تبرز بين حين وآخر طروحات تتعلق بتصفية القضية الفلسطينية، ولعل أحدثها ما يتعلق بمستقبل قطاع غزة وضم أجزاء من المناطق المحاذية للقطاع في شمال سيناء (رفح والشيخ زويد) إلى القطاع، في مقابل جزء من النقب الغربي لصالح مصر، أو ضبط العلاقة بين الضفة الغربية والأردن بصيغة الكونفدرالية أو الفدرالية أو أي شكل آخر، مع ترتيبات أمنية أخرى تتعلق بإسرائيل.
ورغم أن هذه الأطروحات قديمة حديثة، إلا أن هناك مشاريع وتصورات تزاحمت خلال العامين الأخيرين، منها ما يتعلق بالضفة الغربية فقط، أو قطاع غزة، أو الضفة الغربية وقطاع غزة كحل شامل، وغلب على معظمها الشخصانية، أي أنها مثلت وزراء في حكومة "إسرائيل" أو رؤساء أحزاب أو أعضاء كنيست وربما منهم في دائرة صنع القرار الضيقة (المجلس الوزاري المصغر)، وهي بالتالي لا تمثل إجماعاً إسرائيلياً أو خطة حكومية، أو مشروعاً من رأس السلطة بتوافق إقليمي أو دولي.
وفي ما يأتي أهم الرؤى أو التصورات أو الخطط التي طرحت في الفترة الأخيرة:
* خطة تبادل الأراضي التي طرحها الوزير أفيغدور ليبرمان عام 2004: وتشمل ضم الكتل الاستيطانية "لإسرائيل" في مقابل ضم أراضٍ يسكنها عرب خاضعة للسيطرة "الإسرائيلية" (المثلث) إلى الدولة الفلسطينية المستقبلية. وأعاد ليبرمان طرحها عام 2014 مع إضافة منح تعويضات للعرب في مدن أخرى داخل أراضي عام 1948 كحيفا وعكا ويافا في مقابل انتقالهم إلى الدولة الفلسطينية.
* خطط نفتالي بينت (الوزير في حكومة نتنياهو وعضو المجلس الوزاري المصغر) التي طرحها عام 2016 وتحدث فيها عن ضم المنطقة المصنفة (C) حسب اتفاق أوسلو والتي تبلغ حوالى 61% من مساحة الضفة الغربية إلى "إسرائيل"، وخلق شبكة تواصل في الضفة الغربية تشمل طرقاً وأنفاقاً وربما جسوراً.
*خطة إسرائيل كاتس (وزير المواصلات في حكومة نتنياهو) المتعلقة بقطاع غزة، وتشمل بناء جزيرة اصطناعية في بحر غزة على بعد 4.5 كم تتصل بالساحل بواسطة جسر خاضع للتفتيش، وتضم الجزيرة ميناء ومنشآت للطاقة وربما أيضاً مطاراً.
وهناك مخططات أخرى أقل شأناً لا مجال للخوض فيها، وقبل التفصيل في الحلول "الإسرائيلية" الأكثر جدية للقضية الفلسطينية، أو لتصفيتها بتعبير آخر.
دولة غزة وسيناء
شكلت قضية اللاجئين الفلسطينيين هاجساً حقيقياً "لإسرائيل" ولدول الإقليم المحيطة وإلحاحاً دولياً لإنهائها كونها العلامة الأبرز لمأساة الشعب الفلسطيني، فمنذ السنوات الأولى للتراجيديا الفلسطينية والمقترحات تتوالى، وفي قلبها قضية اللاجئين، إما بالتوطين أو التعويض في سياق حلول إقليمية ودولية.
شكل الاتفاق بين الحكومة المصرية ووكالة الغوث لتشغيل اللاجئين الفلسطينيين عام 1955 لتوطين عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في سيناء أولى المقترحات في سلسلة طويلة من الأطروحات، غير أن انتفاضة آذار 1955، والتي سقط فيها 30 شهيداً في القطاع، دفعت الحكومة المصرية إلى التخلي عن المشروع. ثم طرح مشروع إيغال آلون بعد نكسة عام 1967 وسيطرة "إسرائيل" على غزة وسيناء، والذي تضمن توطين الفلسطينيين في سيناء وهو ما رفضته القيادة المصرية في حينه.
