في خمسينيات القرن الماضي، أخذ أستاذ الفلسفة المصري زكريا إبراهيم (1926 - 1975)، ينشر سلسلة "المشكلات الفلسفية"، في محاولة لاستنبات المقولات الفلسفية في التربة العربية. كان أحد أجزاء السلسلة كتاب "مشكلة الحرية".
قياساً على ما في كتاب إبراهيم من عرض للنظريات، وهي من دروسه في الجامعة المغربية، فإن تناول "الحرية" وطرق تداولها - ككلمة وكفكرة - تغيّر، سواء في بلادنا أو في الغرب.
وخارج الإطار الفكري، عاشت المجتمعات، هنا وهناك، على وقع ممارسات الحرية، سلباً وإيجاباً، ضمن سياقات تاريخ العقود الأخيرة، فلا يخلو الخطاب السياسي أو التنظير للفن أو الرؤى الاقتصادية من تقاطع مع الحرية وفكرتها. هذا التطوّر هو في النهاية مسافة قطعتها "الحرية" تاريخياً، لكننا لنتساءل كم قطعنا في المقابل من المسافة الفكرية؟
لن نعثر على مدوّنة عربية كبيرة تستدعي مسألة الحرية، وإنْ برزت أعمال تتناولها مباشرة، غير أننا في المقابل سنعثر على مدوّنة عربية ضخمة حول ما يمكن أن يكون نقيض الحرية، مثل السلطة أو الاستبداد.
قد يعود هذا الانهماك إلى أسباب واقعية، فنقائض الحرية كانت متمركزة على أرض الواقع بحيث امتلكت فرصة أن تكون الشجرة التي تخفي غابة "الحريات" أو حتى التفكير فيها، فاغتنمتها.
لعل دخول منعرج تاريخي جديد يدعونا كي نفكّر في فرصة جديدة، أو نجعل الفرصة القديمة تسير على قدميها.