مزايا لأبناء الأردنيات المتزوجات من أجانب

07 يناير 2015

محافظون وإصلاحيون في البرلمان الأردني تداولوا القرار (مارس/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -
فتح قرار الحكومة الأردنية، أخيراً، المتضمن منح ست مزايا خدمية لأبناء الأردنيات المتزوجات من أجانب طاقة أمل بشأن جدية الحكومة بالسير في ملفات الإصلاح والدولة المدنية إلى الأمام، فيما تحفّظت قوى محافظة على القرار، متخوّفة من فكرة الوطن البديل والتوطين، ومعبّرة عن رفضها التوجه الحكومي، شكلاً ومضموناً. واعتبرت قوى إصلاحية الخطوة قفزة باتجاه الدولة المدنية الحديثة، ومتساوقة مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، وإعمالاً لمبدأ المساواة بين الأردنيين التي نص عليها الدستور الأردني. بيد أن القرار الذي بدأ تنفيذ معالمه الأولية بداية العام الحالي ما زال يصطدم، أحياناً، بمعوقات لوجستية، وبمعوقات أخرى جراء أفكار محافظة وتقليدية وبيروقراطية لدى قائمين على الإدارة العامة في البلاد.
جاء القرار الحكومي ثمرة قوة ضغط، والتزام كتلة "مبادرة" النيابية (15 نائباً)، التي أعلن عن ولادتها النائب الليبرالي والأكاديمي، مصطفى الحمارنة، وجاء بعد مخاض عسير وطويل، ومناقشات ومداولات استمرت أكثر من عام. وما زالت كتلة مبادرة تتابع عن كثب آليات تطبيق القرار، ومدى التزام مؤسسات الدولة المختلفة به، وفي أحايين كثيرة، تدخلت الكتلة لتسهيل الإجراءات الأولى للتطبيق، باعتبار أن مرحلة التطبيق الأولى للقرار من أهم المراحل التي يمكن أن تبنى عليها وجهات نظر مستقبلية.
مطلب تاريخي
منذ سنوات، والمطالبة بحقوق ومزايا لأبناء الأردنيات المتزوجات من أجانب تمثل "خطوطاً حمراً" لنواب وأعيان وممثلي عشائر وقوى ضغط محافظة، كانت ترى أن استجابة الحكومة لتلك المطالب تقويض لـ"الديمغرافيا الأردنية، وبدايات مرحلة التوطين والوطن البديل".
ولطالما كان الكلام عن أية حقوق أو مزايا يعيد الحديث عن التوطين والوطن البديل، وتستحضر القوة المحافظة ذلك بالمشهد الفلسطيني، وتربطه بحقوق أبناء سيدات متزوجات من فلسطينيين، باعتبارهم الشريحة الكبرى المستفيدة منه، من دون النظر لأخريات متزوجات من جنسيات مختلفة.
ويعاني أبناء أردنيات متزوجات من أجانب من مشكلات لوجستية كثيرة في التعليم والصحة

والعمل وحق التملُّك، الأمر الذي أدى إلى رفع منظمات نسوية وناشطات صوتها عالياً للمطالبة بالإنصاف. لكن صوت تلك المنظمات لم يكن مسموعاً، في ظل الضجيج الذي كان يثيره محافظون حول تلك المطالبات، والذي كان يصل إلى حد التخوين أحياناً، والاتهام بتقويض النسيج الديمغرافي.
بيد أن كتلة مبادرة النيابية قدمت رؤى إصلاحية في غير صعيد، وتبنت تلك المطالب، ووضعت نصب عينيها تحقيقها والدفاع عنها، ومد جسور التواصل والتشاركية مع الحكومة، وفي مقدمة رؤيتها كان حل قضية أبناء الأردنيات، لما لها من أثر سلبي على منظومة الحقوق الإنسانية والدستورية لفئة من المجتمع.
يقول المنسق العام لكتلة مبادرة، النائب الليبرالي مصطفى الحمارنة، إن الائتلاف رفع، منذ اليوم الأول لولادته، شعار الاشتباك الإيجابي مع الحكومة، لتحقيق رؤى إصلاحية في مجالات مختلفة، أبرزها الصحة والسياحة والعمل والطاقة والتربية والتعليم والتعليم العالي، كما أعلن عن رؤى إصلاحية تتعلق بقوانين الانتخاب والأحزاب والبلديات والمجالس المحلية (اللامركزية)، كما تضمنت تحقيق مزايا لأبناء أردنيات متزوجات من أجانب، ووضع تلك الرؤى أمام الحكومة التي وافقت على الدخول في تشابك إيجابي مع أعضاء الائتلاف لتحقيقها.