غير أن الطرح أخذ حيزاً جدياً في مؤتمر هرتسيليا السنوي "ميزان المناعة للأمن القومي الإسرائيلي عام 2004" عندما قدم غيورا أيلاند، مدير مجلس الأمن القومي "الإسرائيلي"، وهي المؤسسة الأقرب إلى التفكير الاستراتيجي "الإسرائيلي"، خطة للتسوية تتضمن تنازل مصر عن مساحة محاذية للقطاع تقدر بـ 66 كيلومتراً مربعاً في مقابل تنازل "إسرائيل" عن 200 كيلومتر مربع من صحراء النقب المحاذية للحدود الجنوبية مع مصر، مع إقامة نفق يربط بين مصر والأردن تحت السيادة المصرية، مع مقترحات أخرى تشمل سيطرة السلطة في الضفة على 89% من مساحة الضفة وإقامة ميناء في غزة ومنفذ بحري للأردن في البحر المتوسط.
المتغيرات بعد الانقلاب العسكري في مصر في تموز 2013 والانفتاح الكبير على العلاقة مع "إسرائيل" شجع على طرح القضية في محاولة لاستثمار هذه المتغيرات لتصفية القضية الفلسطينية، فقد قدم رئيس الجامعة العبرية السابق، البروفيسور هيوشع بن آريه، خطته للتسوية في الشرق الأوسط عام 2013، وهي الأساس لمقترحات قدمها عبد الفتاح السيسي للرئيس محمود عباس، ولنتنياهو بعد ذلك، وربما بتوافق وتنسيق أميركي.
وتنطلق الرؤية من استحالة قيام كيان في غزة قابل للحياة على المدى الطويل، سواء كان ديموغرافياً أو اقتصادياً، ومواجهة التحديات السياسية والاقتصادية في مصر، واستحالة تهجير ربع مليون مستوطن من الضفة الغربية. وتشمل الخطة 6 خطوات أساسية لتنفيذ المشروع منها:
تنازل مصر عن منطقة جغرافية تمتد على الحدود مساحتها ما بين 20-30 كيلومتراً مربعاً، وعلى الساحل من رفح المصرية اتجاه مدينة العريش داخل سيناء، بمساحة ما بين 500 – 1000 كيلومتر مربع. وتتنازل "إسرائيل" عن مساحة تقدر ما بين 200 – 500 كيلومتر مربع في جنوب صحراء النقب.
اقــرأ أيضاً
ومع تصاعد أزمة الانقلاب في مصر وتفاقم التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية، كان السيسي بحاجة إلى التعويض عن الشرعية المفقودة، وإلى إسناد اقتصادي وسياسي عاجل، وهذا ما يمكن تحقيقه عبر البوابة "الإسرائيلية" واستثمار اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة للتأثير على الكونغرس، وهو ما ألح عليه وزير الخارجية المصري سامح شكري في لقائه الشهير مع نتنياهو في تموز 2016، والذي طالب نتنياهو بالتدخل لدى الكونغرس الأميركي لتعزيز شرعية نظام السيسي وزيادة الدعم العسكري والاقتصادي. السيسي وجد في القضية الفلسطينية أداة يمكن توظيفيها في إطار العلاقة مع "إسرائيل"، وتقديم خطط لطالما حلم اليمين "الإسرائيلي" في تحقيقها، وعلى رأسها تصفية القضية الفلسطينية وحسم قضية اللاجئين، عليه قدم السيسي المشروع إلى الرئيس محمود عباس في صيف عام 2014 والمتمثل في قيام دولة فلسطينية في سيناء امتداداً من قطاع غزة بمساحة تساوي 5 أضعاف مساحة القطاع، وهو ما أشار إليه عباس في اجتماع مع أنصاره في أغسطس/آب 2014، عندما أكد أن هناك مقترحاً من الجانب المصري بهذا الفحوى، وهو طبعاً ما رفضه عباس في حينه.
ولكن ما يعزز جدية طرح دولة غزة - سيناء من قبل عبد الفتاح السيسي هو مؤشران اثنان:
الأول: الضغط العسكري المتواصل والقيام بعمليات تهجير ممنهجة في مناطق رفح والشيخ زويد وقراها عبر التضييق على السكان في أساسيات الحياة (الماء – الكهرباء - الاتصالات - المواد الغذائية)، مع القصف المدفعي العشوائي الذي تسبب بقتل مئات المدنيين في تلك المناطق في إطار ما يسمى "الحرب على الإرهاب"، وهو ما أدى إلى تهجير من 50 – 60% من سكان هذه المناطق إلى الإسماعيلية ومناطق أخرى في مصر، أي لم يبق سوى حوالى 50 – 60 ألفاً من أصل حوالي 130 ألفاً من سكان المنطقتين حسب إحصائية عام 2013.
