مدارس السودان في الحضيض

18 يناير 2017
لا كراسي أو طاولات (توماس كويكس/ فرانس برس)
+ الخط -
كان لتصريحات أحد المسؤولين السودانيّين في وزارة التربية والتعليم في ولاية الخرطوم، والتي كشف خلالها، أن السودان يعدّ ضمن ثلاث أسوأ بلدان في العالم في ما يتعلق بالمستوى التعليمي، وقع الصدمة، وقد حلّ بعد دولة جنوب السودان، الأمر الذي أثار جدالاً حول تدهور التعليم في البلاد.

خلال الفترة الماضية، كثرت الشكاوى عن تراجع مستوى التعليم في السودان، وعزا بعضهم السبب إلى تراجع الاهتمام الحكومي بالقطاع وإهماله، وعدم تخصيص ميزانية مناسبة له، حيث تمثّل أقلّ من 5 في المائة، في وقت تتجاوز ميزانيات الدفاع والأمن والقطاعات السيادية نسبة 80 في المائة. وقال مدير الإدارة العامة للتخطيط الاستراتيجي والمعلومات في وزارة التربية والتعليم في حكومة ولاية الخرطوم، محمد سالم قطبي، في ندوة خاصة عن التعليم في السودان، إن دراسة عالميّة صنّفت السودان كثالث أسوأ دولة في العالم في ما يتعلق بالتعليم، في ظل تسرّب نحو ثلاثة ملايين تلميذ، علماً أن بعض المدارس تفتقر لأمور أساسية، منها المقاعد وغيرها.

ويواجه التعليم في السودان مشاكل عدة، منها غياب المدرّسين المؤهلين، وقد ترك معظمهم المهنة بسبب الأجور المتدنية، وغياب بيئة تعليميّة سليمة، خصوصاً في المدارس الحكومية، علماً أن بعض التلاميذ ما زالوا يجلسون على الأرض في ظل غياب الكراسي والطاولات. ويقول قطبي، إن هناك نقصاً في عدد المدرسين يصل إلى نحو ستة آلاف.

في السابق، كان المستوى التعليمي في السودان يعدّ جيّداً. ويعزو تربويّون تراجع التعليم إلى ضعف المناهج، فضلاً عن الظروف الاقتصادية الصعبة، وتسرّب التلاميذ واكتظاظ المدارس، الأمر الذي ينعكس سلباً على استيعاب التلاميذ. يضاف إلى ما سبق وجود مشاكل في المناهج، وانتشار التعليم الخاص كوسيلة ربحية.



يقول الأستاذ في إحدى المدارس، طارق بلال، إنّ مستوى التعليم تدهور نتيجة هجرة المدرّسين المؤهلين وأصحاب الخبرة والكفاءة وتركهم مهنة التدريس، لافتاً إلى أن الراتب لا يؤمن احتياجات الأستاذ لأسبوع. ويتحدث عن مشكلة أخرى، وهي عدم الاهتمام الحكومي بالقطاع، مؤكّداً أنها أصبحت "مهنة الذين لا مهنة لهم". ويوضح أنّه "كان للتدريس هيبة في الماضي، وكان كل شيء متوفراً من الكتب والقرطاسية وغيرها". يضيف أنّه ما زال يعمل في هذه المهنة بسبب غياب البدائل، لافتاً إلى أن الأستاذ، في الوقت الحالي، يضطر للعمل في أكثر من مدرسة، الأمر الذي يشتّت جهوده. ويلجأ آخرون إلى إيجاد فرص عمل في المدارس الخاصة، كون أجورها أعلى بكثير من المدارس الحكومية.

ويرى أن التغيير المتواصل للمناهج التربوية، واعتماد مواد تثقل كاهل التلاميذ، والارتباك بين النظام القديم والجديد، كلّها عوامل أدّت إلى ضعف التعليم، وجعله غير مواكب التطور الذي تشهده الدول المختلفة. ويؤكد أنه في حال لم تهتم الدولة بالتعليم والمدارس، سيشهد القطاع مزيداً من التدهور.

من جهتها، ترى ريم، وهي مدرسة، أن تدهور التعليم يظهر في تراجع مواد اللغة العربية والإنكليزية، لافتة إلى أن التعليم أصبح مثل واجب، كون المدرّس مشغولاً بتأمين بدل إيجار المنزل. تشير إلى أنّها لا تذكر متى شاركت في دورة تدريبية، مضيفة أن بعض المدارس تعتمد على خريجي الجامعات من كليات التربية، الذين لم يخضعوا للتدريب الكافي. وترى أن المدارس تعاني من مشاكل تتعلّق باكتظاظ الفصول وضيق الوقت وعدم توفر الوسائل الأساسية. تسأل: "في حال كان المدرّس ضعيفاً، ولم يخضع للتدريبات اللازمة، فكيف يمكن أن تتوقع تعليماً جيداً؟".

في المقابل، يرى آخرون أن التعليم ما زال بخير، ويتطلب الأمر اهتماماً من الدولة. تقول فاطمة، وهي مديرة مدرسة، إن "التعليم في السودان ليس سيئاً إلى هذه الدرجة"، على الرغم من اعترافها بوجود تقصير. وتلفت إلى ضرورة الاهتمام بالمدرّس والتلميذ على حد سواء.
أخيراً، أعلنت الحكومة العودة إلى نظام التعليم القديم القائم على أساس تقسيم المراحل الدراسية إلى ثلاث: أساسي ومتوسّط وثانوي، على خلفية الانتقادات التي وجهت للنظام الحالي، والذي أسقط المرحلة المتوسطة. وفي تصريح سابق، لفت نائب الرئيس السوداني، حسبو عبدالرحمن، إلى ضرورة الاستعداد المبكر لمواجهة تغيير النظام التعليمي في البلاد، وإعادة المرحلة المتوسطة، مشيراً إلى أهمية المراجعة المستمرة لمناهج التعليم.

وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، يعيش نحو أربعة ملايين طفل في عمر الدراسة في ولايات متأثرة بالنزاعات.