مدير معهد الأمصال المصري يستغلّ "وزارة الدفاع" لممارسة الفساد

14 يناير 2016
جانب من الوثائق التي حصل عليها "العربي الجديد" (خاص)
+ الخط -
ملف فساد ضخم داخل وزارة الزراعة المصرية وتحديدا في معهد الأمصال واللقاحات البيطرية، على مكتب النائب العام المصري، المستشار نبيل صادق، يكشف أحد أهم ملفات الفساد داخل الوزارة، من خلال الاستيلاء على ملايين الجنيهات "الدولار = 7.83 قروش".

الملف يتضمن بالمستندات والأسماء والأرقام 6 وقائع استيلاء وتسهيل الاستيلاء على أموال المعهد بطرق غير قانونية، ومدير المعهد يصرف لنفسه وأقاربه وآخرين مكافآت غير قانونية ولغير مستحقيها، وتعيينات بالجملة للمعارف، واستغلال النفوذ لحماية منظومة الفساد بالمعهد، وإهدار المال العام في أجهزة ثبت فشلها بتقارير دولية، واستغلال اسم وزارة الدفاع لتوفير الحماية.

ملف الفساد الذي حصل "العربي الجديد" على نسخة منه، يتضمن 6 حافظات لمستندات ووثائق تثبت المخالفات المرتكبة فيها، والذي تقدم به أحد المسؤولين –نتحفظ على ذكر اسمه– من خلال محاميه علاء مكاوي المحامي بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، إلى النائب العام ضمن بلاغ حمل الرقم 207 لسنة 2016 عرائض النائب العام.

وكشفت أوراق ملف الفساد المقدم للنائب العام أن بطله في كافة الوقائع المذكورة فيه هو الدكتور سيد محمد زيدان، مدير معهد الأمصال واللقاحات البيطرية، والمبلّغ ضده بشكل مباشر، بخلاف العديد من الأسماء الأخرى.

وحسب الأوراق فإن مدير المعهد يصرف ملايين الجنيهات مكافآت لنفسه وأقاربه ولموظفين وشخصيات خارج وزارة الزراعة بالمخالفة للقانون، حيث قام الدكتور سيد محمد زيدان مدير معهد بحوث الأمصال واللقاحات البيطرية "المبلغ عنه"، بالاستيلاء على المال العام، وتسهيل الاستيلاء عليه، دون وجه حق، ودون مقتضى، وذلك بأن خصص كشوفا بأسماء شخصيات غير مستحقة لصرف المكافآت، وقام بصرفها لهم من أموال الوحدة الاقتصادية ذات الطابع الخاص بمعهد الأمصال واللقاحات بالعباسية.

كما قام مدير معهد الأمصال واللقاحات البيطرية، بصرف واعتماد مكافآت خاصة لوكلاء مركز البحوث الزراعية وموظفيه من داخل المعهد وكذا المعاهد الأخرى، وآخرين، بل وصل الأمر إلى أن قام بصرف مكافآت خاصة لبعض من الشخصيات من خارج وزارة الزراعة من الأساس، ووصلت هذه المبالغ المنصرفة على "كشوف البركة"، إلى ملايين الجنيهات، والتي صرفت دون وجه حق أو مقتضى قانوني.

تضمنت هذه الكشوف العديد من الوقائع أبرزها، قيام الدكتور سيد زيدان (المبلغ عنه) برصد مكافأة شخصية له من العهدة الخاصة بلغت في أحد الشهور 18 ألفا و703 جنيهات، وذلك بموجب استمارة صرف حملت الرقم (55/ 517) بتاريخ 26 فبراير/ شباط 2014.

كما تضمنت الكشوف أيضا نجل شقيقة زوجة مدير المعهد ويدعى، محمد عبدالرحمن السيد، وهو من سكرتارية مكتب مدير معهد الأمصال واللقاحات، وكذلك صرف مكافآت لأعضاء سكرتارية مكتب مدير المعهد من العهدة الاقتصادية.

