خمسون عاماً مرّت بعد النكبة الفلسطينيّة، لتأسيس جمعيّة مسجّلة في يافا تحت اسم "مسرح السرايا" بعدما تم تعديل الاسم القديم (مسرح شارع 4)، الذي بادر إلى تأسيسه كل من الفنّان والمخرج الفلسطيني أديب جهشان والفنانون فارس حنانيا وسهيل حدّاد وجوني عربيد وموسى زحالقة وعماد جبارين وغيرهم.
ولقد كان شهر فبراير/ شباط 2015، نقطة الفصل لهذا المسرح الفلسطيني المتواجد في مقر السرايا العثماني القديم في البلدة القديمة، التي دمر ثلثا مبانيها وأحيائها العريقة وتصل أعمارها إلى مئات السنوات، وذلك أثناء الثورة الفلسطينيّة الكبرى عام 1936، إذ انتقم الجيش البريطاني من أهالي يافا الذين شاركوا في الثورة ودافعوا عن الثوار وأعطوهم المأوى في بيوتهم الموجودة في البلدة القديمة.
فحسب المصادر الرسميّة، تم تهجير 450 عائلة فلسطينيّة سكنت في البلدة القديمة أثناء مطاردة الثوّار وذلك بحجة انتشار وباء جديد في البلدات القديمة في فلسطين، وبالفعل تم تفجير العديد من البيوت تحت حجة التخلّص من الوباء المزعوم.
نقطة "المفصل" في المسرح كانت حينما تم تنظيم انتخابات ديمقراطيّة في الهيئة العامة لانتخاب هيئة إداريّة جديدة مكونة من تسعة أعضاء يافاويين ونشطاء اجتماعيين وسياسيين الذين أعادوا ترتيب أوراق الجمعيّة التي عانت من ضعف إداري وعدم استقرار في الأمور البيروقراطيّة والإنتاجيّة وغيرها، وبالتعاون مع طاقم مصغّر مكوّن من مدير فنّي ومدير إداري بالإضافة إلى تعيين مسوّقة جديدة لمسرحيّات المسرح العديدة والتي تخصّص أغلبها لجمهور الأطفال وأولاد المدارس والباقي لجمهور البالغين.
يعتمد مسرح السرايا العربي على ميزانيّة سنويّة من هيئة الثقافة المحليّة التي تدعم المسرح بشكل غير كاف لطموحات عاملي وأعضاء هذا المسرح الذي ينوي التقدّم في عمله الفنّي والثقافيّ، بحيث يتم تمرير مبالغ بالكاد تكفي للمصروفات الأساسيّة للمسرح كمعاشات الطاقم والمصاريف الشهريّة الجارية، وتعود "ملكيّة" المبنى إلى بلدية تل أبيب ـ يافا التي بدورها تجبي ضريبة "الأرنونا" الشهريّة على المبنى من المسرح وبالمقابل تمنح مبالغ سنويّة متواضعة نسبياً لفعاليّات المسرح العربيّ.
وتضع وزارة الثقافة الإسرائيلية قيوداً على الأعمال الفنيّة للمسارح العربيّة الفلسطينيّة بسبب الرقابة التي ازدادت زمن الوزيرة ميري ريغيف، اليمينيّة المعروفة بعدائها للوجود الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة عام 1948، والتي حاربت قبل أكثر من عام مسرح الميدان في حيفا ومنعت تمرير المساعدات السنويّة فقط لعرضه مسرحيّة "الزمن الموازي" المستوحاة من تجربة الأسير وليد دقة، المعتقل منذ أكثر من 30 عاماً.
رغم التحدّيات التي ذُكرت والتي يواجهها مسرح السرايا العربي في يافا، يتم في السنة والنصف سنة الأخيرة العمل على إعادة الفن والثقافة والموسيقى إلى المدينة التي كانت العاصمة الثقافيّة والتجاريّة والفنيّة لفلسطين ما قبل نكبة عام 1948، وذلك من خلال إعادة عرض المسرحيّات والتواصل المجدّد مع المدارس والمؤسّسات اليافاويّة التي تعاونت مع المسرح، وبرز هذا التعاون في الفترة الأخيرة أثناء عيد الأضحى، بحيث تعاونت لجنة حي العجمي والجبليّة (المكونة من 8 أعضاء عرب من بين تسعة أعضاء) مع مسرح السرايا ونظّموا سوياً مهرجاناً ضخماً في ساحة المسرح في اليوم الثاني والثالث لعيد الأضحى.
