يُعاني قطاع الصحّة في ليبيا أزمة كبيرة باتت تهدّد حياة المرضى، في ظلّ اضطرار بعض الأقسام الطبيّة إلى إغلاق أبوابها أمام المرضى، مثل أقسام زراعة الأعضاء وأمراض وغسيل الكلى في مستشفى شارع الزاوية في طرابلس. ويقول الطبيب في المستشفى مراد دخيل، إنّ هناك إهمالاً رسميّاً متعمداً يعاني منه القسم إضافة إلى أقسام أخرى في المستشفى. يضيف لـ"العربي الجديد": "ما يزيد عن ألف مريض يتردّدون على قسم أمراض وغسيل الكلى من دون جدى في ظل النقص الكبير في الأجهزة وغياب شبه تام للأدوية اللازمة". ويؤكد أن بعض الأجهزة في القسم معطلة منذ عامين، من دون أن تلتفت وزارة الصحّة للمناشدات الشخصية والخطابات الرسميّة لصيانتها.
ويؤكّد دخيل أنّ الأطباء وإدارة المستشفى يقاومون حالياً من أجل الإبقاء على القسم مفتوحاً، ليقدم الخدمات للمرضى، لعلّ قلوب المسؤولين ترحمهم. وكانت وزارة الصحة قد أعلنت في مارس/ آذار الماضي، عن وجود أكثر من 4000 مريض يعانون من الفشل الكلوي في مختلف أنحاء ليبيا، وأبدت استعدادها لدعم جهاز الإمداد الطبي لتوفير الأدوية لمرضى الكلى، والأجهزة لمراكز غسل وعلاج الكلى، ووضعها ضمن أولويّات القطاع بالتوازي مع إطلاق حملات توعية في ظل ارتفاع نسبة المرضى.
ويقول المسؤول في مكتب المناطق في وزارة الصحة عبد العاطي أمنينه: "على الرغم من الظروف الاستثنائية التي تشهدها البلاد وارتفاع نسبة مرضى الكلى، ما زال أكثر من ثلثي مراكز غسل الكلى يعمل، في وقت تسعى الوزارة إلى صيانة وإعادة تشغيل الأخرى". ويوضح لـ"العربي الجديد"، أن "غالبية هذه المراكز تقدّم الخدمات المجانيّة للمرضى"، مشيراً إلى أن مركز تاجوراء لغسل الكلى يُعدّ حالياً أحد أهم المراكز في العاصمة طرابلس، ويستقبل 56 حالة يومياً للعلاج. لكنّه يعترف في الوقت نفسه بنقص شديد في الأدوية، وحتى أن ما يتوفر منها يصعب وصوله إلى مناطق نائية بفعل الأزمة.
يتابع: "في هذا المركز 28 جهازاً تدار من قبل أكثر من عشرة أطباء وأكثر من ثلاثين فنياً. ويتمتّع هؤلاء الأطباء بالخبرات اللازمة. لكنّ المشكلة تتمثل في كونه يستقبل أكثر من قدرته الاستيعابية بسبب إقفال مراكز أخرى في المناطق النائية، ما يدفع المرضى للتوجه إلى مراكز المدن الكبيرة على غرار طرابلس".
وعن دور الحكومة لتغطية النقص، يقول أمنينه إنّه لا يمكن للمرضى انتظار التجهيزات التي قد يطول وصولها. ولا بد من اتخاذ بعض الإجراءات العاجلة المتمثلة في دراسة سفر الحالات المستعصية للعلاج في الخارج. لكنّ عدم توفّر الميزانيات ورفض دول عدة استقبال المرضى إلا بعد سداد الديون، يفاقم الأزمة، محذراً من أن الأوضاع باتت أكثر سوءاً.
ويشير إلى أن الوزارة في صدد افتتاح مركز جديد في القربولي القريبة من طرابلس. لكنّ الصعوبة تتمثّل في عدم توفّر الطاقم الطبي المتخصص، إذ إن عدد الأطباء المتخصصين قليل في مقابل تزايد أعداد المرضى.
لا تنحصر المشاكل في أقسام زراعة الأعضاء وأمراض الكلى والكبد في مستشفى شارع الزاوية، إذ أغلقت أقسام مماثلة في مستشفى مصراته على مدى أشهر، بسبب نقص إمدادات المياه. وتبرعت شخصيات من المدينة لحفر بئر خاص في المستشفى، ما أدى إلى استئناف العمل في القسم مجدداً. أما مركز تاجوراء، فقد توقف عن العمل أكثر من مرة بسبب انقطاع التيار الكهربائي. وليس في المركز مولّد كهربائي.
من جهته، يكشف الطبيب في مستشفى مصراته، المكي الزريقي، عن تسجيل أكثر من عشرين حالة وفاة خلال السنوات الماضية بسبب النقص الحاد في الأدوية، ويقول لـ"العربي الجديد": "تجلّطات الدم التي يسببها ارتفاع الضغط هي أخطر ما نواجهه، ومضاداتها غير متوفرة في معظم الأحيان"، مؤكداً أن بعض الأدوية الضرورية غير متوفرة، ما يضطر المرضى إلى شرائها بأسعار مضاعفة، علماً أن غالبية الناس لا تملك المال. ويوضح أنه في حال توفّر بعض الأدوية لدى جهاز الإمداد الطبي، فلا يمكن لجميع المرضى الاستفادة منها باستثناء المسجلين، بحسب الكشوفات الرسمية في المستشفى. بالتالي، اللاجئون من مناطق أخرى يعانون أوضاعاً صحية صعبة إلى درجة كبيرة. "رأينا مرضى يموتون من دون أن نكون قادرين على إسعافهم".