وجاءت عملية صرف المكافآت بالمخالفة للقانون رقم 84 لسنة 2012 بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم الجامعات الصادر بقانون رقم 49 لسنة 1972 والذي نص على أن يحظر على كل من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة والهيئة البحثية بالمراكز البحثية أن يتقاضى أية مستحقات مالية أيام التفرغ داخل الجامعة أو خارجها خلاف ما نصت عليه اللائحة التنفيذية.

ومعهد الأمصال واللقاحات يخضع للقانون رقم 49 لسنة 1972 لتنظيم الجامعات المصرية والقرار الجمهوري رقم 19 لسنة 1983، والذي يبين أن الموازنة العامة لا بد أن تتضمن تأشيرة وزير المالية، أي أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقوم مدير معهد الأمصال بصرف تلك المكافآت جميعها إلا بعلم وموافقة وزارة المالية، إلا أنه رغم ذلك صرفت المكافآت دون ضابط أو رابط.

مخالفة في التعيينات

ضمنت مخالفات مدير معهد الأمصال تعيين أكثر من 50 موظفا من معارف مدير المعهد بالمخالفة لقرار مجلس الوزراء.

ولم تتوقف الكشوف فقط عند مرحلة صرف ملايين الجنيهات في صورة مكافآت غير قانونية، بل إن هناك كشوفا أخرى من نوع آخر، وهي "كشوف التعيينات"، والتي قام من خلالها بتعيين المعارف ومن تربطه بهم علاقات وغيرهم، بمخالفة القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء، والأطر المنظمة لعملية التعيينات بمعهد الأمصال واللقاحات.

وحسب الأوراق فقد قام مدير المعهد "المبلغ عنه"، بمخالفة قرار مجلس الوزراء الصادر بجلسته المنعقدة في 8 فبراير/ شباط 2012، والذي بموجبه حظر على الجهات القيام بأية تعاقدات جديدة على أي من أبواب الموازنة وكذلك الحسابات والصناديق الخاصة والوحدات ذات الطابع الخاص، وأيضا البدء في حصر كافة الأعداد المتعاقد معها بشتى الصور كعمالة مؤقتة بتلك الجهات في سبيل تقنين أوضاع تلك العمالة.

وتجاهل مدير المعهد القرار، وقام بالتعاقد مع أكثر من 50 موظفا جديدا بموجب عقود عمل مؤقتة وذلك في عام 2014 بمفرده، ومنهم على سبيل المثال التعاقد مع "ياسمين أحمد شوقي"، و"سالي زكى عبدالرحمن"، و"منار محمود بخيت"، بعقد شهري لكل منهن بمبلغ وقدره 250 جنيها، بموجب إقرارات استلام عمل مؤرخة في 2مارس/ آذار 2014.

صرف نفقات بتكاليف مبالغ فيها

تضمنت الوقائع أيضا قيام مدير معهد الأمصال واللقاحات "المبلغ عنه"، بصرف نفقات وإصلاحات من الميزانية الخاصة بالمعهد، لأمور تخرج عن نطاق واختصاصات وميزانية معهده، وتندرج ضمن ميزانية واختصاصات جهات أخرى، بخلاف الأموال المبالغ فيها في الصرف كتكلفة لها.

اقرأ أيضا: 600 مليار جنيه تكلفة الفساد في مصر خلال 2015

ومن أمثلة هذه الوقائع، هو قيام الأمين العام لمركز البحوث الزراعية، في 4 أغسطس/ آب عام 2014، بإرسال خطاب إلى مدير معهد الأمصال واللقاحات "المشكو في حقه"، جاء مضمونه كالتالي: "بالإشارة إلى موافقة سيادتكم على إصلاح السيارة رقم (9531/ د.م) والتابعة لإدارة المركز استخدام الدكتور هاني محمد عبدالحميد رمضان، وكيل المركز، خصما على الوحدة ذات الطابع الخاص رئاسة سيادتكم، نتشرف بالإحاطة بأن تكاليف عملية الإصلاح للسيارة المذكورة بلغت مبلغ 25 ألف جنيه".

