يكشف مصدر سياسي مصري بارز، لـ"العربي الجديد"، كواليس بعض ما يجري في دوائر صناعة القرار المصري، خصوصاً الإطاحة بالنائب توفيق عكاشة، لافتاً إلى أن مدير مكتب رئيس الجمهورية، اللواء عباس كامل، هو الذي أدار معركة الإطاحة بعكاشة، ليس من البرلمان فقط، ولكن من الحياة السياسية بشكل عام. ويوضح المصدر أن كل ما جرى، في الأيام القليلة الماضية، كان مُخططاً له بإحكام من قِبل كامل، الذي أعطى الضوء الأخضر لأجهزة سيادية بالسماح لعكاشة بلقاء السفير الإسرائيلي، ليتم بعد ذلك مهاجمته إعلامياً عبر أذرع مدير مكتب الرئيس في الإعلام. ويقول المصدر إنه "كانت هناك أجهزة تستخدم عكاشة خلال مرحلة حكم الإخوان المسلمين، إلا أنه تصوّر بذلك أنه أكبر من هذه الأجهزة وأنهم لا يقدرون عليه".
ويتابع: "عكاشة حاول أن يلعب لعبة كبيرة مع عباس كامل، عندما خرج في وسائل الإعلام الشهر الماضي وهاجمه بشدة، وقال علانية إنه هو من يدير الإعلام، وإنه سيكون سبباً في إفشال (الرئيس المصري عبدالفتاح) السيسي، للدرجة التي دفعته إلى المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة لابتزاز رئيس الجمهورية ليطيح برجله المقرب عباس كامل".
ويوضح المصدر أن "عباس كامل أدار بنفسه معركة الإطاحة بعكاشة، إلا أن الرئيس السيسي طلب أن يكون ذلك بعيداً عنه، فعُقدت النية على التخلص من عكاشة خلال جولة السيسي الخارجية في اليابان وكوريا الجنوبية، وكذلك أيضاً في غياب عباس كامل عن مصر بصحبة السيسي".
اقرأ أيضاً: دور نتنياهو في دعم السيسي يطيح بتوفيق عكاشة
وتتطابق معلومات المصدر السياسي، مع ما يكشفه مصدر آخر في البرلمان المصري، لـ"العربي الجديد"، من أن "التحالف الذي يقوده زعيم الأغلبية المنتظر، سامح سيف اليزل، تحت اسم "دعم مصر"، تلقى تعليمات بضرورة الإطاحة بعكاشة من تحت قبة البرلمان، تمهيداً لسجنه، بعد هجومه المتواصل منذ فترة على سياسات السيسي، ودعوته إلى انتخابات رئاسية مبكرة، وهو ما ظهر واضحاً في كلمات النواب خلال جلسة إسقاطه"، مع تأكيد المصدر البرلماني، أنه كان يمكن التغاضي عن دعوة عكاشة لانتخابات رئاسية مبكرة، لكن ما لم يكن بالإمكان تمريره، هو فضح دور رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في الترويج لنظام الانقلاب في مصر لدى الولايات المتحدة والغرب.
ويشير إلى أن قيادات "دعم مصر" بعثوا برسائل نصية لأعضاء الائتلاف ليلة إسقاط عضوية عكاشة، جاء فيها: "بكره قراءة الفاتحة على عكاشة... رجاء الحضور مبكراً". وهو ما سبقه مطالبة رئيس البرلمان، علي عبد العال، لجميع النواب بحضور جلسة الأربعاء "لمناقشة أمر هام للغاية"، قبل أن يتقدّم نواب بطلب الإسقاط، أو إدراجه على جدول الأعمال.
ويقول المصدر إن ما فعله الائتلاف، جاء لتوجيه رسالة إنذار لأي صوت معارض، حتى وإن كان محسوباً على النظام، بأن إسقاط العضوية "سهل"، ولا يتطلّب سوى حشد أعضاء المجلس، بعدما تعمّد رئيس البرلمان مخالفة الدستور ولائحة المجلس، في سيناريو مُعدّ له سلفاً، وأخذ رفض النواب بتصويت برفع الأيدي في عقوبة لجنة التحقيق مع عكاشة، التي أوصت بحرمانه من الجلسات لدور الانعقاد الحالي، ثم أعلن البدء مباشرة في التصويت على إسقاطه.
وتنص المادة 110 من الدستور على أنه "لا يجوز إسقاط عضوية أحد الأعضاء إلا إذا فقد الثقة والاعتبار، أو فقد أحد شروط العضوية التي انتُخب على أساسها، أو أخل بواجباتها"، وهو ما فسرته المادة 345 من لائحة المجلس، بأن إسقاط العضوية "إهانة العضو لرئيس الجمهورية، أو إهانة المجلس أو أحد أجهزته البرلمانية، أو استخدام العنف داخل حرم المجلس ضد رئيس المجلس أو رئيس الحكومة أو أحد أعضائها أو أحد أعضاء المجلس".
