مشاكل مالية وأمنية تضغط على تعافي قطاع النفط في ليبيا

18 أكتوبر 2017
إيرادات النفط غير مرتفعة رغم زيادة الإنتاج (فرانس برس)
+ الخط -
يواجه تعافي إنتاج النفط في ليبيا ضغوطاً من نفس المشاكل المالية والاقتصادية والأمنية التي تهدّد وعود الاستقرار وحياة أفضل للبلد العربي الذي تمزّقه الانقسامات.

وفاجأت ليبيا كثيراً من المراقبين حينما تمكّنت من زيادة إنتاجها إلى أربعة أمثال، ليصل إلى نحو مليون برميل يومياً، معززة مصدرها المهم الوحيد للدخل.


ويقول مسؤولون في قطاع النفط ومهندسون في حقول كبيرة ومحللون إن التعطيلات المتكررة بفعل مجموعات محلية تطالب بحصة من الإيرادات، إضافة إلى نقص الأموال المخصصة للصيانة والاستثمار، تمنع المؤسسة الوطنية للنفط من تعزيز تلك المكاسب.

وقال مصطفى صنع الله رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط الأسبوع الماضي إن المؤسسة تلقت فقط ربع ميزانيتها لعام 2017، وهو ما يجعل الوصول إلى المستوى المستهدف المعلن عنه سابقاً والبالغ 1.25 مليون برميل يومياً "صعباً جداً"، وحذّر صنع الله من تراجع الإنتاج إذا لم يتم ضخ استثمارات كافية.


وقال ريكاردو فابياني كبير المحللين في (يوروآسيا غروب) إن إحدى المشكلات تتمثل في أن المكاسب التي تحققت على مدى العام المنقضي كانت سهلة نسبياً وأقل تكلفة.

وتابع قائلاً "أما الآن، فإن المشكلة في الشرق وأجزاء أخرى من البنية التحتية النفطية هي أنك تحتاج الى مزيد من العمل الجاد لإصلاح بعض المنشآت، ولذا فإن الأمر أكثر تكلفة ويشكل تحدياً فنياً... والكميات الإضافية التي ستأتي نتيجة لهذا الإصلاح ستكون محدودة بشكل أكبر".

وتوقع فابياني أن يصل الإنتاج إلى ما بين 700 ألف ومليون برميل يومياً في الأجل القصير.


إغلاقات متتالية

وتأتي الإغلاقات بشكل رئيسي بفعل مجموعات مسلحة تقدم مطالب باسم أعضائها، وتدعي أحياناً أنها تعمل نيابة عن مجتمعات محلية تطالب بوظائف وخدمات عامة، لكنها قد تكون أيضاً ناتجة عن مجموعات مدنية سلمية تحتج على المصاعب الاقتصادية.


وقال صنع الله مراراً إنه لن يتفاوض مع منفذي الإغلاقات وهدّد بمقاضاتهم، على الرغم من أن المؤسسة الوطنية للنفط تحاول أيضاً دعم المجتمعات القريبة من المنشآت النفطية وتعزيز العلاقات معها.

ورغم ذلك، فإن محدودية الموارد واستمرار الخروج على القانون في بلد منقسم بين فصائل سياسية متنافسة يعني أن المؤسسة الوطنية للنفط تواجه صعوبات في الوفاء بتوقعاتها.


وقال غيث سالم الروق، وهو مفاوض من مدينة الزنتان شارك في محادثات لإعادة فتح خطوط أنابيب مغلقة بالقرب من المدينة الواقعة في غرب البلاد، إن "المؤسسة الوطنية للنفط تسعى إلى الحفاظ على الإنتاج، ولكنها في نفس الوقت جزء من المشكلة. لقد قدموا الوعود لأولئك الذين يقفلون الحقول، ولكن لم يفوا بعهودهم أبداً".

وفي بيان إلى وكالة "رويترز"، قالت المؤسسة الوطنية للنفط إن الروق لم يشارك في المفاوضات النهائية التي أدّت إلى إعادة فتح خطوط أنابيب الزنتان وأكدت أنها لم تقدم أي وعود.


