مدارس غزة تنطلق بمشاكلها

31 اغسطس 2016
إلى المدرسة (محمد الحجار)
+ الخط -
الأحد الماضي، انطلق العام الدراسي الجديد في قطاع غزة، وسط مشاكل كثيرة، خصوصاً لجهة اكتظاظ الفصول بالتلاميذ، مع ما في ذلك من نتائج تعليمية سلبية

بدأ العام الدراسي الجديد 2016 - 2017 في قطاع غزة الفلسطيني المحاصر خطواته الأولى الأحد الماضي في الثامن والعشرين من أغسطس/ آب الجاري، على الرغم من كلّ الظروف الصعبة التي يعيشها تلاميذ القطاع. هي ظروف تعيق مسيرتهم التعليمية، وأبرزها القدرة الاستيعابية الضعيفة لفصول مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) التي اكتظت بأعداد هائلة من التلاميذ.

أجبر التلاميذ على الجلوس ثلاثة ثلاثة على مقاعد الفصول. وكانت العادة أن يجلس تلميذان فقط على كلّ مقعد. ذلك كان محتّماً، خصوصاً أنّ بعض الفصول وصل عدد تلاميذها إلى خمسين. وقد جرى ذلك على الرغم من تسجيل التلاميذ في الأساس على أن يجلس اثنان فقط في كلّ مقعد.

التلميذة منى مهنا (10 سنوات) في الصف الخامس الأساسي، كانت متشوقة لبدء العام الدراسي والوصول إلى مدرستها لملاقاة صديقاتها واستئناف مسارها الدراسي. لكنّها عادت من الأيام الثلاثة الأولى للمدرسة غاضبة. فهي تصف الفصل بأنّه "غير منظّم، وأشبه بالسوق". لم تكن تتوقع هذا المشهد. وبخلاف ما كان الأمر عليه من حبّ لمدرستها سابقاً باتت تكرهها، بحسب والدتها.

تنقل والدة منى عنها لـ"العربي الجديد" أنها كانت "العام الماضي تشعر بتغيير في الفصول، وبضيق في بعض الأيام، بسبب تقليص الاهتمام بهم، لكنّ الأمر أكثر جدية هذا العام، فمنذ بدايته كرهت المدرسة". تضيف والدتها سناء: "هذه بداية غير مبشرة للعام الدراسي. لاحظت على مستوى التعليم تراجعاً في العامين الأخيرين في مدارس الأونروا، بل بات التلاميذ لا يحبون مدراسهم".


أما التلميذة إسراء ياغي (13 عاماً) وهي في الصف الثامن في مدرسة بنات الرمال الإعدادية، فقد صدمت هي الأخرى. دوامها المدرسي بات أربع ساعات فقط، بينها فسحة واحدة (مدتها نصف ساعة)، على عكس الأعوام السابقة، عندما كان ست ساعات وفترتي فسحة، وذلك بسبب تجميد وكالة "الأونروا" عشرات المدارس من أجل إعادة بنائها وزيادة عدد الصفوف فيها. وقد لجأت "الأونروا" بالتالي إلى جمع تلاميذ كلّ ثلاث مدارس في مدرسة واحدة مقسمة إلى ثلاث فترات دراسية؛ الفترة الأولى من السادسة والنصف حتى العاشرة والنصف، والفترة الثانية من العاشرة والنصف حتى الثانية والنصف، والفترة الثالثة من الثانية والنصف حتى السادسة والنصف.

توضح ياغي أنّ مدة كلّ حصة نصف ساعة فقط بخلاف وقتها الطبيعي الذي كان 40 دقيقة. وتعتمد المدرّسات على الشرح بطريقة مكثفة، كما لاحظت في الأيام الأولى. وعندما تنتهي كلّ مدرّسة من الشرح تطلب منهن مراجعة الدرس في البيت وإنجاز واجباتهن. تتابع ياغي لـ"العربي الجديد" أنّ "هذا الأمر لا يسمح لنا باستيعاب الدروس بالشكل السليم بسبب ضيق الوقت، وهو ما يصعّب علينا إنجاز الواجبات المنزلية مهما كان لدينا من وقت لها".

من جهة أخرى، لم يحصل تلاميذ مدارس "الأونروا" على كامل كتبهم المدرسية، بل جرى توزيع كتب مشتركة بين التلاميذ الذين يجاورون بعضهم البعض في الفصل كي يدرسوا فيها معاً ويتبادلوها، وذلك لعدم سماح قوات الاحتلال الإسرائيلي بدخول كلّ كتب المنهاج المطلوبة.

في هذا الإطار، صرّح أمس المدير العام للكتب والمطبوعات في وزارة التربية والتعليم في القطاع علي خليفة أنه جرى إدخال الكتب المدرسية التي أعاق الاحتلال إدخالها إلى غزة، وذلك عبر معبر كرم أبو سالم بالتنسيق بين الوزارة ووكالة "الأونروا".

وأوضح خليفة أنّ الكتب هي الرياضيات للصف الثاني والثالث والرابع الأساسي، والعلوم للثالث والرابع الأساسي، وكرّاس للأنشطة للصفين الأول والثاني الأساسي. وأشار إلى أنّه مع اكتمال وصولها ستوزع على التلاميذ.

بدورها، تحذّر الباحثة المتخصصة في قضايا التعليم والأطفال ريهام الدالي من أنّ "الاكتظاظ داخل الفصول هو من أبرز المعوقات الخمسة للمسيرة التعليمية في الدول النامية، بحسب أحدث الدراسات. وتبيّن أنّ "الاكتظاظ داخل الفصول هو الأبرز إلى جانب الظروف السياسية والاقتصادية". كذلك، تشير إلى أنّ "عدم وجود حلول بديلة لتقليص أعداد التلاميذ في الفصول يزيد من عدم انتباههم إلى الدروس، وشعورهم بدوار بعد ساعتين من تلقيها بكثافة خلف بعضها البعض".

تقول لـ"العربي الجديد": "الدول المتقدمة تمنح التلميذ مساحة فارغة إلى جانبه، لا تضع فيها تلميذاً آخر. وهو ما يشجعه على الانتباه والابتكار. يفترض بالأونروا العمل على إراحة التلميذ في غزة أسوة بغيره في الدول النامية، ولو بنسبة أقل".

تتعجب الدالي من جمع "الأونروا" على مدار عشرات السنوات تبرعات من الدول المتقدمة، ومع ذلك، لم تطوّر المدارس أو تريح التلاميذ داخل الفصول. تعلق: "الأكثر جدوى من جمع المال استقطاب خبرات من الدول المتقدمة لتغيير الأوضاع اللوجستية في الفصول والتطوير في مقاعدها وشكلها العام".

وقد حاولت "العربي الجديد" التواصل طوال يوم أمس مع المتحدث الإعلامي باسم "الأونروا" في غزة، لكن من دون نتيجة.
دلالات
المساهمون