يسود الساحة السياسية التونسية جدل كبير، حول "هيئة الحقيقة والكرامة"، المكلّفة بالإشراف على مسار العدالة الانتقالية، وتلقّي الشكاوى والعرائض المتعلقة بالانتهاكات. وعاد الجدل من جديد إلى الساحة السياسية بسبب التصريح الذي أدلى به رئيس حزب "نداء تونس"، الباجي قايد السبسي، قبل الانتخابات التشريعية (جرت في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي)، والذي وصف فيه قانون العدالة الانتقالية بـ"قانون تصفية الحسابات، كونه سيعود بالمحاسبة إلى عام 1955".
ولفت السبسي في تصريح إلى إحدى الإذاعات الخاصة، في حينه، إلى أن "ھذا القانون، يعود إلى سنوات الخمسینيات، وهو غير مقبول". وأضاف "عندما أصل إلى السلطة، وأنال الأغلبیة في مجلس النواب، سأعمل على تغيير القانون فوراً، لأنه قانون وُجد لتصفية الحسابات وغير عادل".
علماً أن استقالة البورصالي هي الثالثة من عضوية الهيئة، بعد استقالة العضوين خميس الشماري وعزوز الشوالي. واعتبر عضو الهيئة زهير مخلوف، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "استقالة البورصالي مسألة شخصية". لكنّه استغرب توقيتها، التي تمّت بعد خمسة أشهر ونصف من بداية عمل الهيئة، التي ساهمت البورصالي في أعمالها المتعلقة بتركيز آليات العمل الداخلي، قبل البدء بتلقّي شكاوى المتضررين في الأول من ديسمبر/كانون الأول المقبل، كما أعلنت رئيسة الهيئة سهام بن سدرين، التي أكدت أن "عمل الهيئة لن يستثني أي طرف تورط في انتهاكات حقوق الإنسان".
ورأى رئيس "مركز تونس لاستقلال القضاء" أحمد الرحموني، أن "استقالة البورصالي تندرج في سياق التجاذب السياسي، الذي ساد إثر الانتخابات الأخيرة، مع بروز الأزمة داخل الهيئة، وتزامن ذلك مع تصريحات معادية لها صدرت عن شخصيات حزبية مؤثرة، من شأنه أن يغذي الشكوك المشروعة حول الدوافع غير المعلنة والأغراض الحقيقية للاستقالة".
ولاحظ الرحموني، أن "التمسك بمبررات عامة وعناوين واسعة للاستقالة من قبيل تصحيح المسار، وإعادة النظر في قانون العدالة الانتقالية، والأخذ بمعايير الكفاءة والاستقلالية السياسية، يؤدي إلى التغطية على الأسباب الخاصة الداعية إلى ذلك".
كما اعتبر أن "استقالة أعضاء الهيئة وتخلّيهم بدون تبرير عن المسؤولية العامة، التي انتُدبوا لها، من شأنه أن يؤدي إلى إفراغ الهيئة وتهديد وجودها وتعطيل مهامها، قبل شروعها فعلياً في أداء عملها، ما ينعكس سلباً على مسار العدالة الانتقالية والحقوق المكفولة بمقتضى القانون".
كما ربط البعض هذه الاستقالة بشكل ما بتصريح السبسي، الذي عبّر وحزبه عن عدم رضاه عن الهيئة. وكشف عضو الهيئة السياسية لـ"نداء تونس"، عماد عبد الجواد، أن "حزبه كان من أول الأحزاب التي طالبت بتفعيل مسار العدالة الانتقالية، إلا أن آلياتها وُجب ألا تكون خاضعة لمنطق التشفي، مثلما هو الحال في القانون الذي تمت صياغته لها وطريقة انتخاب أعضاء الهيئة".
ولفت إلى أن "طريقة الانتخاب خضعت للمحاصصة الحزبية، مما لن يحقق جوهر العدالة الانتقالية". وأكد أن "القانون المنظم للعدالة الانتقالية، فيه الكثير من النقائص، ومنها أن مسار العدالة الانتقالية يبدأ من يونيو/حزيران 1955، وهو اختيار ينم عن رغبة في التشفي والانتقام، من الزعيم الحبيب بورقيبة، علماً أن تونس نالت استقلالها في 20 مارس/آذار 1956".
ويرى عضو الهيئة السياسية لـ"نداء تونس"، أن "خطاب بن سدرين استئصالي وانتقامي، كما لا يتوافر في شخصها شروط النزاهة والحيادية". ويذهب إلى ضرورة مراجعة القانون المنظم للعدالة الانتقالية وتركيبة الهيئة. ويرى أن عليها أن "تضمّ شخصيات اعتبارية لا ارتباطات حزبية لها". وشدّد على أن "السبسي لم ينف الدور الهام للعدالة الانتقالية، بل ناقش آليات هذه العدالة وتركيبة هيئة الحقيقة والكرامة".
ولفت إلى أنه "إذا تمّ تعديل القانون بعد المصادقة عليه من ثلثي أعضاء البرلمان الجديد، فهم ملزمون بتطبيقه، باعتبارهم هيئة تنفيذية تلتزم بما تتفق عليه الأطراف السياسية الممثلة في مجلس نواب الشعب". وأكد أن "الهيئة لا تتدخل في التجاذبات السياسية التي تشهدها تونس".
ويبدو أن ملف العدالة الانتقالية وعمل "هيئة الحقيقة والكرامة" مرشح لتطورات جديدة بعد الانتخابات الرئاسية، التي ستحدد موازين القوى في الخارطة السياسية التونسية، بعد أن بدأت تتضح معالمها بعد الانتخابات التشريعية، كعنصر مهم في المسار الانتقالي.
ونصّ مشروع قانون العدالة الانتقالية في فصله الـ17، على إنشاء "هيئة الحقيقة والكرامة"، وهي هيئة مستقلة مالياً وإدارياً، كشخصية معنوية، وتملك مقراً خاصاً بها، وتتألف من 15 عضواً، يختارهم المجلس الوطني التأسيسي من بين الأشخاص الذين عُرفوا بحيادهم وكفاءتهم، ولم يسبق أن تقلّدوا منصباً في النظام السابق، ولا انتماءات حزبية لهم.
كما حدّد القانون حيّزين زمنيين لعملها، يتعلق الأول بالفترة التاريخية التي ستعمل على توثيقها وإدانة ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات فيها، وهي الفترة الممتدة من 1955 حتى تاريخ إصدار القانون المنظم لعملها. ويتعلّق الحيّز الزمني الثاني بالمدة التي سيستغرقها عمل اللجنة، وهي خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، ولمدة سنة.