المراهَقة مرحلة حرجة. هي سنّ مفصليّة، الإنسان في خلالها ليس طفلاً ولا هو راشد. حقيقة مسلّم بها، بالتالي لا حاجة إلى تكرارها. حقيقة يقرّ بها العلم بمختلف حقوله، مستنداً إلى التحوّلات التي يشهدها المراهق على الصعد كافة، وهي تحوّلات مرتبطة بعضها ببعض تحيل إلى هويّة جديدة. المراهق يشعر بأنّه يصير شخصاً آخر. جسده يتغيّر، من جهة، الأمر الذي يغرقه في انفعالات لم يخبرها من قبل. ربّما يكون قد عرف ما يشبهها عندما راح يكتشف جسده في السنوات الأولى من حياته، غير أنّ ذاكرته الواعية تخونه من دون شكّ. وبالتأكيد، التغيير لا يطاول جسده فحسب.
هو يشعر بأنّه يصير شخصاً آخر. وبهدف إرساء أسس هويّته الجديدة، يلجأ إلى اختبار نفوذ ذويه، فيتمرّد على القيود التي سبق وحدّدها هؤلاء ويسعى إلى الإكثار من التجارب باختلافها. ويُترجَم الأمر أجواءً مشحونة في قلب العائلة، في معظم الأحيان. لا شكّ في أنّ الفوضى المستجدّة تطاول الأهل مثلما تطاول المراهق. قلّة هم الأهل الذين ينجحون في احتواء أزمة مراهقيهم، في حين يكرّر آخرون "الأخطاء" التي سبق أن ارتكبها ذووهم في حقّهم عندما كانوا هم في تلك السنّ المفصليّة، مع كثير من القلق. في مقابل هؤلاء، ثمّة آباء يقرّرون تحدّي ذويهم الذين "مارسوا القمع" في حقّهم، مع مفعول رجعيّ، فيتركون لأبنائهم المدى مفتوحاً أمامهم لعيش مراهقتهم كيفما اتّفق.
لا جديد في كلّ ذلك. ما سلف كلام ممضوغ ليس إلا، غير أنّه يأتي اليوم في عالم متحوّل. لطالما شهد العالم تغيّرات، إلا أنّ الحال التي نشهدها اليوم تستدعي - بحسب خبراء كثيرين في المجال - التوقّف لبرهة والتفكير في الواقع الراهن. وهذا ما دفع منظّمة الصحّة العالميّة إلى إحياء اليوم العالميّ للصحّة النفسيّة هذا العام تحت عنوان "الشباب والصحّة النفسيّة في عالم آخذ في التغيّر". وتتحدّث المنظّمة الأمميّة عن "أوقات عصيبة" قد يعيشها المراهق وسط "توتّر وتوجّس"، محذّرة ممّا قد يسفر عن ذلك من "اعتلال نفسيّ" نتيجة عدم كشف حالات يعانيها أبناء تلك المرحلة العمريّة، وكذلك من هم في السنوات الأولى من سنّ الرشد. وتلفت إلى أنّ نصف الاعتلالات النفسيّة تبدأ في الرابعة عشرة إجمالاً، في عزّ سنّ المراهقة، لكنّها لا تُكتشف ولا تُعالج. ويكون من ثمّ الاكتئاب وتعاطي المخدّرات والاضطرابات الغذائيّة واللجوء إلى السلوكيّات الخطرة والانتحار...
ولعلّ المتغيّر الذي يجعل الخبراء قلقين في هذا السياق، إنّما يشمل التكنولوجيّات الحديثة وكذلك العالم الافتراضيّ عموماً الذي يغرق المراهق فيه. ويمعن في الغرق منسلخاً عن العالم الواقعيّ، في ظلّ غياب رقابة يرفضها هو بينما يبدو ذووه مُربكين بشأن فرضها في مثل هذه الأيّام. "العالم يتغيّر"، يعلّلون. وتُقلَب الصفحة... هكذا يظنّون.