مشاركة المرأة السعودية في القرار: بين التأجيل والرفض

25 يناير 2015
المراة السعودية تبحث عن دور أكبر (Getty)
+ الخط -

وسط ترقب المهتمين بالشأن العام في السعودية لإعلان موعد نهائي لإجراء الانتخابات البلدية في دورتها الثالثة، وذلك أملاً بانفراج محدود في الأفق السياسي، قرر مجلس الوزراء السعودي بناء على توصية رفعها وزير الشؤون البلدية والقروية الأمير منصور بن متعب بن عبد العزيز في سبتمبر/أيلول الماضي، بتأجيل الانتخابات لعامين، معللاً ذلك في قراره بـ"وضع نظام خاص بالانتخابات البلدية تقرره الوزارة نفسها (أي البلدية والقروية)، ويكون مُرضياً لتطلعات الدولة في توسيع مشاركة المواطنين في إدارة الشؤون المحلية، مع الاستفادة من نتائج الدراسات السابقة".

وعلى الرغم من حالة الإحباط التي شعر بها المتلهفون لخوض غمار هذه التجربة "الفتية" على مجتمع لا يُسمح فيه بممارسة نشاط سياسي، أو إنشاء أحزاب ونقابات مختصة، إلا أن الصدمة كانت أكبر على المرأة السعودية، والتي سُمح لها بالمشاركة بهذه الدورة بصفتها ناخبة ومرشحة، بعد غيابها عن الدورتين السابقتين اللتين أُجريتا في عامي 2006 و2011.

وكانت مجموعات نسائية قطعت شوطاً في الاستعداد لهذا الحدث، إلا أنهن أُحبطن بعد قرار تأجيل حلم المشاركة في صناعة القرار لمدة عامين، من دون وجود ضمانة بعدم تمديد التأجيل لعامين آخرين أيضاً.

"عقد" من الاستعداد

قبل نحو أربعة أعوام وتحت قبة مجلس الشورى، الذي يُعتبر "جهة استشارية"، فجّر الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز مفاجأة اعتُبرت من العيار الثقيل على التيار المحافظ، وذلك عندما أعلن دخول المرأة كعضو معين في مجلس الشورى، وكذلك السماح لها بالمشاركة كناخبة ومرشحة في الانتخابات البلدية في دورتها المقبلة.

هذا القرار لاقى ترحيباً من قِبل النساء، فيما واجهه المحافظون بالرفض والاستنكار، بينما فضّل نشطاء آخرون التقليل من أهمية هذه الخطوة وذلك وسط محدودية أثر المجالس البلدية، والتي يتم تعيين نصفها وانتخاب نصفها الآخر، ولا يُسمح لها بمراقبة المشاريع ومحاربة بؤر الفساد التي تزخر بها البلديات على مستوى السعودية.

وعلى الرغم من هذا الاحتفاء النسوي، إلا أن 7 نساء كنّ فضّلن قبل عقد من الزمن إطلاق مبادرة وطنية تحت اسم "مبادرة بلدي"، عكفن من خلال النشاط المتاح لهن على ممارسة دور في التوعية بأهمية دخول المرأة في أي مجال يجعلها شريكة في العمل المجتمعي. وتُعتبر هذه المبادرة الأبرز بين المبادرات التي سرعان ما وئدت في مهدها، أو انقطع نفس روادها في ظل انعدام التباشير آنذاك. إضافة إلى ممارسة ضغوط اجتماعية تهدف إلى تحجيم طموحهن، والعمل على التقليل من كافة الجهود التي يبذلنها، معتبرين إياها مضيعة للوقت لا أكثر.

وفي أقبية المنازل، نظراً للعقوبة المترتبة للنشاط العلني غير المصرح به، ظل عدد هؤلاء النساء يتكاثر من خلال نجاحهن في بناء شبكة من العلاقات لاستهداف الناشطات للانخراط في الأعمال التطوعية، ولاحقاً يتم تأهيلهن وتدريبهن وإبرازهن إعلامياً للقيام بأدوار مختلفة في هذا المجال أو أي مجال آخر يهتم بتمكين المرأة.

وفي الدورتين السابقتين، كانت مقار تسجيل الناخبين تشهد زيارات مختلفة لمجموعة من الفتيات لتسجيل أسمائهن، على الرغم من معرفتهن بعدم السماح لهن بالمشاركة في الاقتراع. وتم رفض بعضهن من المقر، فيما فضّل بعض رؤساء المقار تسجيلهن من دون الدخول في أي سجال معهن.

ومرّت استعدادات المرأة لخوض الانتخابات البلدية في أكثر من مرحلة، إذ وُلدت ضعيفة ولكن سرعان ما بدأت تأخذ وضعها بين النساء بعد أعوام من التنقل بين المجالس والحرص على عقد ورش عمل في الأقبية المنزلية التي توفّر حماية أمنية. وأثمرت هذه الدورات عن مشاركة 400 سيدة خلال الأشهر الأخيرة، بعدما تمت الاستعانة بخبيرات في الشأن الانتخابي من خارج السعودية.

