مديريات الصحة بلا تمويل في الشمال السوري

19 يناير 2019
إلى متى يستمرّ؟ (عمر حاج قدور/ فرانس برس)
+ الخط -

تسبّبت المعارك العسكرية بين الفصائل المسلحة وهيئة تحرير الشام في الشمال السوري في إيقاف جهات مانحة عدّة دعمها لمديريات الصحة الحرّة في كلّ من إدلب وحماة وحلب، وتحوّل العمل فيها إلى تطوعيّ بكلّ القطاعات.

ويقول مدير صحة إدلب الطبيب مصطفى العيدو لـ"العربي الجديد" إنّ "أمرَين سوف ينتجان عن إيقاف الدعم أو تعليقه، الأوّل توقّف الخدمات أو على أقلّ تقدير انخفاض جودة الخدمات المقدّمة من قبل مديرية الصحة المقدّر عددها بـ33 منشأة، من مستشفيات ومراكز صحية ومراكز تخصصية، من قبيل مركز السلّ ومركز الطب الشرعي وبنوك الدم، علماً أنّ عدد المرضى المستفيدين من تلك المنشآت يصل إلى 80 ألفاً شهرياً. أمّا الأمر الثاني، فهو انخفاض مستوى دور مديرية الصحة في ريادة القطاع الطبي، مع تضرر مركزية القطاع الصحي وتنظيم العمل الصحي بصورة متكاملة من خلال سياسيات وإجراءات موحّدة".

وعن البدائل والخيارات المتاحة، يقول العيدو: "اتخذنا خطوات ابتدائية عدّة. أعلنا العمل التطوعي في مديرية الصحة والمنشآت التابعة لها، وأطلقنا حملة مناصرة بهدف استعادة الدعم. من الممكن توفّر خيارات بديلة لكنّها غير مجدية عموماً، فقطاع الصحة قطاع مستهلِك وخاسر مادياً. فالرسوم التي تُفرَض على الخدمات بسيطة، وهي تهدف غالباً إلى تأمين الكلفة التشغيلية، المقصود بها الديزل والأكسجين والأدوية الأساسية وما يلزم لتشغيل المستشفى أو المركز الصحي. وتلك الرسوم البسيطة لا تستطيع تغطية رواتب الكوادر".

وعن سبب تعليق الجهات المانحة الدعم لمديريات الصحة في الشمال السوري، يقول العيدو: "نظنّ أنّه نتيجة التغيّرات الميدانية التي حصلت أخيراً في الشمال السوري. وبالتأكيد، ما يجب القيام به في الوقت الحالي هو الانتقال إلى العمل التطوّعي، بالإضافة إلى حملة مناصرة شارك فيها جميع الكوادر الطبية العاملة في الداخل والخارج وبعض المنظمات الدولية إلى جانب أصدقاء في دول أوروبية. والهدف من حملة المناصرة وقف العمل بقرار تعليق الدعم والعودة إلى الوضع الطبيعي". ويوضح العيدو أنّ عدد الموظفين في الأساس هو 126 في مديرية الصحة و472 في المنشآت الأخرى، بين تخصصات إدارية وطبية. وهؤلاء جميعاً يعملون في الوقت الحالي بشكل تطوعي.


في السياق، أصدر فريق "منسقو الاستجابة" بياناً أعرب فيه عن أسفه الشديد لتوقّف دعم الجهات المانحة الذي من شأنه أن يؤدّي إلى توقّف العمل في أكثر من 179 مركزاً طبياً ومستشفى وبنك دم. وأكّد الفريق في البيان تضامنه مع مديريات الصحة في المحافظات الثلاث، باعتبارها مؤسسات خدمية مدنية مستقلة تقدم خدماتها لأكثر من 4.7 ملايين نسمة منتشرة في مناطق الشمال السوري، طالباً من كلّ الجهات المانحة للقطاع الطبي في الشمال السوري إعادة الدعم المقدّم لتلك المؤسسات.

وحذّر بيان فريق "منسقو الاستجابة" الجهات كلّها من العواقب الكارثية المرتقبة من جرّاء إيقاف الدعم المقدّم للقطاع الطبي، مع تزايد المخاوف من انتشار الأمراض والأوبئة في منطقة الشمال السوري. ولفت إلى أنّ كوادر عدّة طبية وتمريضية فقدت حياتها نتيجة الأعمال الإنسانية التي قامت بها، بالإضافة إلى تعرّضها إلى عمليات خطف وابتزاز، لكنّها ما زالت مستمرة مع السكان المدنيين حتى هذه اللحظة. وأعلن بيان فريق "منسقو الاستجابة" تأييده "لأيّ حملة مناصرة بغية عودة الدعم المقدّم من قبل الجهات المانحة إلى المؤسسات والكوادر الطبية في مديريات الصحة بإدلب وحلب وحماة". وطالب كلّ المنظمات والهيئات الإنسانية المنتشرة في الشمال السوري بالتضامن الكامل مع الفعاليات الطبية المتمثلة بمديريات الصحة.

تجدر الإشارة إلى أنّ مديريات الصحة تعاني ضغطاً كبيراً مع نقص في الكوادر والمعدّات، خصوصاً بعد وصول المهجّرين من مناطق ريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية ودرعا وجنوب دمشق والقلمون الغربي في العام الماضي، وانتشار أكثر من 522 مخيماً للنازحين في أرياف حماة وإدلب وحلب.

ويتخوّف الأهالي من تراجع دور مديريات الصحة ومن الانعكاسات السلبية عليهم. يقول المدرّس مصطفى ياسين لـ"العربي الجديد" إنّه "من الصعب جداً على الأهالي التعامل مع ارتفاع أسعار الأدوية أو دفع مبالغ مالية في المراكز الصحية الخاصة، في حين أنّ ذلك سوف يدفع الأطباء والكوادر الصحية إلى البحث عن فرص عمل في خارج سورية".

يضيف ياسين: "من المؤكد أنّ الأمور سوف تزداد سوءاً، ويجب علينا كأهالي الوقوف إلى جانبهم. فنحن متضررون مثلهم تماماً".