مصطفى الحمارنة

ويرفض الحمارنة الأصوات التي تربط بين هذا التوجه والتوطين، ويوضح أن الأردن لن يتقدم خطوة إلى الأمام باتجاه الدولة المدنية الحديثة، ولا يمكنه أن يحقق إصلاحاته السياسية والاقتصادية، إذا ظل بعضهم يلتفت إلى الذين يعزفون نغمات مشروخة عن التوطين والوطن البديل. وقال إن أولئك لا يريدون للأردن التطور والتقدم إلى الأمام، والذهاب إلى تعزيز الديمقراطية وبناء دولة العدل والمساواة والديمقراطية، مشيراً إلى أن تلك السبيل هي المثلى والأكمل لمواجهة أية أفكار أو مشاريع خارجية.
الحكومة تستجيب
وعلى الرغم من التباطؤ والتلكؤ الحكومي، ومراحل الشد والجذب التي نتج منها تلويح منسق مبادرة، النائب الحمارنة، بالانسحاب من التشاركية والتشابك الإيجابي مع الحكومة، فإن الحوار الذي فُتح بدأ يعطي أُكله شيئاً فشيئاً، فاستجابت الحكومة لرؤى "مبادرة" في ملفات عديدة، كان أبرزها استجابة لما عُرف بملف "أبناء الأردنيات".

على الأثر، عقدت الحكومة مؤتمراً صحافياً لرئيس الوزراء، عبدالله النسور، بحضور عدد من الوزراء، وأعلن فيه أن أبناء الأردنيات اللواتي يقمن في المملكة خمس سنوات على الأقل سيحصلون على أذونات إقامة سنة قابلة للتجديد، بشرط أن تكون الأم مقيمة إقامة دائمة في الأردن، وتم منح أبناء الأم الأردنية المقيمة في المملكة وزوجها المقيم في الضفة الغربية، أو المطلقة منه، أو الأرملة، إذن إقامة عامين، ويشمل ذلك الأردنيات المتزوجات من فلسطينيين من أبناء قطاع غزة.
وتمنح المزايا أبناء الأردنيات المساواة مع الأردنيين في التعليم الابتدائي والثانوي، كما يمنح الأبناء القصّر التأمين الصحي الذي تتمتع به أمهاتهم.
وفي مجال العمل، يمنح أبناء الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين حق مزاولة المهن المغلقة على غير الأردنيين (إلا في حال عدم توفر بديل أردني)، ويتم إعفاؤهم من رسوم تصاريح العمل. ويمنح أبناء الأردنيات حق الاستثمار في المملكة، وفقاً للقوانين المعمول بها. ويحق لهم الحصول على رخص القيادة للسيارات الخصوصية.
وبحسب وزير الداخلية الأردني، حسين المجالي، تستفيد من القرار نحو 89 ألف سيدة أردنية متزوجة بغير أردني، وأولئك المتزوجات من جنسيات فلسطينية بواقع 52606، ومصرية بواقع 8486، وسورية بواقع 7731، وسعودية بواقع 4549، وعراقية بواقع 2822، وأميركية بواقع 2816، ولبنانية بواقع 2048.
وقد ثمّنت الخطوة مؤسسات مجتمع مدني ومنظمات نسوية وحقوق إنسان وأحزاب، وروابط شبابية وطلابية، ونواب، واعتبروها خطوة أولى باتجاه إقرار حقوق للمرأة تساوي الحقوق الممنوحة للرجل الذي يستطيع منح جنسيته لابنه فوراً.
محافظون وإصلاحيون
في المشهد الأردني المتشابك ديمغرافياً، لطالما أدى الحديث عن حقوق أبناء المتزوجات الأردنيات من أجانب إلى تحريك مشاعر مضادة في عقول قوى محافظة وعشائرية، وأذرع

