مسعود أوزيل ... رجل قرارات "الفيمتو ثانية"!

09 نوفمبر 2015
( من صفحة مسعود أوزيل على فيسبوك)
+ الخط -

"من لا يُحب أوزيل، فإنه لا يحب كرة القدم"، تصريح شهير قاله أرسين فينغر في فترة سابقة، ليلخص بإيجاز شديد قيمة عازف الليل بين لاعبي كرة القدم، إنه النجم الذي لا يتكرر كثيرا، واللاعب صاحب أسلوب السهل الممتنع داخل الملعب، وبالطبع هو "المستر أسيست"، بعد تخطيه حاجز التسعين في عدد التمريرات الحاسمة منذ 2008، رقم يتنافس به فقط مع الأسطورة الأرجنتينية ليونيل ميسي، ومن بعدهم تأتي البقية.


صانع الفرحة
دخل أوزيل تاريخ البريميرليغ من أوسع أبوابه، بعد صناعته لهدف في آخر ست مباريات من عمر البطولة، ليقدم نفسه كمقدم رئيسي لكل هدايا آرسنال هذا الموسم، بصناعته لـ 10 أهداف في الدوري المحلي، مع 44 فرصة حقيقية للتسجيل، من بينها أربع فرص مؤكدة لجيرو في ديربي شمال لندن، وتمريرة هدف التعادل لزميله غيبس في الدقائق الأخيرة.

يلعب آرسنال في الغالب بخطة 4-2-3-1، بتواجد مهاجم في الأمام، مع سانشيز ولاعب آخر على الأطراف، رفقة ثنائية محورية من كازورلا وكوكلين، بينما يشغل الألماني المركز 10 بالملعب، بين الجناحين وأمام خط الوسط، على مقربة من اللاعب القابع داخل وخارج منطقة الجزاء.

لكن مسعود لا يلتزم أبداً بمركز واحد داخل الملعب، ويتحول باستمرار بين الأطراف والعمق، مع صناعته للأهداف من أي مكان، نظراً لخلفيته الكروية في مركز الجناح على الخط، وبالتالي يجمع نجم المدفعجية بين مهام كل لاعبي الثلث الأخير، من خلال بناء اللعب كلما أتته الفرصة، إنه صانع اللعب على الطريقة الحديثة.


فلسفة الأمتار
قوة أوزيل ليست فقط في التعامل بالكرة، بل من دونها تكمن قيمة النجم الكبير، لأنه من أفضل الأسماء التي تتحكم في الفراغات، وتخلق المساحة أمام بقية أفراد الفريق بكل ذكاء. المسعود لم يكن قط أفضل هداف، لا مع المنتخب، ولا مع ريال مدريد، وبكل تأكيد سجل هدفا واحدا فقط هذا الموسم بالدوري.

كذلك هناك من هم أفضل على صعيد المراوغات، كسانشيز مثلاً في آرسنال. أيضاً مجهوده الدفاعي أقل من كازورلا، رامسي، وكوكلين، لكنه يضيف إلى كل هؤلاء الحلقة المفقودة، ويعيطهم الدعم المنقوص في مختلف المباريات، فتش عن "التوازن" و"الانسجام" مع طريقة لعب أوزيل، الصانع الذي يجلب التناغم إلى طريقة لعب آرسنال، فيحول اللاعبين من مجرد مجموعة مميزة إلى فريق جماعي لكرة القدم!

يدخل الجناح في العمق من أجل التسديد، سانشيز لا يكتفي أبداً باللعب على الطرف، كذلك يتعمق رامسي في الارتكاز بحكم موقعه القديم، هنا أوزيل يصبح جناحا حقيقيا. وعندما يقطع المهاجم في مسافة قصيرة، يجري الرقم 11 وقتها في مسافة أطول، وإذا تم القطع من الخلف للأمام من طرف لاعب الوسط كسانتي كازورلا، يبادل صانع اللعب وقتها مكانه مع الإسباني، ويعود سريعاً بضع خطوات للخلف. باختصار شديد، يتحرك أوزيل دائماً في الفراغ، لأنه يحترم بشدة فلسفة المساحة الشاغرة في اللعبة.