ثانياً: تقارير الأمم المتحدة (تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" للعام 2015) التي تشير إلى أن قطاع غزة لن يصبح قابلاً للحياة بحلول عام 2020، إذ يسكن حوالى 2 مليون نسمة على مساحة 360 كيلومتراً مربعاً، وهي أعلى كثافة سكانية في العالم مع قلة موارد في ظل حصار خانق.
الكونفدرالية مع الأردن
وفي سياق طروحات إنهاء القضية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، طرحت العلاقة بين الضفة الغربية والأردن ضمن إطار تنظيم العلاقة بفدرالية أو كونفدرالية أو اتحاد، وشهدت الطروحات مداً وجزراً بما يتناغم مع الجو السياسي العام وعقب الأحداث الكبيرة كحربي عامي 1967 و1973، أو طرد فصائل منظمة التحرير من الأردن عام 1970-1971.
بعد هزيمة فصائل منظمة التحرير أمام النظام الأردني وخروجها من الأردن، طرح الملك حسين مشروع "المملكة العربية المتحدة" عام 1972، والذي يشمل قطرين (الضفة والأردن) مرتبطين بعلاقة فيدرالية تحت سلطة الملك، وكان من الطبيعي فشل هذا الطرح بالنظر إلى فائض الروح الثورية لدى فصائل منظمة التحرير ورفضها لأي حلول قد يفهم منها الانتقاص من الحقوق الفلسطينية.
وأعاد الملك حسين طرح رؤيته للعلاقة مع الضفة الغربية عام 1984 بمشروع الكونفدرالية الأردنية الفلسطينية، بالتوازي مع التحرك الفلسطيني – الأردني المشترك على أساس قرارات الشرعية الدولية والحديث كوفد واحد برؤية مشتركة نحو "المؤتمر الدولي للسلام" الذي طرح في تلك المرحلة.
وآخر من تحدث عن مشروع الكونفدرالية رئيس الوزراء الأردني السابق عبد السلام المجالي في مايو/أيار 2016، عندما أكد أن "الكونفدرالية بين دولة ودولة تعد الحل الأمثل والأكثر خيراً لفلسطين والأردن، وأكد أيضاً أن نتنياهو طرح الكونفدرالية مرات عديدة وعبر قنوات سرية".
الطرح "الإسرائيلي" جوبه برفض قاطع من الأردن، خاصة في ظل صعود اليمين المتطرف والذي باتت له الكلمة الفصل في ما يخص مشاريع التسوية، وكان الموقف الأردني يستند في رفضه إلى رؤية اليمين الإسرائيلي نحو خيار الوطن البديل، والتي لا تنفع معها الوعود الإسرائيلية في تبديد هواجس الأردن المزمنة بشأن المحافظة على الوضع الديموغرافي في الأردن وعدم تحويل الأردن إلى وطن للفلسطينيين.
اليمين الإسرائيلي وسياسة الأمر الواقع
بين دولة غزة وسيناء وكونفدرالية الضفة والأردن، تبقى سياسة الأمر الواقع التي ينفذها نتنياهو مع أغلبية أقطاب اليمين المشارك في الحكومة هي سيدة الموقف، وهي السياسة العامة الواضحة التفاصيل ومحددة المعالم وتحقق إنجازات على الأرض، ولكنها غير رسمية ولم يعلن عنها، وهي تسير بخطوات ثابتة وتتحول إلى أمر واقع كما هو مخطط لها. وتتمثل هذه السياسة التي وصفها وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بـ "السياسة الذكية" في:
- الزحف الاستيطاني ومصادرة الأراضي تحت ذرائع مناطق عسكرية أو أراض ملك الدولة وصولاً إلى السيطرة على 60% من مساحة الضفة (المنطقة C) حسب اتفاق أوسلو.
- عدد المستوطنين الآن في الضفة الغربية يبلغ حوالي 406 آلاف مستوطن في 128 مستوطنة، بينما في القدس 210 آلاف مستوطن في 15 مستوطنة، في حين كان عددهم صفراً عام 1967 و 150 ألفاً عام 1991.
- تقليص عدد الفلسطينيين في القدس إلى 12% من مجموع السكان مقابل 88% من اليهود، مع العلم أن عدد الفلسطينيين الآن حوالى 300 ألف في مقابل حوالي 520 ألفاً في القدس الشرقية والغربية.
