مر الاحتفال بافتتاح تفريعة قناة السويس بالتزامن مع جدل واسع حول الجدوى الاقتصادية للمشروع وتوقيته، مناقشة المشروع بعد الانتهاء منه لن تغير من أمر وجوده واقعياً، لكنها قد تفيد قبل بدء مشروع مشابه، وبعد أن تذهب السكرة تأتي الفكرة.
وبعيداً عن التهويل المضر أو التهوين المخل يمكننا أن نناقش جدوى هذا المشروع في ضوء بعض الحقائق وجدوى بعض المشاريع البديلة.
في البداية لم يعلن البنك الدولي عن أي تغير في الحركة المتباطئة للتجارة الدولية وحجم البضائع منذ الأزمة المالية العالمية في العام 2008 بحيث يغري هذا التغير بالاستثمار في حفر تفريعة جديدة.
ولم تطلب دول أوروبا في الشمال ولا دول الخليج والصين والهند في الجنوب يوماً من إدارة قناة السويس أن تحفر تفريعة جديدة في مجرى القناة تحسن معدل المرور وتستوعب زيادة قريبة متوقعة في التجارة الدولية، فتضطر مصر لحفر التفريعة خوفاً من هروب السفن لطريق رأس الرجاء.
فضلاً عن عدم وجود دراسات علمية سابقة، ولا حاضرة، توصي بحفر تفريعات إضافية في مجرى قناة السويس لتنمية عائدات متوقعة بعد الحفر. ولو توفر سبب واحد من الأسباب السابقة لطلبت حكومة مصر من البنك الدولي تمويل مشروع بقرض لا تزيد تكلفته عن 1.5% وليس 12% كما هو حاصل الآن.
ولا يستطيع خبير اقتصادي أن يتكهن بطبيعة الدراسات التي أسست عليها الحكومة توقعاتها بزيادة عائدات القناة إلى 100 مليار دولار، إن كان هناك دراسات. وإذا افترضنا تضاعف حركة البضائع بنسبة 100% في عام واحد، وهذا مستحيل، فلن يزيد العائد عن عُشر الرقم المتوقع فقط!!
أما أن يتوقع رئيس هيئة قناة السويس عائدات سنوية تساوي 100 مليار دولار فهذا يحتاج إلى مرور 900 سفينة يومياً في مجرى القناة وبين كل سفينة وأخرى 100 متر فقط!!
اقرأ أيضاً: حكومة مصر تتراجع عن توقعاتها بشأن إيرادات قناة السويس
كما أن تراجع هيئة القناة في تقدير حجم العائد المتوقع من المشروع بعد الانتهاء منه بـ 100 مليون فقط كان سبباً كافياً لمنع المشروع من بدايته لانعدام الجدوى الاقتصادية.
وقبل استدانة 8 مليارات دولار لتنفيذ المشروع كان من الواجب افتراض أن تزيد عائدات القناة بمعدل مليار دولار بداية من السنة الأولى لخدمة فوائد الدين فقط، و2.5 مليار دولار لسداد أصل الدين بعد خمس سنوات، بمجموع 9 مليارات سنوياً، وهو ما لم يحدث. وبذلك فإن توقعات الهيئة بزيادة عائدات القناة بمقدار 100 مليون دولار فقط لن تسد تكلفة الحفر ولو بعد قرن من الزمان.
ولو أراد النظام لمصر أن تفرح بحق لصدق في مشروع استصلاح 4 ملايين فدان مثلاً. وعد السيسي بإنجاز المشروع خلال عام من توليه الرئاسة، ومر العام وحل موعد المليون فدان الأولي دون أن يبدأ المشروع. المشروع يضمن تشغيل خمسة ملايين من الشباب العاطل ويحقق السيادة الوطنية والأمن الغذائي ويرمم الثقة في نظام 3/7 ولكن السيسي لم يصدق في عهده.
ولو أراد النظام لمصر أن تفرح بحق لصدق في مشروع المليون وحدة سكنية، السيسي اعتبر المشروع هديته والقوات المسلحة للشباب المصري أثناء الدعاية الانتخابية كذلك. لكن السيسي تراجع عن وعده، ورفع الجيش يده من المشروع، وتراجعت شركة أرابتك الإماراتية عن التنفيذ بعد عام كامل من الدعاية وفات وقت تسليم الدفعة الأولى من المشروع، ما أصاب الشباب بالإحباط واتهامه بتلاعب العسكر بآلامه.
وصار مشروع المليون وحدة سكنية معروفا بين الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي بـ "فنكوش السيسي" وهي الكلمة الأشهر على محرك البحث جوجل.
الجدل الدولي والمحلي حول الجدوى الاقتصادية لمشروع القناة، خاصة من بعض أشد أنصار السيسي مثل رجل الأعمال نجيب سويرس والأكاديمي حازم عبد العظيم القيادي في حملته الانتخابية، يؤكد الريبة في المشروع برمته.
وتصريحات المسؤولين ومن حضر الحفل من الزعماء العرب غير علمية ومبالغ فيها. حجم الحشد الإعلامي في افتتاح التفريعة على أنها "قناة سويس جديدة" تحت شعار "مصر بتفرح" يظهر أن "لقطة الاحتفال" فقط كان هدف المشروع.
اقرأ أيضاً: مصر تتجه لرفع رسوم قناة السويس 5%