مساجد بغداد للتعبّد والترفيه

03 فبراير 2018
في مسجد الشيخ عبد القادر الجيلاني (سبنسر بلات/ Getty)
+ الخط -
في باحة مسجد الشيخ عبد القادر الجيلاني في بغداد، تحاول نبيلة العزاوي قضاء وقت ممتع ينسيها بعضاً من منغّصات الحياة اليومية. فتصطحب أطفالها الأربعة، في مساء كل يوم تقريباً، ليلعبوا هناك، ومثلها تفعل عوائل أخرى. ولأنّها تسكن بجوار مسجد الجيلاني، فإنّها تُعَدّ محظوظة، بحسب عراقيين كثيرين، إذ إنّه يوفّر فسحة راحة. يُذكر أنّ مسجد الجيلاني الذي يقوم في وسط بغداد، شُيّد في المكان نفسه، حيث كانت مدرسة الجيلاني الذي تنتسب إليه الطريقة القادرية الصوفية، وقد دُفِن فيه عند وفاته في عام 1166 وخُصّص له كذلك ضريح هناك.

على خلفيّة التوتّر الأمني شبه الدائم في العراق، منذ الغزو الأميركي في عام 2003، تمتنع عائلات كثيرة عن الخروج إلى الأماكن العامة للترفيه. فهي تخشى من التفجيرات التي تستهدف التجمّعات، وهذا أمر تكرّر في مرّات عدّة. وتقول العزاوي في السياق إنّه "من الصعب الذهاب إلى أماكن ترفيهية، وأسباب عدّة تمنعنا من ذلك، من قبيل ضعف الأمن وازدحامات الطرقات، بالإضافة إلى مشاكل أخرى اجتماعية، منها التحرّش. لذلك أفضّل المجيء مع الأولاد إلى الشيخ عبد القادر". تضيف أنّ "العائلات تقصد المكان من مدن أخرى، فهو يتمتع بقدر كبير من الحماية، وهو بالتالي آمن. كذلك هو مريح إذ ان باحته الواسعة تناسب لعب الأطفال".

في العراق، كثيرة هي المساجد الكبيرة التي تضمّ أضرحة لأنبياء وأئمّة وصحابة وعلماء بارزين، والتي تُعَدّ مزارات يقصدها كثيرون يومياً. والأجهزة الأمنية توفّر لتلك الأماكن حماية كبيرة، فتحوطها بحواجز إسمنتية، فيما يخضع جميع الداخلين إليها للتفتيش، فتجعلها آمنة. بالتالي، يلجأ إليها الباحثون عن فسحة عامة يقضون فيها وقتاً ممتعاً.




الحضرة الكاظميّة من تلك الأماكن، وهي تضمّ ضريح الإمام موسى الكاظم وحفيده الإمام محمد الجواد، من أحفاد الإمام علي بن أبي طالب. وقد شُيّد في المكان مزار ومسجد كبير مع باحة واسعة، وسط أسواق عامرة. يُذكر أنّ منطقة "الكاظمية" في بغداد سمّيت كذلك نسبة إلى موسى الكاظم. عايد راضي على سبيل المثال، يصطحب عائلته إلى "الإمام الكاظم" حيث يعجّ المكان بالناس من دون خوف من خرق أمنيّ، إذ هو محصّن جيّداً. ويتحدّث راضي وهو موظف حكومي عن "أزمة أمنية" تمنعه من اصطحاب أسرته إلى فسحات للترفيه، لذا يختار "الحضرة الكاظمية" التي يقصدها مرّتَين أو ثلاث مرات أسبوعياً، "فنتجوّل في الأسواق ونجلس في باحة الحضرة، حيث يمرح الأطفال. وباستمرار نتعرّف إلى عوائل قصدت المكان للغاية نفسها".