- أسرلة القدس وتهويدها عبر طمس معالمها الإسلامية بإقامة كنس كبرى وحدائق وبناء جسور وحتى تغيير أسماء الشوارع والأحياء.
- الانفتاح الاقتصادي عبر زيادة عدد العمال الفلسطينيين وإقامة مناطق صناعية مشتركة، والسماح بإقامة مدن سكنية في مناطق (أ) حسب اتفاق أوسلو.
وفي قطاع غزة، فإن الوضع القائم مريح إسرائيلياً نوعاً ما، قطاع محاصر لكن دون تهديد أساسيات الحياة، وسلطة قوية قادرة على لجم المجموعات المسلحة ولكنها ضعيفة عسكريا في مواجهة "إسرائيل"، وبالتعاون مع نظام السيسي يمكن تخفيف الحصار حتى لا يحدث انفجار مع العمل الجاد والمتواصل لقطع خطوط الإمداد العسكري عبر الإنفاق.
وبالتالي فإن سياسة الأمر الواقع وتكريس حالة الانقسام بين الضفة وغزة، وإبقاء السلطة بأجهزتها الأمنية لحماية أمن المستوطنين والجيش الإسرائيلي مع وزارات أخرى أقرب إلى إدارة ذاتية وإبقاء حصار غزة بصيغته المشار إليها لتبقى السياسة القائمة حتى تحين الفرصة لتصفية القضية الفلسطينية وتطبيق مشاريع دولة غزة – سيناء، وهي الأقرب إلى الواقع رغم صعوبة إقناع الشعب المصري بها في المرحلة الحالية، أو إعادة رسم العلاقة بين الضفة والأردن وهي مستبعدة جداً حالياً في ظل صعود اليمين "الإسرائيلي" الحالم بالوطن البديل في الأردن.
وفي ما يأتي أهم الرؤى أو التصورات أو الخطط التي طرحت في الفترة الأخيرة:
* خطة تبادل الأراضي التي طرحها الوزير أفيغدور ليبرمان عام 2004: وتشمل ضم الكتل الاستيطانية "لإسرائيل" في مقابل ضم أراضٍ يسكنها عرب خاضعة للسيطرة "الإسرائيلية" (المثلث) إلى الدولة الفلسطينية المستقبلية. وأعاد ليبرمان طرحها عام 2014 مع إضافة منح تعويضات للعرب في مدن أخرى داخل أراضي عام 1948 كحيفا وعكا ويافا في مقابل انتقالهم إلى الدولة الفلسطينية.
* خطط نفتالي بينت (الوزير في حكومة نتنياهو وعضو المجلس الوزاري المصغر) التي طرحها عام 2016 وتحدث فيها عن ضم المنطقة المصنفة (C) حسب اتفاق أوسلو والتي تبلغ حوالى 61% من مساحة الضفة الغربية إلى "إسرائيل"، وخلق شبكة تواصل في الضفة الغربية تشمل طرقاً وأنفاقاً وربما جسوراً.
*خطة إسرائيل كاتس (وزير المواصلات في حكومة نتنياهو) المتعلقة بقطاع غزة، وتشمل بناء جزيرة اصطناعية في بحر غزة على بعد 4.5 كم تتصل بالساحل بواسطة جسر خاضع للتفتيش، وتضم الجزيرة ميناء ومنشآت للطاقة وربما أيضاً مطاراً.
وهناك مخططات أخرى أقل شأناً لا مجال للخوض فيها، وقبل التفصيل في الحلول "الإسرائيلية" الأكثر جدية للقضية الفلسطينية، أو لتصفيتها بتعبير آخر.
دولة غزة وسيناء
شكلت قضية اللاجئين الفلسطينيين هاجساً حقيقياً "لإسرائيل" ولدول الإقليم المحيطة وإلحاحاً دولياً لإنهائها كونها العلامة الأبرز لمأساة الشعب الفلسطيني، فمنذ السنوات الأولى للتراجيديا الفلسطينية والمقترحات تتوالى، وفي قلبها قضية اللاجئين، إما بالتوطين أو التعويض في سياق حلول إقليمية ودولية.
شكل الاتفاق بين الحكومة المصرية ووكالة الغوث لتشغيل اللاجئين الفلسطينيين عام 1955 لتوطين عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في سيناء أولى المقترحات في سلسلة طويلة من الأطروحات، غير أن انتفاضة آذار 1955، والتي سقط فيها 30 شهيداً في القطاع، دفعت الحكومة المصرية إلى التخلي عن المشروع. ثم طرح مشروع إيغال آلون بعد نكسة عام 1967 وسيطرة "إسرائيل" على غزة وسيناء، والذي تضمن توطين الفلسطينيين في سيناء وهو ما رفضته القيادة المصرية في حينه.
