مستقبل الاتّحَاد الْأُوروبي

21 يونيو 2016
+ الخط -
على الرغم من التنازلات التي قدمها الاتحاد الأوروبي لفائدة بريطانيا، والوضع الخاص الذي تحظى به الأخيرة داخل الاتحاد بغية محاولة ثنيها عن الانسحاب، إلا أن ما بات يعرف بالبريكسيت (Brexit) أو الاستفتاء الذي تعتزم حكومة ديفيد كاميرون تنظيمه في 23 من يونيو/ حزيران الجاري حول انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو البقاء ضمن أعضائه، يكتسي أهمية كبرى بالنظر إلى أبعاده الكثيرة ورمزيته، وأيضاً تداعياته المحتملة على البناء الأوروبي في شموليته.
الاستفتاء المثير للجدل والسجال الذي يكتنفه، وحالة الترقب التي تسود كبار قادته، جاء ليكشف من جديد، أن الاتحاد الأوروبي يمر، هذه الأيام، بأصعب فتراته، وأكثرها حساسيةً منذ تأسيسه، بالنظر إلى تراكم جملة من العوامل والمؤثرات التي باتت تؤرق كبار قادته، مثل وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير الذي عبر عن هذا القلق بشكل واضح في تصريح لجريدة دير شبيغل.
غير أن أكثر هذه العوامل خطورةً يظل ملف الهجرة والنازحين، والأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وصعود التيارات اليمينية المتطرفة والتيارات القومية، والنزوع إلى تبني سياسة الانغلاق والحمائية، وغلق الحدود ضدًّا على المبادئ والقيم التي تأسس عليها الاتحاد، فضلا عن مشكلات فضاء شنغن (Schengen) ومنطقة اليورو والإرهاب، والتفاوت الكبير بين أعضائه الذي يصل إلى حد التناقض أحيانا، لا سيما بين دول شرق ووسط أوروبا وبين غربها، حيث نجد أن الحد الأدنى للأجور في بريطانيا يضاعف عشر مرات نظيره في رومانيا مثلا، وحيث نجد أن دولاً بالكاد تكافح للاستجابة لمتطلبات الاتحاد ومعاييره الصارمة والبيروقراطية عبر إجراءات تقشفية "مؤلمة" كاليونان أو البرتغال أو إيسلندا، وما لذلك من آثار على الاستقرار والسلم الاجتماعي لتلك الدول.
هذه العوامل وغيرها هي التي دفعت، على ما يبدو، دولة مثل سويسرا، إلى أن تسحب طلب عضويتها المتقادم بشكل نهائي، ولربما هي من جعلت دولةً مثل الدانمارك بأن تنسحب من الاتحاد نهائيا قبل ذلك، وقد تخفف من حماسة تركيا ثاني أكبر قوة في حلف الشمال الأطلسي والقوة الاقتصادية السادسة أوروبيا و الـ 17 عالميا للانضمام، أو على الأقل قد تحسّن من شروطها التفاوضية في اتجاه طريق هذا الانضمام الطويل والشاق.
وبالعودة إلى الاستفتاء البريطاني الذي يشكل منعطفا مهماً ليس بالنسبة للجزيرة البريطانية فحسب، بل بالنسبة للمشروع الأوروبي برمته، والذي من الصعب التكهن بنتائجه، بالنظر إلى تقارب نسب المؤيدين والمعارضين وارتفاع نسب المتردّدين أو الذين لم يحسموا خيارهم بعد، إلا أن سيناريوهات ما بعد الاستفتاء باتت تناقش منذ الآن، سواء من خلال محاولة احتواء تداعيات الانسحاب في حال إقراره، حيث من المرتقب أن تحدو دول أخرى حدو بريطانيا، خصوصا التي تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة، ولم تجن من عضويتها في الاتحاد الكثير كاليونان أو البرتغال أو دول البلطيق، فضلا عن إعادة النظر في سلسلة من الاتفاقيات وتكييفها مع الواقع الجديد، أو من ناحية طرائق التعاطي مع الشركاء الاقتصاديين التقليديين خارج الاتحاد، كالولايات المتحدة أو الصين أو روسيا، مع الاستعداد لتحمل التبعات والأعباء الاقتصادية الناجمة عن ذلك، حيث من المرجح أن تلعب فيها ألمانيا المعنية كثيرا بإنقاذه دوراً محورياً في سبيل ذلك، أو من خلال سلسلة من الإصلاحات الهيكلية التي سيتم إدخالها على بنية الاتحاد ومؤسساته، حتى في حالة التصويت لصالح البقاء، استجابة لمتطلبات المرحلة التي تتسم بكثير من الصعوبة والضبابية والتعقيد.
وأيًّا كانت نتيجة التصويت، إلا أنه يمكن اعتبار أن "البريكسيت" ليس سوى النقطة التي أفاضت الكأس، أو واحدةً من المحطات التي يمكن اعتبارها بمثابة فرصة سانحة لإعادة تقييم مشروع الوحدة الأوروبي، في أفق تكييفه مع سلسلة التحدّيات الجديدة التي تجابه دول الاتحاد، إن على المستوى الأمني أو الاقتصادي أو السياسي، حتى لا تتكرّر تجربة الاتحاد السوفياتي مجدداً، لكن هذه المرة في أوروبا.

25655407-3024-4761-A6DF-74CC3D115127
25655407-3024-4761-A6DF-74CC3D115127
خالد التاج (المغرب)
خالد التاج (المغرب)