يستعد مسيحيو محافظة إدلب لحلول رأس السنة الجديدة بصمت مطبق، بعد أن احتفلوا بأعياد الميلاد بشكل سري. إذ يخشون من الاحتفال العلني ويمارسون طقوسهم خفيةً لأن هيئة "تحرير الشام" تعتبر ممارسة المسيحيين لطقوسهم الدينية علنا انتهاكا للشريعة الإسلامية.
وقالت السبعينية أم جورج، من بلدة القنية ذات الأغلبية المسيحية بريف إدلب، لـ"العربي الجديد": "احتفلنا بعيد الميلاد سرا كما نفعل منذ عدة أعوام خوفا من انتقام هيئة تحرير الشام. تعرض أولادي للملاحقة من قبل النظام بسبب مشاركتهم بالمظاهرات المناهضة له، ثم سيطر الجيش الحر على المنطقة، وبعد خروجه توالت الفصائل المتشددة على المنطقة، وكلها تمنع احتفالاتنا".
وأكدت الثلاثينية ريما، أنها لم تحتفل بأعياد الميلاد. "لم نحتفل هذا العام، ولا الأعوام التي مضت بسبب الخوف من الفصائل المتشددة في المحافظة. العيد ليس شجرة ميلاد وقداس فقط، العيد أن تجتمع العائلة كلها في المنزل على مائدة واحدة، أما الأن فالتشتت والهجرة سرقا منا بهجة الأعياد".
وشدد الخمسيني أبو سركيس، من سكان قرية الغسانية بريف جسر الشغور شمال إدلب، على عدم وجود أي احتفال علني. "لم نحتفل علنا منذ أعوام، فخطر الاعتقال أو المساءلة من قبل الفصائل المسلحة يشكل هاجساً كبيرا لدينا، ورغم أنهم لم يعتقلوا أحدا منا سابقاً، لكن هذا لا ينفي الحذر منهم، فهم ليسوا مثل الجيش الحر الذي يمكن أن يتفهم عاداتنا وطقوسنا الدينية".
وسبق أن أقام مسيحيو إدلب مطلع شهر إبريل/نيسان الماضي، قداس "عيد الفصح" في دير القديس يوسف في بلدة القنية، دون أي معوقات، وحضره البابا يوحنا، وعدد من أبناء الطائفة المسيحية في المنطقة، في ظاهرة اعتبرها نشطاء غريبة في ظل سيطرة تحرير الشام والحزب التركستاني على المنطقة.
في بعض القرى المسيحية بمحافظة إدلب؛ كانت منازل وشوارع وساحات تكتسي بالزينة وأشجار الميلاد. تتذكر أم جوني طقوس عيد الميلاد سابقا، قائلة: "كنا نجهز شجرة عيد الميلاد ونزينها بالأضواء قبل رأس السنة، وحين ننتهي من الطقوس الدينية يستقبلنا أب الكنيسة في صالة كبيرة نجتمع بها مع الأقارب والأصدقاء".
حاليا، تفتقر إدلب إلى محال بيع مستلزمات الزينة الخاصة بأعياد الميلاد ورأس السنة، وأهمها شجرة عيد الميلاد، فيلجأ مسيحيو المحافظة إلى صنع مستلزمات الاحتفال. تقول أم جورج إنها "في كل عام تطلب من ابنها الأكبر قطع رأس شجرة السرو الموجودة في حديقة المنزل، لتجعل منها شجرة عيد ميلاد، وتضع عليها أضواء ملونة تعمل على بطاريات السيارات لأن كهرباء الاشتراكات الشهرية تنقطع في العاشرة ليلاً".
تضيء شجرة الميلاد في منزل أم جورج ليصل ضوؤها إلى منزل جارتها المسلمة أم سامر، والتي تحتفل أيضاً بعيد الميلاد في محاولة للتأكيد على قيم التعايش والتآخي الديني والعلاقات القوية التي تربط بين الأهالي.
وتعرض المسيحيون لانتهاكات واسعة كما حصل للطوائف الأخرى في المحافظة، حيث قصف النظام مناطق المسيحيين أكثر من مرة، وتسببت إحدى غاراته بتدمير أجزاء من كنيسة القنية، إضافةً إلى استهدف الطيران الحربي الروسي، في سبتمبر/أيلول 2017، قريتي اليعقوبية والقنيّة بعدة غارات جوية.
في المقابل، طالبت "تحرير الشام" مالكي وقاطني العقارات التي تعود ملكيتها للمسيحيين في مدينة إدلب، بتسليمها لحكومة الإنقاذ التابعة لها، ووجهت بلاغات لمراجعة مكاتبها لتسليم هذه العقارات، التي تعتبرها أملاك "نصارى".
ويتوزع المسيحيون في مدينة إدلب وبعض القرى في جسر الشغور مثل قرية الجديدة وقرية اليعقوبية وبلدة القنية وقرية الغسانية وقرية حلوز، وهاجرت الغالبية العظمى منهم على خلفية القصف وتصاعد وتيرة الحرب الدائرة في البلاد.