وطلب في نهاية الخطاب بموافاته بالشيك متضمن المبلغ المالي المذكور أعلاه باسم حسابات ديوان عام مركز البحوث.

وعلى الفور قام مدير المعهد باستخراج الشيك رقم (2010001319380) بالمبلغ المذكور على حساب الديوان العام لمركز البحوث الزراعية بموجب استمارة لاعتماد الصرف تحمل رقم (50 ع ح) تحت بند إصلاح السيارة، رغم أن الدكتور هاني رمضان، المستخدم للسيارة، لا صلة له بمعهد الأمصال واللقاحات لا من قريب أو بعيد، وأن راتبه وكافة الأمور المتعلقة به ليست ضمن اختصاصات "المعهد"، بخلاف المبلغ الباهظ لعملية الإصلاح.


مخالفات بشأن الموظفين

الإبقاء على موظفين بأعينهم في أماكنهم الوظيفية بالإدارة المالية بالمخالفة للقانون لحمايته من المساءلة والحفاظ على منظومة "نهب المال العام"، فمنظومة نهب المال العام كان لا بد لها من حماة و"كاتمي الأسرار"، وكان لا بد أن يبقوا في أماكنهم حتى لو بالمخالفة للقانون، وهو ما ينقلنا إلى نقطة مهمة في ملف الفساد على مكتب النائب العام، حيث قام مدير المعهد "المبلغ عنه" بمخالفة الكتاب الدوري رقم 102 لسنة 2012 بشأن مدة بقاء ممثلي وزارة المالية في أماكنهم بحد أقصى ثلاث سنوات.

وذلك بناء على تعليمات وزير المالية في 25 سبتمبر/ أيلول 2012، والذي نص في المادة الثانية منه على أنه على المختصين بإجراء حركة النقل، كلّ في دائرة إشرافه، الالتزام بإجراء حركة النقل لكل من أمضى على بقائه بالوحدة الحسابية ثلاث سنوات، وموافاة الإدارة المركزية لشؤون القطاع والإدارة المركزية للمديريات المالية بصورة من حركة التنقلات.

ومع ذلك قام مدير معهد الأمصال بضرب القوانين واللوائح عرض الحائط ولم يعر أيا منها اهتماما، بأن أصدر القرار الإداري رقم 8، بتاريخ 3 فبراير/ شباط عام 2015، بتكليف ثناء أحمد محمد – درجة أولى تمويل ومحاسبة بقسم الوحدة الحسابية نائبا للمدير المالي للوحدة الاقتصادية، وهي ابتسام فرحات عبداللطيف، ثم عاد وأصدر القرار رقم 9 بتاريخ 9 فبراير/ شباط 2015، بتكليف ابتسام فرحات عبداللطيف كبير أخصائيين شؤون مالية بمجموعة وظائف التمويل والمحاسبة بالإشراف على أعمال إدارة الشؤون المالية بمعهد بحوث الأمصال واللقاحات البيطرية لحين استصدار قرار المركز بقيامها مديرا ماليا للمعهد.

اقرأ أيضا: الزراعة والإسكان والنفط الأكثر فساداً بمصر

ثم عاد وأصدر القرار الإداري رقم 10 بتاريخ 9 فبراير/ شباط 2015 أيضا، بتكليف ميرفت يوسف حنين بدرجة كبير أخصائيين، شؤون مالية بمجموعة وظائف التمويل والمحاسبة مديرا ماليا لوحدة إنتاج الأمصال واللقاحات البيطرية، وجميعهم أمضوا أكثر من ثلاث سنوات في أماكنهم الوظيفية، دون مبرر واضح وبالمخالفة لأعمال القانون.

