كذلك أعلنت وزارة الدفاع الأميركية، أول من أمس الاثنين، نقل السعودي محمد عبدالرحمن عون الشمراني، إلى السعودية بعدما أمضى 14 عاماً في غوانتنامو دون محاكمة بعد الاشتباه بأنه عضو في تنظيم القاعدة "ربما" عمل حارساً لأسامة بن لادن، حسبما جاء في ملفه الذي تم تسريبه. كما تم، يوم الجمعة الماضي، "تسليم فايز محمد أحمد الكندري من سجن غوانتنامو الى حكومة دولة الكويت"، بحسب وزارة الدفاع الأميركية، ليصبح بذلك عدد المعتقلين المتبقين 103.
ويمثل هؤلاء الدفعة الأولى المكونة من 17 معتقلاً يتوقع الإفراج عنهم، خلال هذا الشهر، ضمن مساعي الإدارة الأميركية لإغلاق هذا الملف. وكان وزير الدفاع الأميركي، آشتون كارتر، وفي إطار سعي إدارة أوباما إلى خفض عدد نزلاء السجن إلى أدنى مستوى، قد وافق على الإفراج عن 17 معتقلاً من بين 107، هم من تبقى فيه، ليصبح بعد ذلك عدد المتبقين 90 نزيلاً، وهو أقل عدد منذ أن امتلأت زنازين المعتقل بأكثر من 600 مشتبه به في بدايات الحرب الأميركية على الإرهاب.
اقرأ أيضاً: أوباما وورطة اليمن والشريك الحوثي ثالثهما
ويؤكد أكثر من مصدر مطلع في واشنطن، لـ"العربي الجديد"، أن الإدارة الأميركية تجري حالياً اتصالات مع عدة دول حليفة، من بينها دول خليجية، في محاولة من وزارة الدفاع الأميركية لإيجاد مأوى ليس فقط للدفعة الأولى من نزلاء السجن الذين ينتظرون الإفراج عنهم، بل أيضاً لحوالي 45 معتقلاً آخر "متوسطي الخطورة"، يشكّلون نصف العدد النهائي المتبقي. وتأمل الإدارة من هذه الخطوة إذا ما نجحت فيها أن تضع الكونغرس، الذي يعارض نقل أي معتقل إلى الأراضي الأميركية، أمام الأمر الواقع، وإعادة النظر في رفض محاكمة الخطرين منهم أمام القضاء الأميركي الفيدرالي.
وبدون ذلك، يتعذّر على أوباما الإيفاء بوعده في إغلاق المعتقل، الذي كان يأمل أن يوصد أبوابه في السنة الأولى من فترته الرئاسية السابقة، لكن المشرّعين الأميركيين وقفوا حائلاً أمام إيفائه بذلك الوعد.
ومهما كان عدد المعتقلين الذين قد تنجح إدارة أوباما في إيجاد بلدان تقبل بإيوائهم وفرض الرقابة عليهم في أراضيها، إلا أن الإدارة لن تجرؤ في النهاية على التخلي عن المشتبه بتورطهم المباشر في هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، شأن خالد شيخ محمد ورمزي بن الشيبة.
وفي السياق، يزيد الجمهوريون من ضغوطهم عبر الكونغرس، وعبر منابرهم الإعلامية، كلّما قل عدد المعتقلين واقترب موعد الانتخابات الرئاسية، آملين إبقاء المعتقل مفتوحاً كي يتاح المجال لأي رئيس جمهوري مقبل أن يعيد ملء زنازينه بنزلاء جدد من أنصار تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) ليكونوا بدلاء للمفرج عنهم من تنظيم "القاعدة" أو أنصاره، ليظل "منتجع" غوانتنامو، بناءً على ذلك، تحت سيطرة أميركية.
ولا ينظر إلى مسألة إيفاء أوباما بوعده على أنها الدافع الوحيد أو الرئيسي لإدارته وحزبه الديمقراطي في السعي لإغلاق المعتقل، مثلما لا تقتصر دوافع الجمهوريين في معارضتهم إغلاقه على المبررات الأمنية التي يجاهرون بها، فهناك دوافع سياسية لكلا الفريقين تتعلق بالسياسة الجديدة نحو دولة كوبا التي تعترف الولايات المتحدة أن غوانتنامو جزء لا يتجزأ من أراضيها.
