مرض "الجهل بالمرض"

03 مايو 2018
+ الخط -
بشغف شديد، شاهدت موضوع مرض "الجهل بالمرض" في برنامج "الإسبتالية" على موقع يوتيوب والذي يمكن تعريفه بأنه اختلال يسبب فقدان المريض قدرته على إدراك أنه مريض أصلاً، فيرى المريض أنه سليم وسوي ويتجاهل أي عَرض مرضي يظهر عليه.

وقامت الدكتورة إيمان الإمام بعرض قصة المواطن الأميركي راسل وستن الذي حاول دخول مقر الكونغرس الأميركي في عام 1998، وعندما منعه الحراس من الدخول إلى مقر الكونغرس أطلق النار عليهم، مما أدى إلى مقتل شخصين، وتم القبض عليه وأُحيل إلى المحاكمة بعدة تهم. أقر وستن بجريمته أثناء المحاكمة بحجة أنه كان يحمي أميركا من هجوم آكلي البشر!

وبعد إجراء الفحوصات الطبية والنفسية على وستن، توصل الأطباء إلى أنه كان يعاني من مرض الفصام، وهو اضطراب نفسي يؤدي إلى التصرف بشكل غير طبيعي وغير واقعي، وأيضا كان يعاني من مرض "الجهل بالمرض" أو إنكار العاهة (anosognosia)، ولذلك فهو كان غير مدرك مرضه من الأساس، وهذا يفسر لنا سبب رفض وستن أن يتم الدفاع عنه في المحكمة على أنه مريض.


دفعني شغف المعرفة للبحث أكثر عن مرض "الجهل بالمرض" فوجدت أنه يحدث نتيجة لإصابات الدماغ مثل جلطات الدماغ وإصابات الدماغ الناتجة من حوادث، ومن ثم يعاني المريض من عجز معين وهو غير مدرك وجود هذا العجز!!

وماذا بعد؟!
أحاول هنا إسقاط مرض "الجهل بالمرض" على مجتمعاتنا العربية عامة ومجتمعنا المصري على وجه الخصوص، لعلني أجد ضالتي في أرض التيه التي لا نعلم كيف نخرج منها منذ عقود أو قل قرونا للوصول إلى جذور المشكلة الأصلية، ولربما أتوصل إلى العلاقة بين هستيريا الرقص أمام اللجان الانتخابية والتأييد المطلق للأنظمة القمعية وبين مرض "الجهل بالمرض".

أو ليس هذا ممكناً؟
في البداية، وحتى لا تتعطل حرية التفكير، يجب أن نقر أن لكل إنسان الحق في قبول أو رفض أية أفكار ما لم تخالف ثوابت الدين والعقيدة والتي لا يجب المساس بها بشكل قطعي، فمن حق أي إنسان أن يؤيد نظاما ما أو يعارض آخر لأن الجميع سواء أمام دولة المواطنة التي تمنح جميع أعضائها نفس الامتيازات وتفرض على الجميع نفس الالتزامات، وبذلك أكون قد مهدت لما يلي من استنتاجات.

وكما أقررت بحرية التفكير وما يصاحبها من تأييد أو معارضة، فيحق لنا البحث في ما وراء هستيريا الرقص أمام اللجان الانتخابية لعلنا نجد دواء ناجعا أو مصلا واقيا لتلك الجموع الهائجة ذات الخصور الثائرة والتي لا تمثل المجتمع المصري ككل ولكنها تهيمن على شاشات الإعلام المسيس وتُروى من معين المخابرات العامة، والمراقب الشأن المصري يدرك تماما أن الأمور لم تصل إلى هذا الحد من الابتذال والمسخرة كما هي الآن منذ عقود.

تحول التأييد السياسي في مصر أخيرا من مجرد التصريح بدعم النظام الحاكم إلى "كيد نسا"، فتجد كل من يؤيد النظام الحاكم لا ينكر الأخطاء السياسية والاقتصادية والفشل الذريع في كل المجالات ولا يحاول تقديم أية تبريرات لهذا الفشل وتلك الأخطاء بل يقر بها ويقول: "عاجبنا وأنت مالك"، وكأن تأييدهم السياسي حولهم إلى ملاك الوطن وأقصوا معارضيهم وكأنهم مقيمون غير شرعيين غير مرغوب فيهم في هذا الوطن المنكوب.

هذا النوع من التأييد المطلق لا يمكن تصنيفه كموقف سياسي أو وجهة نظر ترتكز على أيديولوجية ما، بل هي مرض نادر يصيب الشعوب العربية على وجه الخصوص، واستفحل في المجتمع المصري تحديدا.

أوليس ممكنا أن يكون هؤلاء الراقصون على أنغام "قالوا إيه" 2018 و"بشرة خير" 2014 مصابين بمرض الجهل بالمرض وليسوا مؤيدين للنظام الحالي، وذلك لأنني استشعرت بالفعل صدقهم وإخلاصهم خلال أدائهم طقوس الولاء الانتخابية ولم أستشعر رائحة الرشى الانتخابية في كل "الهزات الوطنية"، وكما أن مرض "الجهل بالمرض" قد يأتي مصاحبا لجلطات الدماغ وإصابات الدماغ الناتجة من حوادث فمن الممكن أن يأتي مصاحبا لأغاني وطنية وخطابات حماسية وجمل عاطفية من نوعية "انتوا مش عارفين انكم نور عنينا ولا ايه".

أوليس من الأفضل أن نصفهم بمرضى "الجهل بالمرض" على أن نصفهم بـ"الخرفان" كما يصفون كل من يعارضهم؟!

أو ليس من الأفضل لأباء وأمهات هؤلاء المرضى أن نشخص أبناءهم على أنهم مصابون بمرض "الجهل بالمرض"، بدلاً من أن نصفهم هم أنفسهم بـ"الدياثة الوطنية"؟

- فأنت الآن أيها الراقص الثائر وأيتها الراقصة الوطنية أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أنكم مرضى وتجهلون مرضكم أو أنكم "خرفان" بامتياز، وفي كلتا الحالتين لا علاج لكم.

- وأنت أيها الأب الوطني والأم المثالية أمام خيارين أيضا لا ثالث لهما: إما أن تكون ابنتكم مريضة بمرض "الجهل بالمرض" أو أنكم تقرون بدياثتكم الوطنية والتي يحق لكم أن تفخروا بها ولا تسعوا لإنكارها.

وبذلك تنتهي حيرتي أنا والكثير من غير القادرين على تفسير سلوكياتكم الوطنية الفريدة من نوعها ونُحيلكم إلى مستشفى الأمراض العقلية لنمنع تسلل المرض للأجيال القادمة.

أنجزوا واختاروا أحد الخيارين...
5677A2D5-FAEC-4414-BEEB-F3CDFE0BCA68
محمد خالد

مدون وكاتب استقصائي مهتم بالشأن العام.يقول: أحب الكتابة لأنها تعطي لحياتي حياة جديدة.

مدونات أخرى