والمساجد الكبيرة في بغداد رموز للمناطق التي تقع فيها. وفي حين تغلق مساجد عدّة أبوابها خارج مواقيت الصلاة، فإنّ تلك المساجد الكبيرة تُبقي أبوابها مفتوحة نظراً إلى ما تحمله من رمزيّة كبيرة، وهو الأمر الذي استدعى توفير أكبر قدر من الحماية لها.

جامع الإمام الأعظم أو جامع أبو حنيفة النعمان هو الذي منح اسمه لحيّ الأعظميّة في بغداد. ويقصد عراقيون كثيرون الضريح والمسجد، من مختلف المناطق للصلاة وتمضية بعض الوقت والتجوّل في المكان، لا سيّما وأنّه يضمّ نقوشاً إسلامية مثيرة للدهشة تجعل زائر المكان يطيل النظر إليها. وتخبر سحر هاشم أنّها "عاشقة لهذا المكان"، فهي مذ كانت طفلة صغيرة في ثمانينيات القرن الماضي تلتزم بحضور حلقات القرآن فيه، واليوم تحرص على أن يكون هذا المكان الأحبّ إلى قلوب أطفالها. تضيف أنّه "عندما كنت طفلة بعمر أطفالي اليوم، كانت ثمّة أماكن كثيرة نقصدها للعب فيها وقضاء أوقات ممتعة. والسبب بالتأكيد هو أنّ بلدنا كان ينعم بالأمان، فيما الوضع اليوم اختلف كثيراً".

عند مدخل الحضرة الكاظمية (أحمد الربيعي/ فرانس برس)


وترى هاشم نفسها "محظوظة، إذ إنّني أسكن في الأعظميّة وعلى مقربة من مسجد الإمام الأعظم. فأصطحب أطفالي لقضاء وقتهم هنا، فأعوّضهم عن أوقات المرح التي يفترض أن يقضوها في الملاعب وأماكن الترفيه". وتخبر أنّ شقيقتها وطفلَيها قُتلوا قبل خمسة أعوام حين كانوا في طريقهم إلى أحد المتنزّهات، بعد أن انفجرت سيّارة مفخخة، "لذلك أفضل مكان لقضاء وقت ممتع لي ولأطفالي هو مسجد الإمام الأعظم".

في السياق، صارت هذه المواقع الدينية اليوم أشبه بملتقيات اجتماعية، تتوطّد من خلالها العلاقات بين العائلات. وتخبر ريم الجنابي أنّها تعرّفت إلى عدد كبير من النساء مذ بدأت تقصد مسجد أبي حنيفة النعمان في عام 2009 وتلتقي بهنّ بصورة شبه يومية، وقد ربطتها علاقة متينة بإحدى العوائل. تضيف: "تعرّفت إلى أمّ نور التي صارت، بمرور الوقت، صديقتي المقرّبة، فتعرّفت بعد ذلك إلى عائلتها. وقد سعيتُ إلى أن تكون ابنتها نور زوجة لابني همام. وهذا ما صار بالفعل، واليوم لديّ حفيدة من ذلك الزواج".

إلى ذلك، تنشأ في بعض الأحيان علاقات بين عراقيين وأشخاص من جنسيات مختلفة. فالعراق وعلى الرغم ممّا يمر به من توتّرات أمنية، يشهد حركة نشطة في مجال السياحة الدينية. وتفد قوافل من العرب والأجانب باستمرار إلى المساجد الكبيرة في بغداد، رغبة في زيارة الأضرحة داخلها. وبعض زوّار تلك المزارات من الأجانب، يفضّلون المبيت فيها لأيام عدّة، وهو ما يساهم في عقد الصداقات. من جهة أخرى، يرى العراقيون في ذلك فرصة للتعرّف إلى أجانب، لا يستطيعون لقاءهم إلا في الأماكن الدينية بعد الذي شهدته السياحة في البلاد من تدهور بسبب الحروب وعدم الاستقرار الأمني الذي تعيشه منذ عقود.
دلالات