه في التوصل إلى تسوية بين مطالب طهران من جهة والرياض وحلفائهما الدوليين من جهة ثانية، أي في الواقع على تقاسم المصالح والنفوذ في سورية بين الدول المتنازعة الإقليمية، عوضا عن الرهان الصعب على تفاهم السوريين على مستقبل بلدهم، وخارطة طريق المرحلة الانتقالية. ومن الطبيعي أن مثل هذا الرهان لا يمكن أن يقبل استبعاد طهران، أو تهميشها، بل أساسه هو إرضاء طهران وموسكو اللتين تخوضان الحرب، وتوقدان نارها، منذ أربع سنوات، وتلبية جزء من مطالبهما، مع استبعاد إمكانية تلبية مطالب الشعب السوري. وكما هو معروف، لا تتصور طهران، ولا موسكو، ضمانا لمصالحهما في سورية، من دون بقاء نظام الأسد، برئيسه إذا أمكن، لكن برفض أي تغيير للنظام.
في هذا المنظور، لا يحتاج نجاح المفاوضات إلى وجود معارضة منظمة، وذات تمثيل معترف به تفاوض باسم الشعب السوري بصوت واحد. بالعكس، المطلوب وجود معارضة هزيلة، تقف في خلفية الصورة التي يحتل مقدمها مفاوضون حقيقيون، يمثلون عواصمهم الكبيرة. بل لا يهم في ما إذا كان المدعوون باسم المعارضة معارضين أم غير معارضين، أفراداً أو منظمات، لديهم شعور بالمسؤولية أم غير مسؤولين، قادرين على الدفاع عن مصالح شعبهم، أم غير قادرين، متفاهمين أم غير متفاهمين. ففي كل الأحوال، لن يكون لهم أي دور، سوى تسجيل أصوات داعميهم. والأمثل أن يكون ممثلو المعارضة لفيفا من الأفراد المتنازعين على الظهور الإعلامي والدبلوماسي، وعلى الدور والنفوذ وتقديم الخدمات، ليتركوا الكبار يتحدثون بموازين القوى والمصالح الاستراتيجية العليا الإقليمية والدولية، ويحسمون الأمر قبل أن يرموا فتات مائدتهم للمعارضة.
ليس من مصلحة المعارضة رفض أي مشاورات بشأن القضية السورية، مهما كانت نيات أصحابها. لكن، من واجبها أن تعرف ماذا يعد لها، وفي أي حفرة تضع قدمها، وأن تربط مشاركتها بشروط جدية ومفهومة، تحمي حضورها فيها من أن يكون شهادة زور وشرعنة لخطة تسوية تعيد تأهيل الأسد، وتبرئة طهران من دماء السوريين التي سالت أنهارا، خصوصاً في هذا الوقت الذي بدأت فيه رياح التغيير تدفع شراع المعارضة، وبدأ نظام الإبادة الجماعية والبراميل المتفجرة والغازات السامة يظهر إشاراتٍ لا تخطئ بالتفكك والانهيار.
وهذا يعني أن المعارضة لا ينبغي أن تقبل أي دعوة، من دون ضوابط ولا شروط، ولا أن تخضع لابتزاز التنويع في تمثيل وجهات النظر، وتقبل بأن يضم إلى صفوفها من هو غريب عنها، للتشكيك في موقفها أو جعله موقفاً من المواقف الممكنة. ولا يمكن للمعارضة، أيضاً، أن تقبل بمساواة الدور العربي لحلفاء المعارضة بدور إيران والتفاوض معها على الطاولة نفسها وبالشروط نفسها. مستقبل سورية يتفاوض عليه السوريون وحدهم، ولا يقبلون بالتعامل مع الدول التي تقف إلى جانب العدوان، وتمول الحرب ضد السوريين، وتحتل أراضيهم، وترسل الميليشيات لقتلهم، بالمعاملة نفسها التي تتعامل بها مع الدول التي تدعم الشعب السوري، وتساعده على تحمل الكارثة التي تصنعها طهران بيديها.
