مدرّسو صنعاء يعودون إلى صفوفهم

02 فبراير 2017
عودة المدرّسين تنقذ مستقبل التلاميذ (محمد حويس/ فرانس برس)
+ الخط -
كانت الرواتب وما زالت الكابوس الأكبر لليمنيين، فانقطاعها يهدد حياتهم ومستقبلهم بعد انهيار الدولة ومؤسساتها. فالراتب، الذي كان ضامناً وحيداً لتزويد المواطنين بالخدمات الأساسية، مهدد دائماً. في الفترة الماضية، انتشرت شائعات حول مصير سيئ لقطاع التعليم في ظل استمرار انقطاع رواتب المدرّسين، فكثيرون فقدوا الأمل تماماً من المماطلة المستمرة للسلطتين (أنصار الله الحوثيون والرئيس السابق علي عبدالله صالح من جهة والرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي من جهة أخرى) بتسليم الراتب. لكنّ التزام الحكومة الشرعية (هادي) بتسليم الرواتب أخيراً، يمثّل نافذة أمل جديدة.‏

يؤكد صالح أبو علي، وهو أب لثلاثة تلاميذ في مدارس عامة، أنّ لتسليم رواتب المدرّسين أثراً كبيراً في طمأنتهم بمرور هذا العام الدراسي ‏بسلام إذا ما استمر. يقول لـ "العربي الجديد": "كانت قد سرت أنباء لا ندري مدى دقتها، آخرها القول، إنّه إذا استمر ‏انقطاع الرواتب، فسيلغى الفصل الدراسي الثاني وتعتمد نتائج نصف السنة كنتائج نهائية لكامل العام الدراسي. لكنّ ‏العودة إلى دفع رواتب المدرّسين سوف تدفعهم حتماً إلى متابعة العمل".

يضيف: "مررنا بأسوأ عامين دراسيين، منذ شهر سبتمبر/ أيلول 2014، بسبب انعدام الأمن، ولم يكد الوضع الأمني يتحسن في صنعاء حتى قطعت الرواتب في سبتمبر الماضي". يشير إلى أنّ عدم توفر الرواتب ‏جعل العام الدراسي كارثياً ويرى أنّ "هذه الظروف الاقتصادية غير مسبوقة علينا. ويتوجّب على الحكومة ‏الاهتمام بشكل أكبر بدعم التعليم لا سيما باستمرار دفع رواتب المدرّسين كأهم الأولويات". ‏


وكان موظفو التربية والتعليم في صنعاء، قد بدأوا قبل أسبوع تسلّم رواتبهم المحوّلة من الحكومة الشرعية في عدن عبر أحد المصارف الخاصة، في خطوة حكومية ناجحة على الرغم من رفض سلطات الحوثيين وصالح. وقد منعت هذه السلطات مؤسسات الدولة من تسليم بيانات الموظفين للسلطة الشرعية في عدن. وهي البيانات التي تحتفظ بها عبر السيطرة على وزارتي المالية والخدمة المدنية في صنعاء.

وكان وزير التربية والتعليم في سلطات صنعاء، يحيى الحوثي، وهو شقيق زعيم جماعة أنصار الله عبدالملك الحوثي، قد وجّه بعدم تسليم بيانات موظفي الكادر التربوي لأيّ جهة كانت. وقال الحوثي في تعميم لمدراء عموم مكاتب التربية والتعليم: "يتم الاحتفاظ بقواعد البيانات الخاصة بالكادر التربوي لديكم في المحافظات وعدم تسليم أيّ جهة كانت نسخاً منها أو نسخاً من كشوفات الرواتب. وتتحملون مسؤولية المخالفة".

من خلال الخطوة الأخيرة، حصل التربويون والمدرّسون على راتب شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عبر المقر الرئيس لمصرف "الكريمي" وفروعه في صنعاء. وكان الراتب كاملاً وبأوراق نقدية طُبعت حديثاً. وقطعت مبادرة تسليم رواتب المدرّسين عدداً من مظاهر السلبية الضارة بالتعليم التي أوجدتها الأزمة. فقد أعاد ‏الراتب آلاف المدرّسين إلى العمل في مدارسهم بعدما قرروا الإضراب وانقطعوا عن العمل منذ أكثر من شهر. ومع طول ‏فترة انقطاع الراتب وتدهور المؤشرات المالية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، يئس المدرّسون من ‏تسلّمهم رواتبهم ، فأضربوا عن العمل وبحث كثيرون عن أنشطة أخرى توفّر دخلاً لهم.

في هذا السياق، يؤكد مدرّس الاجتماعيات في إحدى مدارس منطقة بني مطر، غرب صنعاء، محمد المطري أنّ بعض زملائه بدأوا بالتغيب عن المدرسة لأنهم يستغلون وقتهم في بيع القات لتوفير ما يساعدهم وأسرهم على العيش. يضيف لـ"العربي الجديد": "وصلنا إلى مرحلة لا نجد فيها المال الذي نشتري به الخبز ونعجز عن توفير ثمن المواصلات والتنقل إلى المدرسة كلّ يوم. ولهذا أنا لا ألوم زملائي المدرّسين الذين تغيّبوا عن المدرسة". يشير إلى أنّ تسليم الرواتب يعني إنقاذ العملية التعليمية من الانهيار.

على الرغم من الخطوة الأخيرة، ما زال الوضع الراهن للتعليم خارجاً عن السيطرة في مناطق واسعة أخرى لم يتسلم المدرّسون فيها رواتبهم حتى الآن. بذلك، يتضرر مئات ‏آلاف التلاميذ، خصوصاً أنّ عشرات المدارس تدير الأزمة بأساليب سلبية مختلفة، على سبيل المثال الإغلاق الكامل. كذلك، استبدلت السلطات المحلية المدرّسين بمتطوّعين على حساب ‏جودة التعليم. وطلبت بعض إدارات المدارس من أهالي التلاميذ دفع مبالغ معيّنة لتغطية رواتب ‏المدرّسين، مع العلم أنّ رواتب موظفي الدولة مقطوعة أساساً، عدا عن انعدام فرص الدخل في القطاع الخاص.

المساهمون