يُذكر أن يافا هي المدينة العربيّة الفلسطينية الأكثر زيارة في الأعياد العربيّة وذلك لكونها مدينة شاطئيّة ومركزاً جغرافياً وتجارياً حتى يومنا هذا، بالإضافة إلى المعنى الرمزي لهذه البلدة التي كانت عامرة أكثر، وذلك ما قبل نكبة عام 1948، الأمر الذي يجذب الآلاف من الفلسطينيين من كافة أنحاء الوطن وبشكل خاص من رام الله والخليل وبيت لحم ونابلس وجنين، بحيث يحصل عشرات الألوف من سكّان هذه المدن على تصاريح من السلطة العسكريّة الإسرائيليّة المسؤولة عن تنقّل الفلسطينيين في هذه المدن وضواحيها منذ نكسة 1967.
وفي تعقيب لـ"العربي الجديد"، قال هاني الشمالي (مواطن من الرملة): "كان هذا مهرجاناً كبيراً وضخماً وناجحاً، بحيث رأينا العديد من العائلات التي تقضي وقتاً ممتعاً مع الفقرات الجميلة والممتازة. كل الاحترام لمسرح السرايا الذي قام بمجهود كبير لإنجاح هذا المهرجان".
وفي حديث مع محمود أبو عريشة، المدير الإداري لمسرح السرايا، قال: "هذا المهرجان هو ليس الأوّل ولكنه بالفعل الأضخم. لقد قمنا بتنظيم مهرجان عيد الفطر ولكن ليس بهذه الضخامة. نحن بصدد تنظيم مهرجانات عدّة في المستقبل، من بينها مهرجان للمرأة. الجمهور الفلسطيني العربي أصبح يرى في المسرح عنواناً للفن والترفيه ويؤمن بالرسالة التربويّة والثقافيّة التي يقدّمها مسرح السرايا العربي. يُسعدنا توافد الآلاف خلال العيد إلى هذا المسرح الذي يقع في البلدة القديمة في يافا التي هُجّرت كباقي القرى والمدن عام 1948، وبهذا نؤكّد على وجودنا كفلسطينيين في بلادنا".
أمّا محمد قندس، المدير الفني، فقال: "مسرح السرايا العربي هو منصة حرة لشعب حُر بكل ما في الكلمة من معنى، ونحن كطاقم وإدارة نحاول دائماً أن نقدّم كل جديد لمجتمعنا العربي في يافا وباقي المدن الفلسطينيّة. في عيد الأضحى قدّمنا مهرجاناً فنيّاً ضخماً، تخلّل مشاركة الفنّانين من كافة المدن الفلسطينيّة، كيافا والرملة واللد وحيفا والناصرة وغيرها، وهذا دليل قاطع على أن مسرحنا يحضن جميع الفنانين الفلسطينيين أينما تواجدوا، ونحن سعداء بإدخال فرحة العيد لجميع المحتفلين بالعيد على مدار يومين متتاليين".
وأضاف: "المسرح يسعى للعمل مع جميع المراكز الجماهيريّة العربيّة في البلاد بالإضافة إلى المسارح، وذلك من أجل تسويق مسرحيّاتنا الموجّهة للأطفال بشكل واضح وهي تخاطبهم بلغتهم الخاصة وعالمهم البريء، كما ونروّج أيضّا لمسرحياتنا الأخرى مثل "خطبة" و"غربنا البحر" و"الزوج العجيب" و"ذاكرة للنسيان"، وغيرها من المسرحيّات الموجّهة إلى البالغين".
جزء من الأمسيات التي يقوم بها المسرح في السنة الأخيرة، هي الأمسيات الفنيّة التي تعرض لذكرى الفنانين العرب الراحلين، فعلى سبيل المثال تم عرض أمسيتين لذكرى أم كلثوم وعبد الوهاب باشتراك فرقة "قرار" الموسيقيّة التي يديرها محمد قندس، ابن يافا، ومرافقة الفنان القدير علاء عزّام، ابن حيفا، الذي أطرب الحضور في الأمسيتين، عارضاً لهم أيضاً سرد حياة العمالقة الإثنين.
كما جرى أخيراً عرض فني موسيقي مميّز وناجح لذكرى "جبل لبنان" الراحل وديع الصافي، وذلك تحت عنوان "عندك بحريّة" بقيادة المطرب علاء شُرّش ابن الناصرة وفرقة "المنارة" الموسيقية التي تأسست قبل بضعة أسابيع، بمشاركة الفنّان أمين صايغ على آلة الكمان، والفنان الشاب الصاعد الياس حدّوب ابن يافا على آلة العود، ومعن الغول ابن القدس، على الإيقاع، والفنان شكري امسيس ابن الرملة على آلة القانون.
لا شك أن إحياء الفعاليّات الثقافيّة والمهرجانات في داخل البلدة القديمة هو إثبات قاطع على محاولة إعادة مجد يافا الفلسطيني، وطالما عمل الفلسطينيون سوياً على إنجاح هذا المشروع، لا بد من توسّعه واستمراريته على الرغم من الصعوبات والتحديات.