إن شرعنة صفقة إقليمية يعني بالضرورة تبرئة طهران من عدوانها، وإعطاء الأسد ونظامه فرصة ليضفي شرعية على حربه على الشعب، والاعتراف به ممثلاً لوجهة نظر في حرب أهلية، بدل التعامل معه مجرم حرب، كما هو بالفعل. كما أن تحويل طهران من خصم إلى شريك في الحل يعني الاعتراف بدور رئيس لها في مستقبل سورية أيضا. يمكن للأميركيين والعرب التفاوض مع طهران على مصالح إقليمية، لكن المعارضة لا تفاوض طهران إلا بوصفها قوة احتلال. وعلى طاولة مختلفة عن طاولة الحل السياسي السوري أو بين السوريين، وعليها أن ترفض الذهاب إلى مفاوضات تفرض فيها طهران نفسها طرفاً شريكاً على طاولة حوار السوريين. طهران لم تدعم طرفاً سورياً، كما يريد دي ميستورا أن يصورها، ليساوي بينها وبين الدول الصديقة. تحالفت طهران مع نظام فاشي دموي عدو للشعب، وشنت معه حرباً وحشية دمرت البلاد، وأبادت الألوف من شعبها، وقسمته، وأشعلت الفتن الطائفية، وهي لا تخفي أطماعها التوسعية، والعمل مع حلفائها في لبنان وغيره، لتغيير البنية السكانية لسورية.
مع طهران، لا تبحث المعارضة عن تسوية، وإنما تقاوم مشاريع احتلالها المباشر وغير المباشر وخططها لتقسيم الشعب السوري، وتطالب بالترحيل الفوري لمليشياتها الدموية، وفي مقدمتها حزب الله الذي أصبح أداة العدوان الإيراني الرئيسية على السوريين.
معاملة طهران على قدم المساواة مع بقية الدول الداعمة لحقوق الشعب السوري لا يساهم في وضع حد للحرب، لكنه يقدم جائزة واعترافاً بالاحتلال، وشرعنة لمطالب طهران في سورية والمنطقة. ولا تطمح طهران إلى أكثر من ذلك، وليس لها مطلب آخر من الحرب سوى أن تفرض تقاسم المصالح والنفوذ، بحيث يعترف لها بدور الوصي على جزء من الشعب السوري، تعتبره قريبا منها، لمذهبه أو انتمائه، وتترك للدول الإقليمية الأخرى دور الوصي على الجزءين، الثاني والثالث. مثل هذا الحل يعني تحطيم سورية تماماً، وتحويلها إلى دولة فاشلة، وشعب يعيش في حرب أهلية دائمة، كامنة أو مشتعلة، والقضاء على أي مستقبل لإعادة بناء الدولة والاعتراف بحقوق المواطنة المتساوية في بلد ضحى بكل ما يملك للحفاظ على كرامة أبنائه وحريتهم واستقلالهم. وهذا ما لن يتساهل فيه أي سوري.
ليس لسورية والسوريين مخرج حقيقي من الحرب الظالمة والنجاح في استعادة حقهم في تقرير مصيرهم بحرية، على قاعدة المواطنة المتساوية والدولة الجمهورية، سوى بالعمل على وضع حد لصراعات تقاسم المصالح والنفوذ والامتيازات والوصايات الأجنبية على سورية، أو على أي مكون من مكوناتها المذهبية أو الاجتماعية أو القومية.
الثاني: إلغاء احتكار الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية شرعية المعارضة، ومعه إلغاء أهم ورقة لدى المعارضة، وهي اعتراف المجتمع الدولي به ممثلاً للشعب السوري، حتى يمكن تجنب الضغوط الدولية، ومساواة رأي المعارضة برأي أي أشخاص منفردين.
والثالث: تبرير دعوة حكومة طهران وشرعنة إشراكها في أي مفاوضات حالية، أو مقبلة، حول مصير سورية، وتكريس دورها، وفي ما بعد مكاسبها في سورية وعموم الإقليم.
والرابع: إلغاء سقف جنيف 1، من أجل تسهيل حل عقدة الأسد، التي يعتقد دي ميستورا أنها كانت سبب فشل المفاوضات السابقة، وإيجاد المبررات لإبقائه شريكاً في الحل، سواء أكان ذلك من باب إرضاء طهران، أو في سبيل طمأنة الأسد وبطانته على مصيرهم، وكسب ثقتهم وتعاونهم في الموافقة على المغامرة في الدخول في الحل السياسي.
والخامس: إيجاد الشروط السياسية والفكرية واللوجستية لتحقيق المبادرة التي تفيد دلائل كثيرة بأن مضمونها هو الدمج بين مطالب طهران التي عبرت عنها في مبادرتها العام الماضي وبيان جنيف الذي شكل أساس المفاوضات حتى الآن، والذي تمسكت به الأطراف الدولية الداعمة للمعارضة، بينما لا تزال ترفضه طهران ودمشق، بينما تفسره موسكو على أنه تسوية سورية سورية، بوجود الأسد واستمرار نظامه.
