مسلم تطرف أو متطرف أسلم؟

30 مارس 2016
+ الخط -
أسئلة كثيرة تؤرق الشرق والغرب، تدور حول لغز "داعش"، وقدرة هذا التنظيم الهائلة على استقطاب شباب أوروبي مسلم لا يعرف إلا القليل عن دينه، ولا يعرف شيئاً تقريباً عن صراعات الشرق الأوسط وفوضاه. وكيف نجح أبوبكر البغدادي في تجنيد 500 شاب من حي واحد في بروكسيل (مولمبيك)؟ كيف يولد الدواعش في بلجيكا وفرنسا وبرلين ولندن ومدريد… وبعد ذلك، يعضّون المجتمعات التي ولدوا فيها؟ كيف يفجرون دولاً ولدوا وتربّوا فيها، ودرسوا في مدارسها، ولا يتكلمون إلا لغتها؟ أيّ غسيل دماغ هذا الذي يستطيع أن يدفع شاباً عشرينياً إلى الانفجار وسط أناسٍ لا يعرفهم، وأن يُغادر هذا العالم الذي مازال عمره يعطيه فيه فرصاً أخرى للنجاح، وتجاوز خيبات الأمل؟
إدانة الإرهاب لا تكفي للقضاء عليه، يجب فهمه وتفكيك الأيديولوجيا التي وراءه، وتتبع مسارات المجنّدين في كتائبه. بعيداً عن الكليشهات المنتشرة في الإعلام الأوروبي في تفسير ظاهرة انتماء شباب الضواحي الأوروبية إلى الجماعات الإرهابية، باعتبارها ظاهرة دينية أو ثقافية أو حتى أيديولوجية، يذهب أوليفيه روا، الفرنسي المتخصص في الحركات الإسلامية، في تفسير بروفيلات الجيل الجديد من الإرهابيين إلى منحى آخر. يقول عن الانتحاريين الجدد "ليس منهم من سبق له الانتماء إلى "الإخوان المسلمين"، ولا أحد منهم سبق له النضال في صفوف حركةٍ سياسية، بما فيها الحركات المناصرة للقضية الفلسطينية في أوروبا، ولا ينهض أيٌّ منهم بمهام اجتماعية، من قبيل توزيع وجبات الإفطار في رمضان، أو إلقاء المواعظ في المساجد، أو في الشارع، ولا أحد منهم سبق له متابعة دراسات دينية جادة في معاهد متخصصة، أو أبدى اهتماماً بالفقه الإسلامي أو بطبيعة الجهاد أو طبيعة الدولة الإسلامية حتى".
لماذا يختار شاب منحرف، أو شابة لعوب، قبعة الإسلام الراديكالي للقتال تحت رايته؟ يجيب أوليفيه روا الذي اشتغل على محاضر التحقيق مع من اعتقل من هؤلاء المتطرفين، وأجرى مقابلاتٍ مع عائلات أبناء داعش: لماذا الإسلام الراديكالي؟ الأمر واضح لأبناء الجيل الثاني: إنهم يستعيدون هويةً يعتبرون أن آباءهم لم يكونوا مخلصين لها ولم يمثلوها أحسن تمثيل. يعتبر المتطرف نفسه أكثر إسلاماً من المسلمين، خصوصاً أكثر من آبائه. يدل على هذا الأمر المجهود الهائل الذي يبذله الداعشي عبثاً لـ"إعادة" هؤلاء الآباء إلى "الإسلام الحق"، أما بالنسبة إلى المعتنقين الجدد، فهم يختارون الإسلام، لأنه لا يوجد غيره حالياً في سوق التمرد والتطرّف والراديكالية (الالتحاق باليسار الراديكالي يتطلب التوفر على رصيد مهم من الثقافة وحب القراءة، والانخراط في مسارٍ نضالي طويل، لكن هؤلاء الشباب المتطرفين لا يقرؤون، ولا وقت لديهم لتتبع مسار نضالي طويل، والانضمام إلى "داعش" يعني ضمان زرع الخوف في الآخرين، وإرهابهم بسرعة وبقوة وفعالية، وهذا هو المراد".
يرى الباحث الفرنسي أن انتماء هؤلاء الشباب إلى "داعش" لا يخلو من انتهازية (أمس كانوا مع القاعدة وقبل أمس (1995) كانوا يقومون بالمناولة لصالح الجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية، أو كانوا منخرطين في الترحال الجهادي، من البوسنة إلى أفغانستان، مروراً بالشيشان، وغداً يقاتلون تحت لواء آخر، إلا إذا قضوا في أرض المعركة، أو قادهم التقدم في السن إلى تبدد الوهم).
لا يرى أوليفيه روا في الداعشي شخصاً متديناً ورعاً متطرفاً استقطبته داعش على أسس أيديولوجية، وعرضت أمامه مشروع دولة الخلافة، بل يرى أن الداعشي أولاً شخصٌ متمرد على ثقافة والده وثقافة بلده، وهو يعيش عزلتين في آن، عن تدين آبائه وعن ثقافة مجتمعه، وهو ثانياً شخص منحرف جرب السجن والخمر وحياة الليل، وأصبح مطارداً ذا سوابق، وهو، ثالثاً، راديكالي، وجد في الإسلام الداعشي سلاحاً فعالاً لنشر الرعب في مجتمعٍ، لم يعد يقبل به.
الجيل الجديد من الجهاديين الدواعش في أوروبا لا يعبر، حسب أوليفيه روا، عن تطرّف الإسلام، بل هو نوع من أسلمة التطرف. إنه إسلام القطيعتين: الجيلية والثقافية، وأخيرا القطيعة السياسية.
إنها قراءة سوسيولوجية تركّز على البواعث السياسية والاجتماعية أكثر من الدينية والثقافية، لفهم سيرة الداعشي الأوروبي وتفسير سلوكه الإرهابي.
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.