المتغيرات بعد الانقلاب العسكري في مصر في تموز 2013 والانفتاح الكبير على العلاقة مع "إسرائيل" شجع على طرح القضية في محاولة لاستثمار هذه المتغيرات لتصفية القضية الفلسطينية، فقد قدم رئيس الجامعة العبرية السابق، البروفيسور هيوشع بن آريه، خطته للتسوية في الشرق الأوسط عام 2013، وهي الأساس لمقترحات قدمها عبد الفتاح السيسي للرئيس محمود عباس، ولنتنياهو بعد ذلك، وربما بتوافق وتنسيق أميركي.
وتنطلق الرؤية من استحالة قيام كيان في غزة قابل للحياة على المدى الطويل، سواء كان ديموغرافياً أو اقتصادياً، ومواجهة التحديات السياسية والاقتصادية في مصر، واستحالة تهجير ربع مليون مستوطن من الضفة الغربية. وتشمل الخطة 6 خطوات أساسية لتنفيذ المشروع منها:
تنازل مصر عن منطقة جغرافية تمتد على الحدود مساحتها ما بين 20-30 كيلومتراً مربعاً، وعلى الساحل من رفح المصرية اتجاه مدينة العريش داخل سيناء، بمساحة ما بين 500 – 1000 كيلومتر مربع. وتتنازل "إسرائيل" عن مساحة تقدر ما بين 200 – 500 كيلومتر مربع في جنوب صحراء النقب.
ومع تصاعد أزمة الانقلاب في مصر وتفاقم التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية، كان السيسي بحاجة إلى التعويض عن الشرعية المفقودة، وإلى إسناد اقتصادي وسياسي عاجل، وهذا ما يمكن تحقيقه عبر البوابة "الإسرائيلية" واستثمار اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة للتأثير على الكونغرس، وهو ما ألح عليه وزير الخارجية المصري سامح شكري في لقائه الشهير مع نتنياهو في تموز 2016، والذي طالب نتنياهو بالتدخل لدى الكونغرس الأميركي لتعزيز شرعية نظام السيسي وزيادة الدعم العسكري والاقتصادي. السيسي وجد في القضية الفلسطينية أداة يمكن توظيفيها في إطار العلاقة مع "إسرائيل"، وتقديم خطط لطالما حلم اليمين "الإسرائيلي" في تحقيقها، وعلى رأسها تصفية القضية الفلسطينية وحسم قضية اللاجئين، عليه قدم السيسي المشروع إلى الرئيس محمود عباس في صيف عام 2014 والمتمثل في قيام دولة فلسطينية في سيناء امتداداً من قطاع غزة بمساحة تساوي 5 أضعاف مساحة القطاع، وهو ما أشار إليه عباس في اجتماع مع أنصاره في أغسطس/آب 2014، عندما أكد أن هناك مقترحاً من الجانب المصري بهذا الفحوى، وهو طبعاً ما رفضه عباس في حينه.
ولكن ما يعزز جدية طرح دولة غزة - سيناء من قبل عبد الفتاح السيسي هو مؤشران اثنان:
الأول: الضغط العسكري المتواصل والقيام بعمليات تهجير ممنهجة في مناطق رفح والشيخ زويد وقراها عبر التضييق على السكان في أساسيات الحياة (الماء – الكهرباء - الاتصالات - المواد الغذائية)، مع القصف المدفعي العشوائي الذي تسبب بقتل مئات المدنيين في تلك المناطق في إطار ما يسمى "الحرب على الإرهاب"، وهو ما أدى إلى تهجير من 50 – 60% من سكان هذه المناطق إلى الإسماعيلية ومناطق أخرى في مصر، أي لم يبق سوى حوالى 50 – 60 ألفاً من أصل حوالي 130 ألفاً من سكان المنطقتين حسب إحصائية عام 2013.
ثانياً: تقارير الأمم المتحدة (تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" للعام 2015) التي تشير إلى أن قطاع غزة لن يصبح قابلاً للحياة بحلول عام 2020، إذ يسكن حوالى 2 مليون نسمة على مساحة 360 كيلومتراً مربعاً، وهي أعلى كثافة سكانية في العالم مع قلة موارد في ظل حصار خانق.