ومن المعروف أن تعيين دي ميستورا وصياغة أفكاره للحل جاءا في فترة كانت المعارضة، المسلحة والسياسية، في تراجع كبير، دبلوماسي وعلى الأرض، وبعد فشل الأمم المتحدة في القيام بواجباتها إزاء الكارثة الإنسانية، وإخفاق جولتي جنيف1وجنيف2، بينما كانت طهران في عز نشوتها بالنصر، وبرزت توجهات في أكثر من مكان ودولة تدعو إلى إعادة تأهيل الأسد لاستخدام جيشه ضد الإرهاب الداعشي.
وقد بدأ دي ميستورا مهمته بتخفيض سقف توقعاته في مجال الحل السياسي. وكان يعتقد أنه ليس هناك أي فرصة للتقدم فيه، وأن أفضل ما يمكن عمله هو تخفيف المعاناة عن السوريين، والتقليل من العنف، فتوجه نحو التشجيع على عقد هدن محلية، مبتدئا من القسم المحرر من حلب.
وبعد فشله في هذه الخطة، تخلى كليا عن استراتيجية البدء من تحت، أي من الهدن المحلية، واستبدلها برؤية مختلفة تماماً، تقوم على البحث عن تسوية بين الدول الإقليمية مقدمة لمفاوضات اعتبرها مستحيلة بين الأطراف السورية. ولذلك، ليست دعوته طهران للمشاركة في لقاءات جنيف الجديدة تفصيلاً، وإنما هي أساس الجدة في الموضوع والعامل الرئيس الذي يراهن عليه، لصناعة الفرق مع مؤتمري جنيف الأول والثاني. ولم يبق أمام دي ميستورا ليصنع المعجزة سوى إقناع الأطراف الإقليمية والدولية، طهران وموسكو من جهة والعرب وأصدقاء المعارضة السورية، والمملكة العربية السعودية خصوصاً، من جهة ثانية، بخطته الجديدة.
للتغلب على صعوبة التسوية بين مطالب المعارضة ومطالب الأسد، يراهن دي ميستورا على إمكانية نجاحه في التوصل إلى تسوية بين مطالب طهران من جهة والرياض وحلفائهما الدوليين من جهة ثانية، أي في الواقع على تقاسم المصالح والنفوذ في سورية بين الدول المتنازعة الإقليمية، عوضا عن الرهان الصعب على تفاهم السوريين على مستقبل بلدهم، وخارطة طريق المرحلة الانتقالية. ومن الطبيعي أن مثل هذا الرهان لا يمكن أن يقبل استبعاد طهران، أو تهميشها، بل أساسه هو إرضاء طهران وموسكو اللتين تخوضان الحرب، وتوقدان نارها، منذ أربع سنوات، وتلبية جزء من مطالبهما، مع استبعاد إمكانية تلبية مطالب الشعب السوري. وكما هو معروف، لا تتصور طهران، ولا موسكو، ضمانا لمصالحهما في سورية، من دون بقاء نظام الأسد، برئيسه إذا أمكن، لكن برفض أي تغيير للنظام.
في هذا المنظور، لا يحتاج نجاح المفاوضات إلى وجود معارضة منظمة، وذات تمثيل معترف به تفاوض باسم الشعب السوري بصوت واحد. بالعكس، المطلوب وجود معارضة هزيلة، تقف في خلفية الصورة التي يحتل مقدمها مفاوضون حقيقيون، يمثلون عواصمهم الكبيرة. بل لا يهم في ما إذا كان المدعوون باسم المعارضة معارضين أم غير معارضين، أفراداً أو منظمات، لديهم شعور بالمسؤولية أم غير مسؤولين، قادرين على الدفاع عن مصالح شعبهم، أم غير قادرين، متفاهمين أم غير متفاهمين. ففي كل الأحوال، لن يكون لهم أي دور، سوى تسجيل أصوات داعميهم. والأمثل أن يكون ممثلو المعارضة لفيفا من الأفراد المتنازعين على الظهور الإعلامي والدبلوماسي، وعلى الدور والنفوذ وتقديم الخدمات، ليتركوا الكبار يتحدثون بموازين القوى والمصالح الاستراتيجية العليا الإقليمية والدولية، ويحسمون الأمر قبل أن يرموا فتات مائدتهم للمعارضة.
ليس من مصلحة المعارضة رفض أي مشاورات بشأن القضية السورية، مهما كانت نيات أصحابها. لكن، من واجبها أن تعرف ماذا يعد لها، وفي أي حفرة تضع قدمها، وأن تربط مشاركتها بشروط جدية ومفهومة، تحمي حضورها فيها من أن يكون شهادة زور وشرعنة لخطة تسوية تعيد تأهيل الأسد، وتبرئة طهران من دماء السوريين التي سالت أنهارا، خصوصاً في هذا الوقت الذي بدأت فيه رياح التغيير تدفع شراع المعارضة، وبدأ نظام الإبادة الجماعية والبراميل المتفجرة والغازات السامة يظهر إشاراتٍ لا تخطئ بالتفكك والانهيار.