نافذة في الدولة الأردنية، يسيطر على بعض مفاصلها التفكير المحافظ، كانت ترى أن منح تلك الحقوق قد يكون مقدمة لما يعرف بـ"الوطن البديل". وكان يتم التعبير عن تلك الهواجس عند ارتفاع منسوب الحديث عن قانون الانتخاب، وكذلك عند الكلام عن الدولة المدنية المساوية للحقوق بين أفرادها. ولطالما أدت تلك الهواجس إلى تعطيل رؤى تقدمية، عُبّر عنها فيما عرف بالأجندة الوطنية التي كلّف بها الوزير الليبرالي، مروان المعشر، ووضع فيها تصوراً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً لبناء الدولة الأردنية حتى عام 2025، إلا أن تلك الأجندة وضعت على الرف من دون تفعيل، بفعل قوة حضور القوى المحافظة في المشهد الأردني الداخلي، وتغلغلها في دوائر صنع القرار.
ولذلك، بدت الحكومة الأردنية، وهي تتحدث عن مزايا أبناء الأردنيات، وكأنها تقف على رؤوس أصابعها، وفي خلفيتها قوى الضغط الرافضة مثل تلك الحقوق، فآثر رئيس الوزراء، عبدالله النسور، إرسال رسائل تطمين لأولئك، فقال: "لا تجنيس ولا تجنيد لأبناء الأردنيات، بل حقوق مدنية في بعض المجالات". وكانت إشارة النسور تخاطب المتوجسين من الخطوة، وتبعث رسالة لنواب وأعيان وقوى محافظة، وقفوا في وجه الحكومة، رفضاً لها.
وتجلّت هواجس المحافظين فيما عبّر عنه النائب عن محافظة الكرك، بسام البطوش، تحت قبة مجلس البرلمان، عندما أعلن نيته استجواب الرئيس النسور ووزير الداخلية، حسين المجالي، حول الموضوع. وقال إن هنالك تساؤلاً حول توقيت الخدمات مع منح الجوازات، خصوصاً أن الأفق السياسي من حولنا، وفي كل المشهد السياسي العربي، ملتبس، وسأل: كيف سيتم إعطاء حقوق العمل والتعليم العالي والصحة لأبناء الأردنيات؟ وهل وفّرت الدولة لأبناء الأردنيين والأردنيات الحق في التعليم المجاني والتأمين الصحي والحقوق الأساسية في الحياة، حتى نتباكى على أبناء الأردنيات والضيوف؟

وقال الكاتب خالد المجالي: "نشعر بأن هنالك تخوفات من أن تقوم الحكومة بمزيد من الإجراءات

عبد الله النسور

التي تؤدي إلى التجنيس الكامل، ونحذّر من أي خطوة نحو هذا الأمر"، وشكك، في الوقت نفسه، في الأرقام التي أعلنت عنها وزارة الداخلية.
من المعلوم أنه يعيش في الأردن نحو 200 ألف فلسطيني، يحمل بعضهم جواز سفر أردنياً مؤقتاً مدة سنتين بدون رقم وطني، وينطبق هذا الحال على أبناء قطاع غزة الموجودين في المملكة، ولا يحصل آخرون على أية امتيازات، فيما يتشكل الأردن ديمغرافياً من أردنيين من أصول فلسطينية، يحملون رقماً وطنياً، وجواز سفر أردنياً، وهؤلاء لا يوجد رقم واضح بعددهم.

