مراهقة جميلة

18 فبراير 2015
جميلة بملامحها الشرقيّة وعينَيها الضاحكتَين وشعرها الأسود (فرانس برس)
+ الخط -

جميلة هي هذه المراهقة الفلسطينيّة. جميلة ببشرتها السمراء، وإن بدت شاحبة بعض الشيء. جميلة بملامحها الشرقيّة وعينَيها الضاحكتَين وشعرها الأسود. جميلة بثقتها بنفسها وبلكنتها، وبتلك الابتسامة التي لا تفارق محيّاها.

هكذا ظهرت ملاك الخطيب ابنة السنوات الأربع عشرة، عند تحريرها من سجون الاحتلال. طفلة مراهقة فلسطينيّة، جميلة. حقيقة وواقع.

طوال أيام اعتقالها الأربعة والأربعين، تناقل الناشطون في حملاتهم المتضامنة مع "أصغر سجينة فلسطينيّة" والمطالبة بتحريرها، صوراً لتلك المقاومة لا تتجاوز فيها عامها العاشر على أبعد تقدير. هي صور لطفلة جميلة - لا شكّ في ذلك - وبريئة.

فنجد أنفسنا مرّة جديدة، وقد تعثّرنا في حملاتنا المحقّة. ليس لأن الطفلة لم تعد بريئة، وقد أصبحت مراهقة وراحت ترشق الحجارة على سيارات مستوطنين انتهكوا ترابها.

نتعثّر، إذ من جديد رحنا نحاول استعطاف الرأي العام المحلي وذلك الدولي بشيء من التزوير. كأن وجه ابنة السنوات العشر الطفولي سيدفع بعدد أكبر إلى التضامن مع تلك الفتاة، في حين أن وجه المراهقة الجميل الذي يتخلله حبّ الشباب، لن يكون له الأثر نفسه.

كأن وجهها وهي مراهقة يكتمل نموّها، في مثل سنّ كثيرات يُزوّجن غصباً في مجتمعاتنا بعدما نُفِيَت عنهنّ صفة الطفولة، لن يحظى بتعاطف عالمي. وليس هنا أفضل من المثل الشعبي القائل: مَن تحت إبطه مسلّة، تنعره!

الأمر ليس بسابقة. فناشطون كثر في منطقتنا المأزومة، لجأوا مراراً وتكراراً إلى صور مؤلمة مزوّرة لجعل الرأي العام المحلي وذلك الدولي أيضاً ينددان بنكباتنا المتلاحقة.

تلك كانت صوراً حقيقيّة التقطت لفجيعات حقيقيّة، لكنها غير واقعيّة إذ نُسبت إلى أحداث مأساويّة أخرى. هي أحداث لا تقلّ نكبة، لكننا نجد أنفسنا طامعين دائماً بمزيد من التعاطف. كأنما نحن غير واثقين من أن في ما نخبره، بليّة كافية.

مصائبنا كبيرة كفاية. لكننا اعتدنا ألا نمتلئ من بلواتنا. جشعنا. ربما الأمر لم يعد فعلاً إرادياً. فمعايشة كل ذلك القتل وسفك الدماء والتعذيب والاعتقال هي التي جعلتنا نجشع.. هي التي جعلتنا نستلذّ لعبَ دور الضحيّة أكثر فأكثر. وهذا أمر يطول شرحه في علم النفس.

أُطلق سراح ملاك، أخيراً. وأخيراً، تمكّنا من التعرّف إلى وجه تلك المقاومة الصغيرة.

بُعيد تحريرها، توافد المهنئون إلى منزل العائلة. من بين هؤلاء، رفيقات الدراسة اللواتي حضرنَ لاستقبال صديقة بطلة يفتخرنَ بها. وبعد عناق طال بينها وبينهنّ، رحنَ يلتقطنَ صور "سيلفي" معها، كأي مراهقات في العالم اليوم. فلتُستبدل صور الحملات.
المساهمون