أبدى مستثمرون إيطاليون اهتماما كبيرا بقطاع الحديد والصلب في تونس عبر التوجه نحو الاستحواذ على حصة من مصنع الفولاذ الحكومي، وسط مخاوف من القطاع العمالي على مستقبل الشركة في ظل المتغيرات الجديدة.
وقال مصدر مسؤول بوزارة الصناعة لـ "العربي الجديد" إن مجموعة "ألفا أشاي" الإيطالية الرائدة في صناعة الحديد والصلب أبدت مجدّداً رغبتها في اقتناء 49 % من مجموع أسهم شركة "الفولاذ" التونسية وذلك إثر قرار الإدارة العامة للخصخصة بزيادة رأس مال الشركة التونسية للحديد والصلب.
وأوضح المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أن المؤسسة الإيطالية قدمت ضمانات بنقل التكنولوجيات الحديثة في صناعة الحديد والصلب ومضاعفة نشاط المؤسسة 5 مرات في غضون 5 سنوات إلى جانب توسعة قائمة المنتجات.
وحسب المسؤول، فإن فتح رأس مال الشركة سيمكن من ضخ استثمارات مهمة في القطاع، مشيرا إلى أن هذه الخطوة ستساهم في إنقاذ الكثير من مواطن الشغل وتوفير الوظائف القائمة على التكنولوجيات الجديدة إلى جانب فتح أفاق وأسواق جديدة أمام الفولاذ التونسي.
ويمثل الحديد والصلب أحد أعمدة القطاع الصناعي في تونس حيث يعود تاريخ تأسيس شركة الفولاذ الحكومية إلى سنة 1962 ما مكنها طيلة خمسين عاما من تزويد السوق المحلية بحديد البناء والهياكل المعدنية والأسلاك المسحوبة بجودة عالية وكلفة مدروسة، ولم تسجّل وفق خبراء مختصين طيلة هذه الفترة حوادث مدمّرة متأتّية من حديد شركة الفولاذ نظرا إلى المراقبة الشديدة لجميع منتجاتها.
وبالرغم من أهمية القطاع في تركيبة الصناعات المعملية التونسية بدأت الدولة التونسية منذ سنة 2010 بالتفكير ببيع حصص بمصنع الفولاذ الحكومي في إطار خطة للخصخصة في عدد من المؤسسات الحكومية غير أن ثورة جانفيي/ يناير أجّلت الصفقة التي عادت لتطرح من جديد بعد إبداء مستثمرين إيطاليين رغبة ملحة في الحصول على المصنع مقدمة ضمانات ووعودا برفع طاقاته الإنتاجية وخلق المزيد من فرص العمل .
في المقابل، أكد المسؤول النقابي بشركة الفولاذ الحكومية بسام بن تركية لـ "العربي الجديد" أن النقابات العمالية لم تصادق على كل شروط التفويت (الخصخصة) في المؤسسة، مشيرا إلى أن اتحاد الشغل تدخل لإبطال هذه الصفقة المثيرة للشكوك.
وشدد بن تركية على أن الدولة قادرة على الحفاظ على هذا القطاع الحيوي بضخ أموال لتحسين حالة المصنع وتجديد أجزاء مهمة منه على غرار الأفران العالية، مشيرا إلى أن تونس تملك كل الإمكانيات للخوض في مجال تصدير الحديد والصلب نظرا لاسبقيتها في مجال التصنيع مقارنة بعدد من الدول المنافسة بحسب قوله.
وأوضح ذات المصدر أن العرض الذي قدمه المستثمر الإيطالي مقابل الحصول عل 49 % من رأس مال الشركة لا يتعدى 50 مليون دينار أي نحو 20.8 مليون دولار، مشيرا إلى أن المصنع الحكومي قادر على رفع إنتاجه من 300 إلى 700 ألف طن من الإنتاج في حال رفع رأس ماله عبر المساهمات العمومية.
وفي نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي تمكنت مجموعة "رابولينو" الإيطالية المختصة في صناعة الحديد من اقتناء شركة حديد خاصة بقيمة 20 مليون يورو على أن تتولى هذه الأخيرة رفع الطاقة الإنتاجية للمصنع بنسبة 40 % في السنوات الخمس الماضية وتوجيه صادراتها نحو البلدان الأفريقية وجزء من أوروبا وتركيا.
ويعتبر خبراء في الصناعات المعملية أن قطاع الحديد والصلب من القطاعات الإستراتيجية الذي يشهد منافسة كبيرة بين الشركات العالمية الرائدة في المجال بحكم ارتفاع الطلب العالمي على هذه المادة الحيوية.
وتستعد حكومة تونس إلى دخول مرحلة الخصخصة التامة لعدد من المؤسسات الحكومية في إطار نموذجها الاقتصادي الجديد القائم على خفض تدخلات الدولة في القطاعات الاقتصادية ويعد مصنع الفولاذ من أبرز المؤسسات المرشحة للتفويت بالرغم من الاعتراضات الكبيرة التي تبديها أحزاب سياسية والنقابات العمالية لهذا التوجه الجديد في سياسة الدولة.
ويرى الخبير الاقتصادي معز الجودي أن الحكومة لم تعد قادرة على تحمل أعباء المؤسسات الحكومية التي تعيش وضعا صعبا مشيرا إلى أن حجم التدخل السنوي الحكومي في هذه المؤسسات يكبد الموازنة ما بين 3 و4 مليارات دينار أي ما يعادل 1.25 و1.66 مليار دولار.
وفي تصريح لـ "العربي الجديد" أفاد الجودي أن تواصل هذا الوضع مرهق للدولة، مشيرا إلى أن زيادة رأس مال المؤسسات الحكومية سيمكن من جلب شركاء استراتيجيين قادرين على إحداث نقلة نوعية في قطاعات صناعية مهمة.
وأضاف الخبير الاقتصادي أن الممانعة التي تجدها الدولة من أطراف نقابية وسياسية للتفويت في المؤسسات الحكومية ذات طابع أيديولوجي سياسي بحت، مؤكدا أن الأطراف المعترضة على الخصخصة تستمد قوتها من هذه المؤسسات التي تسيطر على النقابات وتعيق كل أشكال تطويرها بدعوى المحافظة على فرص العمل والمكاسب التي يتمتع بها العمال رغم أن المرحلة تقتضي المرور إلى القطاع الاقتصادي الخاص.
وكشفت وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي الحكومية عن نمو الاستثمار الأجنبي في تونس خلال الأشهر التسعة من العام الجاري بنسبة 13.2%، مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية.