لم يثر رحيل الفنان اللبناني مخول قاصوف (1946 – 2014) ضجيجاً، حاله كحال تجربته، التي أخذت مساراً ملتزماً هادئاً. الفنان وطبيب الأسنان الذي خسر معركته مع مرض عضال أول من أمس الأربعاء، ترك خلفه مجموعتين شعريتين تنتميان إلى زمن الحرب الأهلية، وألبومين غنائيين، والعديد من الأعمال الغنائية التي لم يوثّقها في ألبومات.
المتتبع لمسيرة قاصوف، المولود في قرية الخنشارة في جبل لبنان، سيستغرب أن بدايات مسيرته لم تكن تدل على أن لقب "فنان الأغنية الملتزمة" من الممكن أن يُطلق عليه ويلازمه. ذلك أن البدايات شهدت تأثراً واضحاً بنمط الفن الأميركي في ستينيات القرن الماضي. هكذا، شارك في تأسيس فرقة موسيقية في عام 1963 أطلق عليها اسم Animals، وكانت تؤدي أغاني فرقتي Devils وBeatles.
غير أن نكسة حزيران، بثقلها، دفعته إلى هجرة هذا النمط الفني، ليتجه إلى الأغنية الملتزمة، التي سيجد نفسه فيها. تأثره بمرحلة النضال العربي في تلك الأيام تمثل في أغنيته الأولى "في خيامنا أطفال" (1969)، التي وضعته في قائمة الفنانين الملتزمين.
في ذلك الوقت، كان لبنان بعيداً عن الحرب الأهلية، في حين كانت القضية الفلسطينية هي المحور الأساسي للحياة السياسية. إلا أن تاريخ 13 نيسان 1975 شكّل حدثاً بارزاً في مسار لبنان، حيث اشتعلت الحرب الأهلية، ما أحبط كثيرين ممن كانوا يناضلون في سبيل القضية الفلسطينية، لتكون النكسة الثانية التي عاصرها مخول قاصوف.
هكذا، سيستكمل الفنان ما ابتدأه في أولى أغانيه، لتبرز تجربته إلى جانب عدد من الفنانين الملتزمين الذين عرفوا في ذلك الوقت، مثل أحمد قعبور وخالد الهبر. ولم يمنعه منصب وكيل عميد الثقافة في "الحزب السوري القومي الاجتماعي"، الذي تسلمه بين عامي 1970 و1982، من الاستمرار في كتابة الشعر والغناء.
اشتغاله، عام 1978، على قصيدة "بدوية" للشاعر طلال حيدر، التي ستصدر في ألبومه "بواب الفرح" (1986)، سيترك أثراً مغايراً لدى جيل تلك المرحلة، قبل أن تأتي نسخة مارسيل خليفة الغنائية من القصيدة ("ركوة عرب"، 1995)، لتساهم في نسيان نسخة قاصوف، التي تحتفظ حتى اليوم باستثنائيتها.
شهدت مسيرة قاصوف الفنية تعاوناً مع سامي حواط ويحيى الدادا، غير أن تجربته مع زياد الرحباني في أغنية "مثقفون نون" تركت أثراً آخر، خصوصاً وأن بيروت كانت، في تلك الأيم، تهذي باسم زياد واشتغالاته. ويسجل للأغنية تناولها مثقفي المقاهي في العاصمة اللبنانية، ووقوفها الساخر لدى المصطلحات التنظيرية التي كانوا يتداولونها في جلساتهم الدائمة، مثل "الصيرورة التاريخية"، "الدال والمدلول"، و"البنيوية".
ترخي الحرب الأهلية بظلالها على معظم أعماله. ففي "بواب الفرح"، لا يمكن الجنوح بعيداً عن رحيل البلاد، وانفلاتها إلى المجهول: "ما ضل بفي هالحيطان ولو خربة تقول: هون في بلاد".
كانت أعمال مخول قاصوف، مميزة ومختلفة، رغم قلتها، وقلة مشاركاته ونشاطاته الفنية، بسبب انشغاله بمهنته كطبيب، وكمدرس لطب الأسنان في "الجامعة اللبنانية". ذلك ما يحيده عن المقارنة بمعاصريه وزملائه من الفنانين الملتزمين، أصحاب الحضور الكثيف في الفعاليات والميديا، وما دفع، ربما، صاحب "صوت الشرق"، عبد الله شاهين، إلى إعداد أعمال الراحل في CD ضم 14 أغنية.