ومع وجود نحو 52 ألفاً من الأردنيات المتزوجات من فلسطينيين، يتوجس رافضو منح أبنائهن امتيازات من إمكانية تطور الأمر لاحقاً، لمنح أبنائهن جنسيات، ما يؤدي إلى استحضار تخوفات حول التوطين وغيرها من مبررات ما زالت تساهم في انشطار أفقي في المجتمع الأردني، يُعبَّر عنه، في أوقات متفاوتة، في مباريات كرة القدم وغيرها.
لذلك، حرصت الحكومة الأردنية، وهي تعلن عن مزايا أبناء الأردنيات، على طمأنة أولئك في تصريحات سبقت قرارها، بجس النبض حيناً، وقياس ردة الفعل إن تم إقرار تلك الحقوق، فبعثت برسائل لأولئك، مفادها أن الموضوع يقف عند قضايا إنسانية.


وفي المقلب الآخر، رأت القوى الإصلاحية ومؤسسات مجتمع مدني أردنية أن إدامة استحضار هواجس وتخوفات محافظة لا أساس لها، وإنما هدفها إدامة تباطؤ قطار الإصلاح، ووضع العصي في دواليبه.
ولهذا، وفي الوقت الذي تؤكد منسقة حملة "أمي أردنية... وجنسيتها حق لي"، نعمة الحباشنة، أن القرار يعتبر منحى تاريخياً إيجابياً باتجاه دعم المساواة وتجسيدها عملياً في الواقع، كونه منح المرأة حق إعطاء أبنائها مزايا، وهو إنجاز مهم جداً، وتطالب بتعليمات تنفيذية، تضبط آليات التنفيذ منعاً للعشوائية والإرباك والظلم، ولضمان عدالة التطبيق، وحسم قضايا تحتاج إلى حلول فردية.
في المجمل، استطاع الائتلاف تحقيق أكثر من نصف ما طالب به، وحقق اختراقاً مهماً باتجاه ملف الإصلاح ولفكرة التشاركية والتشابك الإيجابي الذي جرى التعبير عنه بوضوح من "مبادرة" في أكثر من مناسبة، فيما استطاعت القوى المحافظة جعل الحكومة مرتبكة، وهي تعلن عن المزايا التي منحتها، وهذا يعيد، مجدداً، فتح طاقة حديث متجدد عن المجتمع الأردني وآليات التغيير، ومدى تغلغل القوى المحافظة في المشهد الداخلي، وفي مواطن صنع القرار الحكومي.
أخيراً بدأ التطبيق
بدأت دائرة الأحوال المدنية والجوازات في وزارة الداخلية الأردنية، الأسبوع الجاري (يوم الأحد/ 4 يناير/ كانون الثاني)، باستقبال طلبات أبناء الأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين لمنحهم مزايا خدمية، تشمل التعليم والصحة والعمل والاستثمار والتملّك والحصول على رخصة القيادة.
ونصّت القرارات على منح أبناء الأردنيات الأولوية، بعد المواطنين الأردنيين، في الأعمال غير المسموح بها لغير الأردنيين، كما تقرر السماح لهم بالاستثمار والتملّك وفق التعليمات والأنظمة المعمول بها، والسماح بحصول أبناء الأردنيات على رخصة قيادة من فئة الخصوصي، شريطة أن يكون حاصلاً على إذن إقامة، واشترطت وزارة الداخلية أن تكون الأم الأردنية مقيمة في الأردن مدة خمس سنوات، حتى تمنح لأبنائها تلك المزايا.
 

 

27F02F21-AD59-48A1-AD97-57A23C585A0A
جهاد منسي

صحفي أردني، محلل سياسي، تتركز كتاباته على الجوانب السياسية والحزبية والبرلمانية، والحريات العامة وحقوق الإنسان، والمراة والدفاع عن الدولة المدنية.