كرة السلة
حينما يمرر مسعود الكرة لسانشيز، لا يتوقف ويشاهد، بل يجري بنفس انطلاقة سانشيز، بجواره، عكسه، أمامه، خلفه، المهم أنه يظهر دائماً في الصورة، تجده على مقربة من حامل الكرة، لدرجة أن الألماني من أكثر اللاعبين تقديراً للمسافة بينه وبين زميله، وبينه وبين لاعب الخصم، لذلك فإن دقة تمريره تصل في معظم المباريات إلى ما يقارب 90 %.

من الممكن ألا يمررسانشيز له، لكنه سيمرر حتماً للاعب الحر، الذي أصبح حراً بسبب حركة أوزيل فقط. لدرجة أن الصحفي الأميركي مايك جودمان، أكد في تشبيه قديم بأن أوزيل يُذكّره بروي هيبرت، لاعب البيسرز السابق ونجم اللايكرز الحالي، فيما يخص الجانب الخفي من التكتيك، الخاص بعلم الإحصاءات والأرقام.

هيبرت هو صديق الإحصاءات، رغم أنه ليس أفضل مهاجم، ولا أفضل مدافع داخل الملعب، لكن الـ STATS تؤكد أن وجوده في الملعب يجعل فريقه أفضل، لأنه يجعل الدفاع أميز، والهجوم أكثر عمقاً، لذلك هو من أكثر اللاعبين حفاظاً على النقاط لفريقه في دوري كرة السلة الأميركي، ودور أوزيل في آرسنال يتناسب طردياً مع هذه النظرية، مع التسليم بأن عازف الليل هو الرقم 1 في صناعة الأهداف.


موسيقى المستديرة
قارن الكاتب البريطاني ماتيو سييد بين ذكاء أسطورة الشطرنج كاسباروف، وسرعة تفكير الألماني مسعود أوزيل، حينما وضع المختصون غاري كاسباروف في مواجهة مع أكثر من لاعب مهم في نفس الوقت، مع السماح له بوقت محدود للغاية في تحريك القطع، مع الانتقال من رقعة إلى أخرى دون توقف، لكنه في النهاية تفوق على الجميع، وفاجأ الكل بعبقرية شديدة في اتخاذ القرار بجزء من الثانية.

ومثل أسطورة الشطرنج، يجب ألا يفكر صانع اللعب كثيراً قبل التمرير، ولا يكتفي حتى بالتفكير في اللعبة قبل أن تصل إليه الكرة، بل يجب عليه أن يُدرك أبعاد الهجمة دون أن يلزم ذلك التفكير لعدة ثوان، أو حتى لثانية واحدة، أو لجزء من الثانية!

لذلك حينما يمرر صانع اللعب الكرة بطريقة مميزة وعبقرية، فإن الأمر لا يدخل في نطاق التوقع أو التأمل، لأنه يتمحور أكثر حول فكرة الإدراك، والإحساس الكامل بكل زوايا الملعب، وكأنه يملك كاميرات في الخلف، أو يلعب الكرة وهو معصوب العينين من الاساس!

يتحرك أوزيل على الأطراف بنسبة تصل إلى 18 %، بينما يدخل باستمرار بين رباعي دفاع الخصم بنسبة 20 %، مع نسبة 13 % في الركض خلال مناطق الوسط والارتكاز، أما النسبة الباقية الخاصة بـ 33 % فإنه يتمركز فقط ويدع اللعبة تتحرك حوله، مثل الصياد الذي ينتظر فريسته بفارغ الصبر، من أجل الانقضاض عليها ووضعها في الاتجاه المناسب.

المساهمون