مشاغل سعودية لا يفهمها أنصار السيسي

07 مارس 2015

مقرن بن عبدالعزيز وعبد الفتاح السيسي في الرياض (1مارس/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -

هناك حالة عدم رضا واضحة في أوساط نظام عبد الفتاح السيسي في مصر وأنصاره تجاه بوادر تغيير في سياسات السعودية، بعد تولي الملك سلمان بن عبد العزيز العرش، والتي ظهرت في انفتاح المملكة على تركيا، وبعض العلماء المحسوبين على الإخوان المسلمين. ولا تخلو حالة عدم الرضا هذه من سوء فهم للمنطق السعودي، ومن محاولات لمقاومة التغيير. ومع عدم الفهم، يبدو أن مصير كثير من أفكار ومساعي نظام السيسي وأنصاره ستذهب هباء.

ولو حولنا تلخيص أين يخطئ نظام السيسي في فهم المنطق السعودي، لتحدثنا عن جملة نقاط. أولها أن السعودية تنظر لمصر كجبهة أساسية ومهمة في معاركها في المنطقة، لكنها ليست الجبهة الوحيدة، ولا الأهم. والسعودية ما زالت حريصة على وقف المد الديمقراطي من ناحية، ووقف مد التيارات الدينية المسيسة، وفي مقدمتها الإخوان المسلمون من ناحية أخرى. وتلعب مصر السيسي دوراً مهماً في هذا المجال، وهو دور تم تحقيق إنجاز فيه، فنظام السيسي قائم، ويمكن ببعض المساعدات الاقتصادية والسياسية الحفاظ عليه فترة وربما تقويته. لكن، تبقى جبهة أخرى أهم مشتعلة في الشرق الأوسط، وفي محاور النفوذ السعودي، وهي الصراع مع إيران.

ثانياً، الصراع مع إيران أولوية المملكة في الوقت الراهن، ومصر السيسي لا تستطيع تقديم الكثير للمساعدة. وهذا لأسباب كثيرة، فمصر السيسي معتمدة على السعودية وليس العكس، وتطلب من السعودية باستمرار بالدعم المالي والسياسي. وهي، أيضاً، لا تمتلك مشروعاً سياسياً واضحاً في الداخل أو الخارج، يمكن أن يساعد المملكة. فالسيسي كما ذكر بعضهم مصاب بعقدة اسمها الإخوان، وليس له أجندة إقليمية واضحة، سوى مواجهة الإخوان والجماعات الدينية المسيسة في كل مكان، وعلى حساب أي شيء، حتى لو كان نفوذ مصر نفسها، إلى درجة أن مصر بات يصعب عليها لعب أي دور جاد في ما تسمى عملية السلام، بعد مواقفها الأخيرة من حركة حماس.

الجماعات الدينية المسيسة التي يعاديها السيسي بقوة موجودة في العراق وسورية واليمن، وهذه ساحات رئيسية في المواجهة مع إيران حاليا، ولو تدخل السيسي سيكون تأثيره سلبياً، لأنه لا يرى خصماً سوى تلك الجماعات، ولا يعرف منطقاً لمواجهتها سوى القمع والحفاظ على الوضع القائم، والقوى البديلة، والتي قد تصب في صالح إيران.

وهنا يظهر موقف السيسي المتعارض مع الموقف السعودي في العراق وسورية واليمن، فالسيسي، في تلك الدول، لا يجد مشكلة في التعامل مع الأنظمة والقوى القائمة المقربة من إيران، بما في ذلك الحوثيون أنفسهم، الأمر الذي يتعارض مع واقع ما يجري ومع الرؤية السعودية. فإيران تتمدد كل يوم، والسعودية تتحرك سريعاً لمواجهة هذا التمدد.

المملكة، بالتعاون مع تركيا، تريد تدريب بعض جماعات المعارضة السورية المسلحة المناهضة للنظام ولداعش. وفي اليمن، هي مضطرة للتحالف مع القبائل، والتي يتداخل نفوذها مع نفوذ الجماعات الدينية المسيسة، والأمر نفسه في العراق. أضف إلى ذلك أن الصراع السعودي مع إيران ضخم، فإيران تحارب، من خلال موارد اقتصادية ضخمة، وأيدلوجية ثورية ودينية نشطة، وجنود على الأرض، وتحالفات دولية منتظرة ومقلقة للسعودية، كالاتفاق المرتقب بين أميركا وإيران. والواضح، هنا، أن مصر السيسي لا تمتلك كثيراً لتقديمه، فهي لا تمتلك المال، ولا الأيدلوجية، ولا الحلفاء على الأرض ولا الثقل الدولي.

ثالثاً، أكثر من ذلك، تبدو مصر السيسي، في أحيانٍ كثيرة، عبئا متزايداً على السعودية وسياساتها في المنطقة. فعلى الصعيد الاقتصادي، قدمت المملكة لمصر منذ الانقلاب حوالي 8 مليارات دولار مساعدات في صورة منح ومنتجات نفطية وودائع في البنك المركزي، وما زال النظام ينتظر من المملكة دعماً سخياً في المؤتمر الاقتصادي المزمع عقده في شرم الشيخ في 15-13 مارس/آذار الجاري، ولعل تراجع سعر النفط والاحتياجات الاقتصادية المتنامية لشعب السعودية الشاب تحد من قدرة المملكة على الاستمرار في الدعم بالمقدار نفسه. وسياسياً، ما زال دعم المملكة الانقلاب العسكري بمصر يمثل عامل ضغط سلبي عليها سيضر بصورتها وعلاقاتها مع قوى عربية محلية كثيرة لسنوات، كما أن مواقف السيسي الحادة والمستمرة من مختلف الجماعات الدينية المسيسة يمثل عبئا إقليميا إضافيا.

العبء الثالث إعلامي، فوسائل الإعلام المصرية العامة والخاصة التابعة للنظام عالية الصوت وكثيرة النقد عادة، ما تمثل إحراجا للمملكة ونظامها وسياساتها، وهو ما ظهر من تململ كتاب سعوديين من نبرة النقد العالية لسياسات المملكة، أخيراً.

ما سبق يعني أن أفكار السيسي الخاصة بتكوين قوة عربية مشتركة، أو دعم حكومة برلمان طبرق في ليبيا، قد تكون محل نظر، لكنها ليست أولوية للمملكة حالياً، وأن تطوير الأداء المصري الإقليمي ومعادلة القوة المصرية السعودية أصعب مما يتصوره كثيرون من أنصار السيسي، فهي تتطلب موارد اقتصادية وفكرة إيدلوجية وأنصار على الأرض في الدول العربية المختلفة، وتتطلب، أيضاً، مرونة سياسية أكثر من التي يبديها نظام السيسي، المصاب بعقدة الإخوان المسلمين.

الصراع السعودي الإيراني طويل وصعب للغاية، وإيران تملك أوراقاً كثيرة كالورقة الأيدلوجية والجماعات المسلحة المتحالفة معها والنافذة في العراق وسورية ولبنان واليمن، وهو يفرض على السياسة السعودية تحديات كثيرة للغاية، غير التي تشغل السيسي وأنصاره، وتسيطر على تفكيرهم.