حيث كان مدير المعهد –وفقا لنص البلاغ– حريصا كل الحرص على إبقاء هؤلاء في أماكنهم الوظيفية لأمور تخص المخالفات المالية والإدارية التي ترتكب في معهد الأمصال.


إهدار المال العام

إهدار 36 مليون جنيه نتيجة شراء جهاز وإنتاج لقاحات محكوم بفشلها بتقارير دولية موزعه على المعهد، حيث تضمن ملف الفساد أيضاً إهدارا لأموال الدولة، حيث قام مدير المعهد المبلغ عنه، بالموافقة على اعتماد وصرف مبلغ 8 ملايين و185 ألف جنيه مقابل شراء جهاز تنقية وتركيز فيروس الحمى القلاعية لزوم العمل بالمبنى الجديد الخاص بقسم الحمى القلاعية، مع العلم أنه تم إنشاء مبنى للحمى القلاعية تكلّف حوالي 40 مليون جنيه منذ حوالي 4 سنوات، ولم يتم استخدامه حتى الآن.

الغريب أن شراء الجهاز المذكور جاء رغم صدور تقرير من المعمل المرجعي بإنجلترا "المعمل الأم لأبحاث الحمى القلاعية"، ويسمى تقرير معمل "بربريات"، والذي صدر في عام 2012 والذي وصل إلى معهد الأمصال واللقاحات وعلم به علم اليقين، خاص بالجهاز ونتائجه.

وأكد هذا التقرير أن من الصعب التوصل إلى استخلاص أو استنتاج ما إذا كانت فيروسات اللقاحات الحالية التي تنتج في مصر هي مناسبة للسلالات المنتشرة للمرض، أي أن هذه اللقاحات المنتجة ستكون غير صالحة للاستخدام بشكل مؤكد حيث لن تصل لنتيجة بشكل مؤكد يؤهلها للاستخدام.

ورغم ذلك تم شراء الجهاز في عام 2014، مما ترتب عليه أن تم إهدار مبلغ 36 مليون جنيه مصري نتيجة شراء الجهاز، وتكلفة إنتاج لقاحات لثلاث فيروسات للحمى القلاعية، كانت نتيجتها بأن دفعات اللقاحات المنتجة غير صالحة للاستخدام ولا بد من إعدامها، وهو ما تم، وهو ما يعد إهدارا للمال العام، خاصة مع وصول التقرير الدولي من المعمل الأم بإنجلترا، والموزع كنشرة دورية على المعهد قبل شراء الجهاز بعامين.

استغلال اسم "وزارة الدفاع" لتوفير حماية له من المساءلة

مدير المعهد "المبلغ عنه"، قام باعتماد استمارة صرف مقيدة تحت رقم (50 ع.ح)، بمبلغ 24 مليون جنيه، صادرة عن قسم وحدة إنتاج الأمصال واللقاحات البيطرية، لصالح جهاز مشروعات الخدمة الوطنية – وزارة الدفاع – قيمة 25% دفعة مقدمة من توريد خط وتعبئة وتغطية.

وذكر البلاغ المرفق بملف الفساد على مكتب النائب العام، أن هذا الأمر جاء دون سبب مفهوم وواضح، ولا يعلم لماذا تم الزج باسم وزارة الدفاع في هذا المعترك، وما إذا كان يحاول مدير المعهد استغلال اسم وزارة الدفاع لتوفير حماية له من المساءلة القانونية من عدمه، بحكم استغلال الأمر في الترويج بعلاقاته وتعاقداته مع القوات المسلحة، مما دفع مقدم البلاغ إلى مطالبة النائب العام بالتحقيق في مستند الصرف المذكور، والتحقيق في ملف الفساد برمته.

اقرأ أيضا: اتهام جنينة رسمياً بتضليل المصريين وتضخيم الفساد تمهيداً لإقالته

المساهمون