مسيرات العودة وكسر الحصار: عام من النضال السلمي في غزة

30 مارس 2019
تستمرّ المواجهات كل أسبوع ضد الاحتلال(عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -


قبل عام انطلقت مسيرات العودة وكسر الحصار على الحدود الشرقية والشمالية لقطاع غزة مع الأراضي المحتلة، مكرّسة حالة من النضال السلمي في القطاع، الذي واجه ثلاث حروب إسرائيلية قاسية وعشرات الاعتداءات العسكرية، وحصاراً ممتداً منذ أكثر من 12 عاماً، ما أربك الاحتلال الذي وجد نفسه عاجزاً عن التعاطي معه إلا من خلال القمع الدموي الذي خلّف 266 شهيداً وإصابة 29700 آخرين، من دون أن يثني ذلك أهالي القطاع عن الخروج جمعة تلو أخرى، وسط تمسّك بأهداف الحراك. ويستعدّ الفلسطينيون لتظاهرات حاشدة، اليوم السبت، في الذكرى السنوية الأولى للمسيرات، التي انطلقت بالتزامن مع ذكرى يوم الأرض، لإيصال رسائل للاحتلال الإسرائيلي، بأن الفعل الشعبي مستمر حتى تحقيق أهدافه، وللوسطاء بالإسراع في إنقاذ القطاع وسكانه من الأوضاع الكارثية التي وصلوا إليها بعد أعوام الحصار الطويلة والقاسية.

وخلال عام تبدلت أهداف المسيرات منذ انطلاقتها، وأضحت بهدفين وفق منظميها، استراتيجي يتعلق بالعودة إلى القرى والمدن التي هجر منها الفلسطينيون، وتكتيكي يتعلق بإنهاء حصار غزة المضروب على مليوني مواطن يعانون ويلات أطول حصار وأصعب ظروف معيشية وحياتية واقتصادية.

وبات يوم الجمعة من كل أسبوع يوماً مفصلياً بالنسبة للفلسطينيين، الذين يتجمهر الآلاف منهم في المخيمات الخمسة التي أقامتها الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار على نقاط التماس شرقي القطاع. كما أصبح يوم الثلاثاء مشهداً متكرراً قرب قاعدة "زيكيم" العسكرية الإسرائيلية شمالي القطاع فيما بات يعرف بـ"الحراك البحري".

وتخلل المسيرات عشرات الاعتداءات الإسرائيلية المباشرة على المتظاهرين، والتي أدت لاستشهاد 266 فلسطينياً وإصابة 29700 آخرين، نصفهم جرى علاجهم في المستشفيات، والآخرون تعالجوا ميدانياً في النقاط الطبية التي تلازم مخيمات العودة الخمسة، وفق تأكيد المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة أشرف القدرة لـ"العربي الجديد".

وشهدت المسيرات فترات تصعيد محدود، عقب تعمّد القنّاصة الإسرائيليين إيقاع أكبر الخسائر في صفوف المتظاهرين، وتدخلت "غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية" في هذه الجولات، التي سرعان ما كان يتدخل فيها الوسطاء لمنع تحولها إلى عدوان واسع.

وحركت المسيرات مياهاً فلسطينية كثيرة، وأعادت قطاع غزة المحاصر إلى المشهد من جديد، وشهدت خلالها عودة التقارب بين حركة "حماس" التي تدير المشهد السياسي والأمني في القطاع، ومصر التي فتحت معبر رفح البري المغلق مع القطاع لامتصاص "غضب الفلسطينيين" ولإنجاح وساطتها، التي بدأت تتفاعل مع انطلاق المسيرات وتصاعدها.



وتدخلت مصر ومعها قطر والأمم المتحدة للعمل على ضمان تدفق المساعدات الإنسانية والمالية للقطاع، ونجحت الجهود التي قادتها الدولتان كل على انفراد والأمم المتحدة في وقف جولات التصعيد ومنع انزلاق الأوضاع إلى اعتداءات أكبر.

في السياق، قال النائب عن حركة "حماس" في المجلس التشريعي، القيادي يحيى موسى، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "مسيرات العودة الكبرى مثلت نقطة فاصلة في النضال الفلسطيني، وأعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة عبر إحياء حق العودة والتأكيد على حقيقة الوجود الفلسطيني". وأكد موسى أنه "في ظلّ الحالة المعقدة محلياً وإقليمياً ودولياً التي لا تساعد على الاشتباك المسلح والعسكري، جاءت مسيرات العودة الكبرى كفكرة إبداعية، أسهمت باشتباك سياسي وشعبي مع الاحتلال الإسرائيلي".

وأضاف أن "مسيرات العودة الكبرى على مدار عامها الأول أسهمت في تعرية إضافية لإجرام الاحتلال أمام المجتمع الدولي والعالم أجمع، من خلال ما ارتكبه بحق المتظاهرين والمشاركين بها، وجعلت المواجهة مع الاحتلال في نقطة ضعفه وجعلتنا في نقطة قوتنا المتمثلة في الجماهير".