ويدرك الديمقراطيون والجمهوريون على حد سواء، أن تطبيع العلاقات مع هافانا سوف يتطلب في نهاية المطاف إعادة منتجع غوانتنامو لأصحابه الكوبيين، وهو ما لا يريد الجمهوريون القيام به في المستقبل القريب، ليس تمسكاً منهم بالأرض المستأجرة من مُلّاكها، بل رفضاً منهم لتطبيع العلاقات مع كوبا، واستحساناً لإبقاء العراقيل الطبيعية أمام التطبيع الكامل بكل ما يستطيعون، حتى ولو تطلّب ذلك إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بعد رحيل أوباما.
وفي ما يتعلق بالمعتقلين اليمنيين تحديداً، وبما أن الجمهوريين حالياً لا يمسكون بمفاتيح صنع القرار المباشر في البيت الأبيض والخارجية الأميركية، فهم أقل تأثيراً في مسار المفاوضات اليمنية، في حين أن إدارة أوباما الديمقراطية تضغط على حلفائها في الخليج، وبعض من تبقى لها من من أصدقاء بين السياسيين اليمنيين للإسراع في التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار والمضي قدماً في التسوية السياسية المتعثرة. وتستخدم الإدارة في تخويفها حلفائها العرب عصا "داعش".
وبالنسبة لإدارة أوباما، وعلى الرغم من عدم اطمئنانها لاستتباب الأوضاع الأمنية في اليمن، فإنها مطمئنة للظروف الجديدة الذي خلقها النزاع الدائر في اليمن، استناداً إلى اعتقاد راسخ بأنه يمكن الوثوق في كل من الطرفين المتنازعين الأساسيين المتمثلين في أصحاب الشرعية بقيادة الرئيس، عبدربه منصور هادي، وقادة التمرد الحوثي، في ما يتعلق بالإبقاء على معتقلي غوانتنامو تحت مجهر الرقابة لأسباب خاصة بكل طرف على حدة.
لكن الإدارة الأميركية، في الوقت نفسه، لا تراهن بشكل كامل على تحسن الأوضاع السياسية في اليمن لكي ترسل العدد الأكبر من المعتقلين إلى بلادهم، بل تجري اتصالات مع مجموعة من الدول لإقناع كل دولة من الدول المختارة لاستقبال عدد محدد من المعتقلين.
وكانت إدارة أوباما قد نجحت، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بإقناع دولة الإمارات العربية المتحدة باستقبال خمسة معتقلين يمنيين من المصنفين بأنهم أقل خطورة من بقية زملائهم ممن مضى على اعتقالهم أكثر من 14 عاماً، وأصبحت أعمارهم وأوضاعهم الصحية لا تؤهلهم للعودة مجدداً إلى حمل السلاح أو العودة مجدداً إلى ساحات المعارك. وكانت تلك هي المرة الأولى التي تقبل الإمارات باستضافة معتقلين مفرج عنهم من غوانتنامو في أراضيها من غير مواطنيها.
وتأمل إدارة أوباما أن تقبل الإمارات بالمزيد وأن تحذو دول خليجية أخرى حذوها. ولكن الإدارة الأميركية على قناعة، أيضاً، أن دولة واحدة أو دولتين لن يكون بمقدورهما استيعاب كامل العدد الذي ترغب واشنطن بالإفراج عنه، وأن تعاون الدول الحليفة الأخرى لا يقل أهمية عن مسعى إعادة استتباب الأوضاع في اليمن إلى طبيعتها، ليتمكن هذا البلد العربي على المدى البعيد من استيعاب مواطنيه الموجودين في غوانتنامو وفي معتقلات دول ثالثة.
اقرأ أيضاً: سجين سابق بغوانتنامو يصبح من قيادات القاعدة في اليمن