أغلقت مدارس عديدة في إقليم غزنة الواقع في وسط أفغانستان أبوابها مكرهة في وجه تلاميذها وتلميذاتها، بعدما أجبرتها الجماعات المسلحة وعلى رأسها "طالبان أفغانستان" على ذلك. وبحسب ما تفيد مصادر قبلية في الإقليم، هدد المسلحون المسؤولين في المدارس والمدرّسين بنتائج وخيمة في حال رفضوا الامتثال لها.
من جهتها، تؤكد مصادر حكومية أن حركة طالبان أمرت المدارس في مدينة غزنه بوقف التعليم فيها، إلا أنها تشير إلى قدرة قوات الأمن الأفغانية على مواجهة ذلك وغيره من تهديدات المسلحين. وطالبت الحكومة المحلية كذلك التلاميذ والمدرّسين بعدم أخذ تهديدات طالبان على محمل الجدّ.
وإلزام المدراس بإغلاق أبوابها نتيجة الظروف الأمنية أو خوفاً من تهديدات المسلحين، بات أمراً معتاداً في أفغانستان. وفي جميع أقاليم البلاد تقريباً، أغلقت أعداد كبيرة من المدارس أبوابها بسبب التهديدات أو الأوضاع الأمنية. لكنْ ثمة تطور آخر حصل أخيراً في غرب أفغانستان يُعدّ سابقة تاريخية، بالإضافة إلى أنه أثار تساؤلات عديدة، وهو اتفاق جرى ما بين الزعامة القبلية وحركة طالبان أفغانستان يقضي بفتح المدارس الحكومية في مقابل فتح مدارس دينية بجوارها. وقد وافقت الزعامة القبلية على ذلك، بعدما أيقنت أن المسلحين لن يسمحوا بفتح المدارس الحكومية إلا بعد الموافقة على تلك الدينية.
اقرأ أيضاً: مدرّسون مدمنون على المخدرات
عبد الظاهر من سكان مديرية بكواه وهو من بين زعماء القبائل الذين شاركوا في عملية الحوار بين الجانبَين، يقول لـ "العربي الجديد" إن حركة طالبان لم تسمح للقبائل بفتح المدارس قبل سنوات في مديرية بكواه كلها، على الرغم من مطالب السكان المتكررة. وهو ما أدى إلى حرمان آلاف من أبناء وبنات هذه المديرية من حق التعليم. يضيف أن الحكومة الأفغانية والجهات المعنية لم تكن تهتم بالأمر اهتماماً كافياً، غير أن إدارة التعليم المحلية قررت في الآونة الأخيرة فتح المدارس في المديرية. أما العقبة فكانت رفض حركة طالبان ذلك. من هنا وبعد تردّد طويل في البداية، لم تجد الزعامة القبلية مخرجاً غير الإذعان للأمر والقبول بمطلب الحركة بفتح مدرسة دينية مقابل كل مدرسة حكومية.
تجدر الإشارة إلى أن مديرية بكواه هي واحدة من المديريات البعيدة في إقليم فراه، وهو أحد الأقاليم الأفغانية التي تعاني من تدهور في الأوضاع الأمنية.
وبعد التوصل إلى اتفاقية مع حركة طالبان من شأنها أن تسمح بفتح المدارس الحكومية، عبّرت القبائل وكذلك سكان المديرية عن ارتياح شديد. يقول محمد يونس وهو واحد من زعماء القبائل لـ "العربي الجديد": "نحن مرتاحون جداً بعد إبرام الاتفاقية بين القبائل وطالبان. بالتأكيد نحن نعرف أن الأمر عبء ثقيل على القبائل، غير أن ما يهمنا هو فتح المدارس حتى يتمكّن أولادنا من متابعة تعليمهم لسنوات عديدة مقبلة". يضيف: "نحن لطالما أملنا أن يحين اليوم الذي نرسل فيه أولادنا إلى المدارس. والآن كلنا أمل بأن نفعل في خلال الفصل المقبل".
وكان عدد كبير من الأهالي بحسب ما تفيد مصادر قبلية لـ "العربي الجديد"، يرسلون أولادهم إلى مدينة ميمنة عاصمة إقليم فارياب وإلى مدينة قندهار وحتى إلى باكستان لمتابعة تعليمهم، بعدما أغلقت جميع المدارس الموجودة في مديرية بكواه أبوابها على خلفية الأوضاع الأمنية المتردية. لكن إرسال الأبناء إلى مدن أخرى لتلقي العلم لم يكن في متناول معظم سكان المديرية الذين يعيشون في حالة فقر، خصوصاً أن البطالة ظاهرة متفشية في إقليم فراه بسبب استمرار الحروب الطاحنة، بالتالي كان سكان الإقليم بمعظمهم يعيشون تحت خط الفقر.
من جهتها، توضح الحكومة المحلية في الإقليم أنها تعتزم فتح نحو 18 مدرسة حكومية في مختلف مناطق مديرية بكواه، ابتداءً من الفصل الدراسي المقبل في مرحلة أولى. وهي ستعمد إلى زيادة هذا العدد في المرحلة الثانية، شريطة إقبال الناس عليها. ويشير المسؤول في إدارة التعليم المحلية عبد الله بكواهي، إلى أن الحكومة سوف تستفيد في المرحلة الأولى من المساجد المتوفرة في المديرية، إلى حين تتمكن من تصميم مبانٍ مستقلة للمدارس. وقد طالب قبائل المنطقة بالتعاون مع الحكومة في هذا الشأن.
إلى ذلك، أشاد بكواهي بدور القبائل في هذا المجال، قائلاً إنه "نتيجة رغبة قبائل المنطقة وجهودها المتواصلة، نتمكن من فتح المدارس في المديرية، حتى في المناطق التي كانت تخضع لنفوذ حركة طالبان في الأعوام الماضية".
اقرأ أيضاً: وصلت الامتحانات ولم تصل الكتب