وتابع موسى قائلاً إنه "يُحسب للمسيرات بعد مرور عام على انطلاقتها، أنها استطاعت جمع القوى الفلسطينية واستنهاض الحالة والعلاقة الداخلية، عبر ما نتج عنها من الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وغرفة العمليات المشتركة للأذرع العسكرية في غزة". ولفت إلى أنّ "المسيرات أسهمت في تصاعد حالة المقاومة بالضفة الغربية المحتلة من خلال الحاضنة وحالة التحشيد الحاصلة، في الوقت الذي ما يزال فيه الحديث عن الإنجازات المادية سابقاً لأوانه خلال الفترة الحالية".

وكشف القيادي في "حماس" أن "نموذج الانتفاضة الأولى شاهد على حاجة الاحتلال للوقت، للتأكد من عدم جدوى محاولته الرامية لإجهاض المسيرات، خصوصاً أن المسيرات ستتواصل حتى تحقيق أهدافها المتمثلة في كسر الحصار المفروض على قطاع غزة".

وقال إن "كسر الحصار المفروض منذ أكثر من 12 عاماً على القطاع يبقى هدفاً مرحلياً فيما يبقى حق العودة ضمن أهداف وطنية حاضرة، والفلسطينيون سيواصلون محاولتهم وإبداعهم من أجل تحقيق كامل الأهداف الوطنية".

أما القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، عضو الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة، ماهر مزهر، فأكد لـ"العربي الجديد" أنّ "هذه الحالة الوطنية الفلسطينية، وبعد مرور عام على انطلاقتها، استطاع من خلالها الشعب الفلسطيني أن يوصل رسائل على المستوى الإقليمي والدولي تؤكد حقه في أرضه وفي كسر الحصار الإسرائيلي".



وبالنسبة لمزهر، فإنّ "المسيرات كشفت الوجه الحقيقي للاحتلال أمام العالم وعرّته عبر المجازر التي ارتكبها بحق المدنيين، سواء الصحافيين أو المسعفين والنساء والأطفال وكبار السن رغم كونهم مدنيين، وزادت من فضح العدوان الإسرائيلي الذي يتعرض له الفلسطينيون".

ولفت إلى أن "المسيرات ساهمت في رفع كلفة الاحتلال الإسرائيلي وإرباك مؤسسته الأمنية واستنزافها هو وجنود جيشه، إلى جانب الضغط على مستوطني غلاف غزة والتأكيد على حق العودة". وتابع قائلاً إنّ "القضية الفلسطينية قضية سياسية ووطنية، وليست قضية إنسانية. والمسيرات غير مرتبطة بالتفاهمات التي يجرى التوصل إليها عبر الوسطاء مع الاحتلال الإسرائيلي"، مؤكداً أن "المسيرات والفعاليات ستتواصل كونها حالة وطنية فلسطينية".

بدوره، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة، مخيمر أبو سعدة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المسيرات أعادت الاعتبار للقضية الفلسطينية، في ضوء حالة الانشغال القائمة في الأوساط العربية"، موضحاً أنها "نجحت في إعادة القضية الفلسطينية لصدارة المشهد من جديد على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، من خلال فعالياتها المختلفة وأكدت على وجود شعب يعيش تحت احتلال ما زال قائماً".

وتابع أبو سعدة "إلى جانب إعادة القضية للمشهد، أثبتت المسيرات نجاعة خيارات أخرى غير المقاومة المسلحة، المتمثلة في المقاومة الشعبية. وهو الأمر الذي حظي بتفاعل وتضامن دولي كبير كان آخره تقرير الأمم المتحدة الذي دان الاحتلال الإسرائيلي". ونجحت المسيرات في تعزيز الجبهة الداخلية وحالة التماسك بين الفصائل الفلسطينية، كحماس والجهاد والجبهات وبقية الفصائل إلى درجة ما، خصوصاً خلال فعاليات مسيرة العودة وما تبعها من تصعيد إسرائيلي".

وعن المآخذ على المسيرات، لفت أبو سعدة إلى أن "التحوّل في استخدام المقاومة الشعبية إلى وسائل وفعاليات مثل البالونات الحارقة والمتفجرة، يُحسب على المسيرات ويعطي الاحتلال مبرراً لاستهداف الفلسطينيين". وأشار إلى أن "سيطرة حماس على المسيرات وعدم ترك إدارتها للشعب أو حتى للهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار يسجل على الحركة كمأخذ، والأجدر هو أن تبقى المسيرات بعيدة عن السيطرة عليها وأن يترك القرار للهيئة والمشاركين". وشدّد على أنه "لا يوجد خيار أمام الشعب الفلسطيني حالياً إلا الاستمرار بهذه المسيرات، مع الحفاظ على طابعها السلمي ووقف الفعاليات ذات الطابع العنيف، سواء البالونات المتفجرة والحارقة أو حتى محاولات اقتحام السياج الحدودي كون الاحتلال يرد بشكل مميت".



دلالات
المساهمون