ولم يرتكب عكاشة أحد الأفعال السابقة، بل عُوقب على استقباله السفير الإسرائيلي في القاهرة، حاييم كورين، في الوقت الذي شدد فيه عبد العال، عدة مرات خلال جلسة الأربعاء، على التزام المجلس بالاتفاقات والمعاهدات الدولية، وعلى رأسها "كامب ديفيد"، مطالباً النواب بعدم الإساءة أو التعرض للكيان الصهيوني تحت القبة.
وكانت قيادات "دعم مصر" قد مارست ضغوطاً على نواب معترضين على الإجراءات غير القانونية، للعدول عن قرارهم بعدم التصويت، حتى يكتمل النصاب الدستوري المقرر بأغلبية ثلثي الأعضاء لإسقاط العضوية، ودخل النواب القاعة بعد خروجهم، بعد وعدهم باتخاذ إجراء مماثل مع آخرين، إذا زادت تجاوزاتهم، والإشارة بالاسم في هذا السياق إلى مرتضى منصور.
وسبق جلسة إسقاط عضوية عكاشة، هجوم شرس عليه من إعلاميين محسوبين على النظام الحالي، وفي مقدمتهم خالد صلاح، الذي شن حملة واسعة لإسقاط عضوية ما وصفه بـ"نائب التطبيع"، عبر فضائية "النهار"، وموقعيه الإلكترونيين "اليوم السابع"، و"برلماني"، وهو ما يؤكد أن قرار الإسقاط جاء بأمر من الجهات السيادية، تلقفته الأذرع الإعلامية.
وعُرف عن عكاشة قربه من الأجهزة الاستخبارية، خصوصاً خلال فترة المرحلة الانتقالية الأولى، وعهد الرئيس المعزول محمد مرسي، وكان يعلن ذلك صراحة من دون خجل، إلا أنه شعر بتعمد إقصائه عن المشهد لصالح آخرين، فيما يرى أنه قدّم تضحيات للنظام أكثر منهم، ما جعله يشعر بالغضب، وظهر ذلك في أدائه تحت قبة البرلمان. وسُجن عكاشة لمدة أسبوع، على خلفية حكم صادر بحقه قبل الانتخابات الأخيرة، في ما بدا تحذيرا له من النظام الذي عوّل على جماهيرية عكاشة في وقت سابق، وقدرته على إقناع وحشد البسطاء، ونزولهم الشارع لإسقاط مرسي، والعودة بالعسكر إلى سُدة الحكم.
من جهة أخرى، يكشف المصدر السياسي عن فصل جديد في العلاقة المتوترة بين السيسي ورئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق، الفريق سامي عنان، مؤكداً أن أجهزة سيادية علمت بتحركات سياسية لعنان أخيراً واتصالات بينه وبين الفريق أحمد شفيق الهارب في الإمارات. ويوضح أن "السيسي قام بإيصال رسالة لعنان عبر أحد قيادات المجلس العسكري الحاليين، والذين ما زالت لهم اتصالات برئيس الأركان السابق، مفادها ألا يحاول الاقتراب من المشهد السياسي في الوقت الراهن حتى لا يثير غضب السيسي، وبالتالي سيكون أمام تبعات لن يقدر على تحمل قوتها". ويشير إلى أنه "خلال جنازة الشقيق الأكبر لعنان، مطلع الأسبوع الحالي، بدا واضحاً ما يمر به الرجل في علاقته بالنظام الحالي، إذ لم يظهر أي مسؤول رسمي خلال الجنازة التي شيّعها عدد قليل من الأفراد، كما أنه خلال مراسم العزاء التي جرت، في مساء اليوم ذاته، لم يظهر أي من قيادات الجيش أو المسؤولين الرسميين أو السياسيين في الدولة".
ويقول المصدر إن "موضوع عنان له أبعاد شخصية، فالسيسي يكرهه بشدة، نظراً لأن عنان حينما كان رئيساً لأركان حرب الجيش المصري، عندما كان السيسي رئيسا للاستخبارات الحربية، كان عنان يتعمّد إهانته وتهميشه، بسبب قربه من أذن وزير الدفاع السابق المشير حسين طنطاوي". ويكشف أن "السيسي ما زال حتى اليوم يعتمد بشكل قوي على المشير طنطاوي في استغلال علاقته بأمراء وقادة الخليج، للحصول على دعم مالي لنظام حكمه، نظراً للعلاقات الوطيدة بين طنطاوي وهؤلاء القادة، خصوصاً أنه من قدّم السيسي لهم في بداية الأمر عقب ثورة 25 يناير"، لافتاً إلى أن "طنطاوي مشارك بقوة في صناعة القرار، والسيسي دائماً ما يرجع إليه، وليس كما يتصور البعض أن الرجل غائب تماماً عن المشهد".
اقرأ أيضاً: رئيس البرلمان المصري:عضوية عكاشة لم تسقط بسبب لقائه السفير