مشاريع الشباب تنقذ مزارعي مصر

29 أكتوبر 2014
في مزرعة مصرية (خالد دسوقي/فرانس برس/ getty)
+ الخط -
‏13.3 لتر هو متوسط نصيب المواطن المصري سنوياً من الألبان. كان هذا ‏الرقم الضئيل للغاية كلمة السر في انطلاق مجموعة من المهندسين الشباب في ‏مصر نحو مشروع غريب. المشروع هو ابتكار حلول تكنولوجية متطورة تتخصص في الاكتشاف المبكر ‏للأمراض التي تصيب قطعان الأبقار، وتتسبب في فقدان ما لا يقل عن ‏‏%10 سنوياً من إنتاجها.
يقول المهندس الشاب وليد سرور (27 عاماً)، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة ‏"فارمينال" إن "نقص خبرة العمالة وقلة عدد الأطباء البيطريين من أصحاب الخبرة المتواجدين في ‏مزارع الأبقار، نتيجة وقوعها في الطرق الصحراوية، يُعرض قطعان الأبقار ‏للأمراض والبكتيريا. وبالتالي تتوقف عملية حلب الأبقار وتتكبد المزارع ‏خسائر مستمرة، ما خلق ضرورة ملحة لابتكار تكنولوجيا جديدة لإدارة المزارع ‏طبياً".

هكذا بدأت الرحلة

يشرح سرور لـ "العربي الجديد"، أنه بدأ رحلته ‏مع فكرة المشروع منذ أكثر من 10 سنوات، عندما بدأ يرصد الأمراض التي ‏تهاجم قطيع الأبقار في مزرعة صغيرة مملوكة لعائلته. وخصوصاً بعد المعاناة التي وقعت ‏بسبب الخسائر المستمرة التي تكبدتها العائلة، نتيجة التأخر في اكتشاف ‏المرض. ‏
هذه الخسائر دفعت سرور لاختيار اختصاصه الجامعي في "هندسة الميكاترونكس" المتعلقة بمعالجة بيانات الصور. ومن ثم قام بتكوين فريق عمل ‏من الطلاب لبحث تصميم تكنولوجيا للكشف المبكر على أمراض الأبقار. ‏وبالفعل نجح الفريق في تطوير حلول تقنية متكاملة. والتقنية تقوم على تثبيت كاميرا علمية فائقة ‏الدقة في مزارع الأبقار. أما مهمتها فرصد درجات حرارة القطيع لحظياً، ‏وترجمتها إلى مؤشرات تظهر في هيئة صورة معلوماتية توضح الحالة الصحية ‏للأبقار.‏
وتسبق هذه التكنولوجيا المتخصصة في مجال علاج الأبقار، تكنولوجيا شبيهة ‏ولكنها تخصصت في الكشف عن مرض إنفلونزا الخنازير في المطارات. ‏
فوضح سرور أن كاميرات الكشف المبكر عن إنفلونزا الخنازير هي المُلهم ‏الحقيقي في تأسيس المشروع. غير أن الأمر على الصعيد العلمي، يختلف كلياً ‏عند الحديث عن الأبقار "نظراً لاختلاف طبيعة المرض وكذلك الطبيعة ‏البيولوجية الحيوانية التي تتسم بأعراض ودرجات حرارة مختلفة عن الإنسان".‏

صعوبة الخطوة الأولى

ويدرك المتخصصون في الإشراف على تنفيذ المشروعات الشبابية والمعروفة ‏بـ "ريادة الأعمال" أن أغلب هذه المشروعات تقف عادةً عند "الفكرة" دون أن ‏تُنفذ على أرض الواقع.
وهو بالفعل ما يؤكده الرئيس التنفيذي لشركة فارمينال قائلاً إن "الصعوبات ‏الحقيقية بدأت تواجه فريق العمل، عند البدء في وضع أولى أقدامه في سوق ‏العمل لإجراء اختبارات عملية لهذا الحل التكنولوجي بالمزارع متوسطة الحجم. أي ‏التي تضم قطيعا لا يقل عن 500 رأس من الأبقار. وذلك بهدف وضع مؤشرات علمية ‏دقيقة لدرجات الحرارة".‏
ويشير إلى أن أصحاب المزارع استغرقوا وقتاً في التفكير قبل إجراء هذه الاختبارات. ‏ولكن بعد فترة من البحث لاح بريق الأمل من جديد، مع موافقة مزرعة تلو ‏الأخرى على إجراء الاختبارات بعد تفهم أصحابها لأهمية المشروع.‏
ويضيف سرور أن الأبحاث توصلت إلى أن مرض "التهاب الضرع" هو أكثر ‏الأمراض الخطيرة التي يمكن اكتشافها مبكراً عن طريق رصد درجات ‏الحرارة. وهو ما لاقى تفاعلاً كبيراً من أصحاب المزارع، بعد أن نجحت ‏الاختبارات في الكشف المبكر عن المرض. علماً أن 15 رأساً من بين ‏كل 100 بقرة تصاب بـ "التهاب الضرع" شهرياً. ويتسبب الأخير في توقف المزارع عن عملية حلب الأبقار لمدة ‏‏5 أيام بسبب تقديم العلاج بالمضادات الحيوية.‏
وأشهر الميكروبات المسببة لمرض "التهاب الضرع" هي البكتيريا الكروية ‏التي تهاجم الأبقار بسبب عدم حلبها بشكل كامل. إضافة إلى تعامل المسؤول عن الحلب ‏بخشونة مع الضرع. إلى جانب انتقال العدوى من حيوان مصاب إلى آخر ‏عبر يد المسؤول عن الحلب أو اللبن المصاب المسكوب على الأرض.‏
ويستدرك قائلاً إن الخريطة المعلوماتية التي توفرها التكنولوجيا الجديدة لحظياً ‏عن كل رأس من الأبقار تمكن الفريق الطبي في المزرعة من اكتشاف المرض ‏مبكراً. ما يساعد في استخدام طرق طبيعية لعلاجه من خلال القيام بحلب كامل للضرع ‏للقضاء على البكتريا في فترة تكوينها.

تمويل المشروع

الخطوة الأكثر أهمية في تاريخ المشروع كانت، وفق سرور، إيجاد مصادر تمويل الفكرة بعد إجراء الاختبارات ‏التكنولوجية بالمزارع. ‏ويقول سرور إن فريق العمل تحمل مصروفات تطوير الحل التكنولوجي. ولكن ‏الأمر بات مختلفاً عند إنتاج التكنولوجيا، وتزويدها بكاميرا علمية متطورة ‏لتسويقها بين المزارع. وهنا نجح فريق العمل في إقناع صندوق استثمار ‏مصري متخصص في تمويل مشروعات ريادة الأعمال لدعم المشروع بقيمة ‏‏100 ألف جنيه. ‏ ويتابع سرور أن هذا التمويل دفع فريق العمل لتأسيس شركة "فارمينال" وتشكيل ‏هيكل إداري محترف، بدأ في بيع المنتج النهائي إلى عدد من المزارع في السوق ‏المصرية. وأثبتت التكنولوجيا الجديدة كفاءتها في الإدارة الطبية للمزارع وتقليل ‏معدل الإصابة بالأمراض.‏
ويؤكد سرور أن طموح فارمينال لا يتوقف على خدمة السوق المصرية فقط. إذ ‏تتبنى الشركة خطة للتوسع في الأسواق الخارجية.‏
المساهمون