وهذا يعني أن المعارضة لا ينبغي أن تقبل أي دعوة، من دون ضوابط ولا شروط، ولا أن تخضع لابتزاز التنويع في تمثيل وجهات النظر، وتقبل بأن يضم إلى صفوفها من هو غريب عنها، للتشكيك في موقفها أو جعله موقفاً من المواقف الممكنة. ولا يمكن للمعارضة، أيضاً، أن تقبل بمساواة الدور العربي لحلفاء المعارضة بدور إيران والتفاوض معها على الطاولة نفسها وبالشروط نفسها. مستقبل سورية يتفاوض عليه السوريون وحدهم، ولا يقبلون بالتعامل مع الدول التي تقف إلى جانب العدوان، وتمول الحرب ضد السوريين، وتحتل أراضيهم، وترسل الميليشيات لقتلهم، بالمعاملة نفسها التي تتعامل بها مع الدول التي تدعم الشعب السوري، وتساعده على تحمل الكارثة التي تصنعها طهران بيديها.
إن شرعنة صفقة إقليمية يعني بالضرورة تبرئة طهران من عدوانها، وإعطاء الأسد ونظامه فرصة ليضفي شرعية على حربه على الشعب، والاعتراف به ممثلاً لوجهة نظر في حرب أهلية، بدل التعامل معه مجرم حرب، كما هو بالفعل. كما أن تحويل طهران من خصم إلى شريك في الحل يعني الاعتراف بدور رئيس لها في مستقبل سورية أيضا. يمكن للأميركيين والعرب التفاوض مع طهران على مصالح إقليمية، لكن المعارضة لا تفاوض طهران إلا بوصفها قوة احتلال. وعلى طاولة مختلفة عن طاولة الحل السياسي السوري أو بين السوريين، وعليها أن ترفض الذهاب إلى مفاوضات تفرض فيها طهران نفسها طرفاً شريكاً على طاولة حوار السوريين. طهران لم تدعم طرفاً سورياً، كما يريد دي ميستورا أن يصورها، ليساوي بينها وبين الدول الصديقة. تحالفت طهران مع نظام فاشي دموي عدو للشعب، وشنت معه حرباً وحشية دمرت البلاد، وأبادت الألوف من شعبها، وقسمته، وأشعلت الفتن الطائفية، وهي لا تخفي أطماعها التوسعية، والعمل مع حلفائها في لبنان وغيره، لتغيير البنية السكانية لسورية.
مع طهران، لا تبحث المعارضة عن تسوية، وإنما تقاوم مشاريع احتلالها المباشر وغير المباشر وخططها لتقسيم الشعب السوري، وتطالب بالترحيل الفوري لمليشياتها الدموية، وفي مقدمتها حزب الله الذي أصبح أداة العدوان الإيراني الرئيسية على السوريين.
معاملة طهران على قدم المساواة مع بقية الدول الداعمة لحقوق الشعب السوري لا يساهم في وضع حد للحرب، لكنه يقدم جائزة واعترافاً بالاحتلال، وشرعنة لمطالب طهران في سورية والمنطقة. ولا تطمح طهران إلى أكثر من ذلك، وليس لها مطلب آخر من الحرب سوى أن تفرض تقاسم المصالح والنفوذ، بحيث يعترف لها بدور الوصي على جزء من الشعب السوري، تعتبره قريبا منها، لمذهبه أو انتمائه، وتترك للدول الإقليمية الأخرى دور الوصي على الجزءين، الثاني والثالث. مثل هذا الحل يعني تحطيم سورية تماماً، وتحويلها إلى دولة فاشلة، وشعب يعيش في حرب أهلية دائمة، كامنة أو مشتعلة، والقضاء على أي مستقبل لإعادة بناء الدولة والاعتراف بحقوق المواطنة المتساوية في بلد ضحى بكل ما يملك للحفاظ على كرامة أبنائه وحريتهم واستقلالهم. وهذا ما لن يتساهل فيه أي سوري.
ليس لسورية والسوريين مخرج حقيقي من الحرب الظالمة والنجاح في استعادة حقهم في تقرير مصيرهم بحرية، على قاعدة المواطنة المتساوية والدولة الجمهورية، سوى بالعمل على وضع حد لصراعات تقاسم المصالح والنفوذ والامتيازات والوصايات الأجنبية على سورية، أو على أي مكون من مكوناتها المذهبية أو الاجتماعية أو القومية.