مرآة التفلسف

10 يونيو 2015
من مخطوط لرسائل إخوان الصفا (911هـ - 1505م)
+ الخط -

لعلّ كتاب "تاريخ الفلسفة الإسلامية" للمستشرق الفرنسي هنري كوربان هو أكثر الأعمال التي حازت على احترام القراء، شرقاً وغرباً، حول هذا الموضوع الذي جعلته تجاذبات المستشرقين ساحة جدل موسّع.

وإن كلمة سرّ هذا النجاح هو ما كتبه المؤرخ نفسه، وعمل به، حول إصراره على ألّا يقرأ الفلسفة العربية كمرآة عاكسة للفلسفة الغربية.

سبق كثيرون كوربان في الكتابة عن الفلسفة العربية الإسلامية، ولحقه كثيرون أيضاً. لكن تميّز عمله دون أعمال أخرى يشير إلى أن شخصية المؤلف ورؤيته جزء لا يتجزّأ من مشروع كهذا، وقد كان التثبّت من منطلقات مُؤرّخي الفلسفة دائماً من تقاليد القراءة الفلسفية.

يرجع ذلك لخاصية تتميّز بها الفلسفة، من دون مجالات معرفية أخرى طوّرها الإنسان، وهي توحّدها بتاريخها.

لا يحتاج الباحث في أي ميدان من ميادين العلوم الصحيحة لمعرفة تاريخ ذلك العلم، إذ يكفي أن يعرف المبادئ وطُرق تنسيقها ليبدأ بالتقدم من آخر نقطة وصلها ذلك العلم. هذا الأمر متعذّر في الفلسفة، لأن "تاريخ الفلسفة جزء من الفلسفة" كما يقول عبد الرحمن مرحبا.

من هنا، نرى أن التصدّي لكتابة تاريخ للفلسفة هو نفسُه عمل فلسفي، إذ يحتاج عرض الأفكار إلى زاوية نظر نقدية، كما يحتاج قبل ذلك إلى خلفيات ومنطلقات. ثم، أليست الفلسفة أداة لإعادة قراءة كل شيء، فكيف لا تطبّق ذلك على نفسها، وعلى تاريخها، في كل مرة؟

المساهمون