وعلى الرغم من كل هذا التقدّم، فإن المرحلة الأخيرة جاءت مغايرة، وذلك بعد أن احتوت مؤسسة الوليد بن طلال الخيرية، "مبادرة بلدي"، بعد إعلان الملك السعودي قراره بالسماح للمرأة بالمشاركة في الانتخابات، وهو الأمر الذي اعتُبر مؤشراً من مؤسسة قريبة من سلطات القرار في السعودية، وذلك لتهذيب كافة المبادرات لتكون تحت مظلة رسمية، أو حتى شبه رسمية، لضمان خط سيرها.

إلا أن هذا التحليل لا يجد قبولاً من قبل بعض القائمات على تلك الحملة، اللواتي يعتبرن ذلك تشكيكاً في النوايا وتثبيطاً لحلم لم يحالفه حظ التفسير بقدر ما حالفه التأجيل مرتين، الأول في الدورة الثانية عندما تم تمديد موعد إقامتها عامين من 2009 إلى 2011، إضافة إلى التمديد الأخير عامين أيضاً لتُقام حسب ما هو معلن في 2017.

المقاطعة وفرص المنافسة

تحت عنوان "مقاطعة تؤسس للمشاركة"، كتب نشطاء سعوديون في مايو/أيار عام 2011 بياناً يرفضون من خلاله المشاركة في الانتخابات البلدية في دورتها الثانية، معلّلين ذلك بـ"غياب الصلاحيات، وقتل الممارسة الديمقراطية عبر تعيين نصف المجلس، وعدم تلبية الانتخابات بصيغتها الحالية لطموحات التوسع في المشاركة الشعبية في صناعة القرار"، إضافة لإشارتهم إلى "إقصاء المرأة للمرة الثانية عن المشاركة ترشيحاً وانتخاباً بحجج بالية"، وفق البيان.

وعلى الرغم من خفوت فورة "الربيع العربي" وغياب وتغييب عدد من الأسماء التي شاركت في صياغة هذا البيان من ممارسة النشاط في المجال العام، إلا أن ذلك البيان ما زال حاضراً في ذهن المهتمين والمتابعين، ويتم استحضاره على الدوام وتذكّر تأثيره في حث الناخبين على عدم المشاركة.

هاجس المقاطعة الذي طرحه البيان ما زال حاضراً في ذهن الناشطات المهتمات بالمشاركة في الانتخابات البلدية، لذلك فهن يعملن على كسر حالة الجمود تلك لدى الناخبين والناخبات، من خلال التأكيد على أن المشاركة خير من المقاطعة، خصوصاً على المرأة في الفترة الحالية.

وتشير بعض البوادر إلى وجود تفاعل في الوسط النسائي لدعم هذه التجربة، ويلاحظ ذلك من خلال شبكات التواصل الاجتماعي أو ورش العمل التي تجرى في عدد من المناطق السعودية.

وعلى الرغم من هذا الهاجس المفصلي، فإن هناك هاجساً آخر متعلق بقدرة تلك التجمّعات النسائية على الوقوف أمام التيارات المحافظة المنظمة والتي سبق لها أن خاضت دورتين سابقتين واكتسحت الآخرين. وهناك تحركات تسعى لمد جسور التواصل مع تلك التيارات، التي نجح بعضها منذ التأسيس في اختراق تلك التجمعات النسوية، وبذلك ضمنت تبادل الأصوات بينها وبينهم، فيما أغلقت تيارات أكثر رفضاً لمشاركة المرأة كمرشحة والقبول بها كرقم في الانتخابات، الأبواب كافة، وهو الأمر الذي أوجد تنافراً بين مشروع الطرفين.

وأكثر المتفائلين بمشاركة المرأة يعتقدون أن الحشد الذي سيُمارس ضدها من نساء محافظات في المقام الأول، سيساهم في عدم ظفرهن بأي مقعد، على الأقل في أول ثلاث دورات من السماح لهن بالمشاركة، إذ إن التجربة الخليجية القريبة عجزت فيها المرأة عن تحقيق طموحها منذ أول دورة.

إضافة إلى هذه الهواجس الجوهرية، يبرز عند الطرف المعارض لمشاركة النساء هواجس أكثر هامشية، منها تعليق صور المرأة في حملاتها الترويجية، والتخوف من اعتبار ذلك نوعاً من الانفتاح الذي لا يجب أن يمر مرور الكرام، إضافة إلى التخوّف من الاختلاط بين الجنسين عند مراكز الاقتراع.

وعلى إثر ذلك، انتفضت وزارة الشؤون البلدية والقروية، وأصدرت قراراً أكدت فيه للقلقين أن "الترتيبات والإجراءات والضوابط للانتخابات المقبلة تنصّ على الفصل التام بين الرجل والمرأة في كافة مراحل العملية الانتخابية، إذ سيجري إنشاء مراكز انتخابية مخصصة للنساء ومستقلة عن الرجال تعمل فيها لجان انتخابية نسوية خاصة".

المساهمون