... مرسي ينتقد حزب أردوغان

14 اغسطس 2014

مرسي وأردوغان في اجتماعهما في القاهرة (نوفمبر/2012/Getty)

+ الخط -


نشر الدكتور محمد مرسي، في الخامس من أغسطس/آب 2007، وكان مسماه الوظيفي "عضو مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين" مقالاَ عنوانه "الإخوان المسلمون والأحزاب الإسلامية المعاصرة"، تضمن نقداً شديداَ لحزب العدالة والتنمية في تركيا، والذي فاز زعيمه، رجب طيب أردوغان، الأسبوع الجاري، برئاسة الجمهورية التركية، بعد فوز الحزب الكبير في تسعة انتخابات سابقة، على التوالي. عثرت على المقال، وأنا أحاول تعقب ردود الفعل العالمية على فوز أردوغان. وجه الانتقاد لدى مرسي أن الحزب ليس إسلامياً، والحزب، أصلاً، لم يزعم ذلك، ولم يصف نفسه، مباشرة أو بكيفية غير مباشرة، أنه حزب إسلامي.
كتب مرسي: جماعة الإخوان المسلمين لَمْ ولنْ تُغيِّر مبادئها.. المنهج الإسلامي كله غير منقوص، وهو غاية عملنا، وحالة النجاح الذي نريد، بنشره وتعليمه وتطبيقه، والعمل بما جاء به في شتى مجالات الحياة بالنسبة للأفراد والجماعات والجمعيات والمؤسسات والدولة وأولي الأمر جميعًا. وحزب العدالة والتنمية التركي يعلن موافقته ورضاه على علمانية الدولة بالمفهوم الغربي المعروف، ويختلف عن هدفنا الأساسي الكبير، وهو أن يكون للمسلمين دولةٌ مسلمةٌ، وليست دولةً دينيةً بالرؤية الخاطئة المحدودة، كما يفهمها أهل الغرب على وجه الخصوص. وأضاف مرسي: يجب ملاحظة الفروق الحالية بين الدولة المصرية التي يعيش فيها "الإخوان المسلمون" بدستورها الذي ينصُّ على أن دينَ الدولة الرسمي هو الإسلام، وأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، الأمر الذي يؤكد على إسلامية الدولة المصرية؛ حيث لا تستطيع حكومةٌ، ولا سلطة، أن تُغيرها أو تقترب منها؛ لأنها تُمثِّل هوية الأمة، بتاريخها وحاضرها، على اختلافِ مكوناتها الفكرية والثقافية، في حين أن حزب العدالة والتنمية الذي يحكم، الآن، أحد المكونات السياسية للدولة التركية، بدستورها الحالي، وبعد سقوط الخلافة الإسلامية وصعود القومية والأتاتوركية ما زالت، حتى الآن، تقرر علمانية الدولة، بدستورها وقانونها وتوجهها نحو أوروبا، وسعيها الحثيث لتصبح جزءًا منها على الرغم من الاختلاف البيِّن بين الشعب التركي المسلم والشعب الأوروبي العلماني في الفكر والسلوك.
لا يحتاج المرء لكلام كثير، حين يستدعي هذا الموقف، بعد الأحداث العاصفة التي أعقبته، ولو قيّض لمرسي أن يعيد كتابة مقاله هذا، لما كتبه على ذلك النحو أبداً، ولعد للمائة، قبل أن ينال من حزب العدالة والتنمية بكلمة واحدة.


في وقت سابق، وبعد الهزة العنيفة التي عصفت بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وانداحت دوائرها لتضرب باقي دول المنطقة، نشرتُ مقالاً عما رأيت أن على "الإخوان" القيام به، بعد كل ما مر بهم من أحداثٍ جسام، لم تكن بسبب "تآمر" الأعداء عليها فقط، بل بسبب قصورهم عن قراءة التاريخ، واستبطان المستقبل، اعتباراً بالأول، واستعداداً للثاني!
وقبل عام، التقيت معظم صناع القرار في تركيا، ضمن وفد صحفي عربي، وكان السؤال المسكوت عنه في كل اللقاءات عن مدى "إسلامية" حزب العدالة والتنمية، وكان يبدو أن قادة الحزب، وهم قادة الدولة بالطبع، ينأون بأنفسهم عن هذا "الطلاء"، فما كان يهمهم هو "محتوى" الحزب، لا الراية التي يرفعها. ولكن، شيئاً فشيئاً مع تمكّن الحزب من الإمساك بمفاصل الدولة التركية، بدأ زعيم الحزب ومؤسسه، أردوغان، خصوصاً "البوح" بمعتقده أكثر فأكثر، بل إن صلاته في مسجد أبي أيوب الأنصاري، قبل إلقائه خطاب الفوز بالرئاسة، يذكّرنا بموقفٍ "عثماني" تقليدي، فقد كان سلاطين بني عثمان يقصدون المسجد لأخذ البيعة من الشعب، بعد تنصيبهم!
والمفارقة اللافتة، بين مرسي وأردوغان الآن، أن الأول "أسير" في السجن، بعد أن انقلب عليه العسكر، فيما يتوج أردوغان "سلطاناً" على تركيا بعد انتخابات رئاسية هي الأولى من نوعها في تاريخ بلاده. وعلى صلة بهذا الأمر، يسأل الكاتب الأردني، بسام ناصر، في صفحته في "فيسبوك": لماذا نجح حزب العدالة والتنمية في تركيا، ولم تنجح الحركات الإخوانية في العالم العربي؟ الجواب، الذي لم يتوصل إليه مرسي، في حينه، وكما يقول بسام، أن حزب العدالة والتنمية التركي ليس حزباً إخوانيا، فهو له رؤيته الخاصة، وتجاوز بها كل حركات الإسلام السياسي في العالم العربي، ولو قدر لقيادي إسلامي أن يقوم بمثل ما قام به أردوغان في تركيا، لعدّوه من المتساقطين على طريق الدعوة، وللفظه التنظيم، ولم يعترف به. ما قام به أردوغان وصحبه خروج من الأطر الأيديولوجية المقولبة إلى فضاء العمل الوطني، والوقوف على مسافة واحدة من كل الاتجاهات الفكرية والقوى السياسسية... من يقوى من إسلاميي عالمنا العربي على مثل ذلك؟