الكونفدرالية مع الأردن
بعد هزيمة فصائل منظمة التحرير أمام النظام الأردني وخروجها من الأردن، طرح الملك حسين مشروع "المملكة العربية المتحدة" عام 1972، والذي يشمل قطرين (الضفة والأردن) مرتبطين بعلاقة فيدرالية تحت سلطة الملك، وكان من الطبيعي فشل هذا الطرح بالنظر إلى فائض الروح الثورية لدى فصائل منظمة التحرير ورفضها لأي حلول قد يفهم منها الانتقاص من الحقوق الفلسطينية.
وأعاد الملك حسين طرح رؤيته للعلاقة مع الضفة الغربية عام 1984 بمشروع الكونفدرالية الأردنية الفلسطينية، بالتوازي مع التحرك الفلسطيني – الأردني المشترك على أساس قرارات الشرعية الدولية والحديث كوفد واحد برؤية مشتركة نحو "المؤتمر الدولي للسلام" الذي طرح في تلك المرحلة.
وآخر من تحدث عن مشروع الكونفدرالية رئيس الوزراء الأردني السابق عبد السلام المجالي في مايو/أيار 2016، عندما أكد أن "الكونفدرالية بين دولة ودولة تعد الحل الأمثل والأكثر خيراً لفلسطين والأردن، وأكد أيضاً أن نتنياهو طرح الكونفدرالية مرات عديدة وعبر قنوات سرية".
الطرح "الإسرائيلي" جوبه برفض قاطع من الأردن، خاصة في ظل صعود اليمين المتطرف والذي باتت له الكلمة الفصل في ما يخص مشاريع التسوية، وكان الموقف الأردني يستند في رفضه إلى رؤية اليمين الإسرائيلي نحو خيار الوطن البديل، والتي لا تنفع معها الوعود الإسرائيلية في تبديد هواجس الأردن المزمنة بشأن المحافظة على الوضع الديموغرافي في الأردن وعدم تحويل الأردن إلى وطن للفلسطينيين.
اليمين الإسرائيلي وسياسة الأمر الواقع
- الزحف الاستيطاني ومصادرة الأراضي تحت ذرائع مناطق عسكرية أو أراض ملك الدولة وصولاً إلى السيطرة على 60% من مساحة الضفة (المنطقة C) حسب اتفاق أوسلو.
- عدد المستوطنين الآن في الضفة الغربية يبلغ حوالي 406 آلاف مستوطن في 128 مستوطنة، بينما في القدس 210 آلاف مستوطن في 15 مستوطنة، في حين كان عددهم صفراً عام 1967 و 150 ألفاً عام 1991.
- تقليص عدد الفلسطينيين في القدس إلى 12% من مجموع السكان مقابل 88% من اليهود، مع العلم أن عدد الفلسطينيين الآن حوالى 300 ألف في مقابل حوالي 520 ألفاً في القدس الشرقية والغربية.
- الانفتاح الاقتصادي عبر زيادة عدد العمال الفلسطينيين وإقامة مناطق صناعية مشتركة، والسماح بإقامة مدن سكنية في مناطق (أ) حسب اتفاق أوسلو.
وفي قطاع غزة، فإن الوضع القائم مريح إسرائيلياً نوعاً ما، قطاع محاصر لكن دون تهديد أساسيات الحياة، وسلطة قوية قادرة على لجم المجموعات المسلحة ولكنها ضعيفة عسكريا في مواجهة "إسرائيل"، وبالتعاون مع نظام السيسي يمكن تخفيف الحصار حتى لا يحدث انفجار مع العمل الجاد والمتواصل لقطع خطوط الإمداد العسكري عبر الإنفاق.
وبالتالي فإن سياسة الأمر الواقع وتكريس حالة الانقسام بين الضفة وغزة، وإبقاء السلطة بأجهزتها الأمنية لحماية أمن المستوطنين والجيش الإسرائيلي مع وزارات أخرى أقرب إلى إدارة ذاتية وإبقاء حصار غزة بصيغته المشار إليها لتبقى السياسة القائمة حتى تحين الفرصة لتصفية القضية الفلسطينية وتطبيق مشاريع دولة غزة – سيناء، وهي الأقرب إلى الواقع رغم صعوبة إقناع الشعب المصري بها في المرحلة الحالية، أو إعادة رسم العلاقة بين الضفة والأردن وهي مستبعدة جداً حالياً في ظل صعود اليمين "الإسرائيلي" الحالم بالوطن البديل في الأردن.