وأضافت أن جميع الإغلاقات رفعت بدون شروط. وحقل الشرارة في جنوب غرب البلاد، والذي يمكنه ضخ ما يصل إلى 280 ألف برميل يومياً، وهو ما يزيد عن ربع إجمالي إنتاج البلاد هدف متكرر للإغلاقات.

وفي أحدث إغلاق، أوقفت مجموعة مسلحة العمل في الشرارة لمدة يومين في أوائل أكتوبر/تشرين الأول، مطالبة بدفع رواتب وإمدادات وقود وإطلاق سراح أعضاء قالت إنهم محتجزون.


وقالت مجموعة جديدة تسمي نفسها "كفى صمتاً" وتضم شباناً من ست مناطق في جنوب ليبيا، إنها ستغلق بشكل سلمي طرق إمداد تصل إلى حقل الشرارة، بهدف الضغط من أجل إنفاق إيرادات نفطية على الجنوب المهمش.

وقال محمد حموزي، المتحدث باسم "كفى صمتا"، للوكالة إن "المشاكل لا تعد ولا تحصى. نحن نتحدث عن نقص حاد في الخدمات الصحية والتعليمية والأمنية، ولا توجد سيولة على الإطلاق"، مشيراً إلى نقص حاد في النقد في البنوك في أرجاء ليبيا.


وتابع قائلاً "إذا لم تتم تلبية مطالبنا لحل هذه المشاكل، سوف نقوم بإغلاق حقل الشرارة خلال أسبوعين".

وبثت مجموعة من الموالين للقذافي اليوم الأربعاء شريط فيديو ظهر فيه أربعة أشخاص يقفون على خط أنابيب في مكان غير معروف في الصحراء، ويهددون بقطع إمدادات النفط والغاز المتجهة إلى منشآت في مصفاة الزاوية ومجمع مليتة على الساحل الشمالي للبلاد خلال 72 ساعة إذا لم يتم إطلاق سراح أحد قادتهم من سجن في طرابلس.


فقدان الميزانية

تحوز ليبيا أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في أفريقيا، وكانت تضخ أكثر من 1.6 مليون برميل يومياً من الخام قبل 2011، ولذا فإن إنتاجها يحظى بمتابعة وثيقة، واستثنيت ليبيا ونيجيريا من تخفيضات لإنتاج النفط تقودها منظمة أوبك، ومما يزيد من حالة عدم اليقين انقسامات سياسية تحاول الأمم المتحدة رأبها.


وتقلصت صلاحيات الحكومة الحالية في طرابلس المدعومة من الأمم المتحدة، بفعل انقسامات داخلية وضعف القدرات الفنية ومعارضة فصائل تسيطر على الجزء الشرقي من البلاد.
ولم تتمكن تلك الحكومة أيضاً من رد تراجع حاد في مستويات المعيشة، أو حل المجموعات المسلحة الكثيرة ذات الجذور المحلية، والتي لها نفوذ مهيمن في غرب ليبيا.


ويتوقع البنك الدولي عجزاً في الموازنة هذا العام قدره 22%، على الرغم من ارتفاع صادرات النفط إلى متوسط قدره 620 ألف برميل يومياً في الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى يوليو/ تموز.
ويذهب الإنفاق العام بكامله تقريباً لتغطية الرواتب الحكومية ودعم منتجات أساسية من بينها الوقود المستورد، والذي يجري تهريب أكثر من 30% منه إلى خارج البلاد بحسب تقديرات المؤسسة الوطنية للنفط.

وحتى بدون الانقطاعات فإن إيرادات النفط لا تزال غير مرتفعة بما يكفي لحل المشاكل الاقتصادية التي يقول كثير ممن يغلقون المنشآت إنها سبب احتجاجاتهم.

وقال ريتشارد مالينسون، المحلل لدى إنرجي أسبكتس للاستشارات، "أعتقد أن الدافع الأساسي المتمثل في أنك إذا كنت تريد أن يكون لك صوت مسموع على الساحة السياسية فعليك أن تشكل مجموعة مسلحة وتسيطر على منشآت حيوية، لا يبدو أنه في طريقه إلى الزوال". 


(رويترز)


المساهمون