تخشى السلطات الفرنسية من تظاهرات عيد العمال، غدا الأربعاء، التي يتوقع أن تشهد مشاركة قوية للنقابات العمالية وما قد يصاحبها من أعمال شغب وعنف وتخريب، قد يتسبب فيها نحو 1500 من "بلاك بلوكس"، ومن عناصر متطرفة داخل حركة "السترات الصفراء".
وتتحدث وسائل الإعلام عن رغبة ثلاثة أطراف، مشاركة في تظاهرات الغد، في استعراض قوتها وعرض مطالبها على الحكومة. فمن جهة تتواجد النقابات العمالية التي اعترف الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أخيراً، بأهميتها في ندوته الصحافية الأخيرة، بعد أن همَّشها في بداية حكمه، وأثناء قانون الشغل، الذي خرجت منه خاسرة ومُنهَكَة. وتريد النقابات أن تختبر قوتها، وخاصة نقابة "سي جي تي"، التي كانت الخاسر الأكبر في قانون إصلاح سكك الحديد، حيث فَقَدَت تصدُّرَها المشهد النقابي الفرنسي، لفائدة نقابة أكثر انفتاحا على مختلف الحكومات الفرنسية، وهي نقابة "سي إف دي تي".
وتتظاهر إلى جانب نقابة "سي جي تي" نقابات عمالية وطلابية وتلاميذية، من بينها "قوة عمالية" و"سوليدير" و"الفدرالية النقابية المتحدة"، و"الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا" و"الاتحاد الوطني التلاميذي". وستشدد على مطالبها الاستعجالية، على الصعيدين الاجتماعي والإيكولوجي، في مختلف الاتصالات والمفاوضات المقبلة.
ومن جهة أخرى ستحاول حركة "السترات الصفراء"، تجميع قواها، خاصة بعد انخفاض عدد المتظاهرين في الأسابيع القليلة الماضية، للتعبير عن ردٍّ قوي على الإعلانات التي أطلقها ماكرون بعد "الحوار الوطني الكبير"، والذي رفض كل مطالبها الرئيسية، وعن تصميمها على مواصلة الاحتجاجات، مستقبلا.
وأخيراً، العنصر الثالث، المتمثل بجماعات "بلوك بلوكس"، التي سبق لها أن مارست كثيرا من العنف في تظاهرات سابقة، ومن بينها تظاهرات 1 مايو/ أيار في العام الماضي، وخلال الكثير من تظاهرات "السترات الصفراء"، وخاصة في باريس.
وإذا كانت القوى الأمنية تخشى خروج أعداد كبيرة في حال تنظيم تظاهرات موحدة، فإنه لا شيء يؤكد التحام مختلف المتظاهرين، أي تحقيق "تقارب النضالات"، الذي يحلم به قادة سياسيون يساريون. فعلى الرغم من ترحيب النقابات العمالية باستقبال متظاهري "السترات الصفراء"، فالبعض لا يعارض أن يكون على رأس التظاهرات إلى جانب النقابات، وقد حدث الأمر في عديد من المرات، فيما ترى اتجاهات أخرى، لا تخفي حذرها من النقابات، أنه يجب تنظيم تظاهرات خاصة بالسترات الصفراء، خاصة وأنها "أصبحت أكبر نقابة في فرنسا وتشكل أكبر معارَضة للحكومة"، كما يقول أحد وجوه السترات الصفراء، فوزي لولوش. وكان الأمين العام لنقابة "سي جي تي"، فيليب مارتينيز، قد قال إنه لا يُعير انتباها للسترات الصفراء أو الحمراء، وإن الشيء الأساسي يظل متمثلا بالمَطالب التي تطالب بها، وخاصة تعزيز القدرة الشرائية للفرنسيين، وهو نفس موقف نقابة "قوة عمالية"، تحت قيادة أمينها العام الجديد، إيف فيريي.
وتتعامل القوى الأمنية، التي ستدفع بثلاثة آلاف عنصر إلى الشارع، بكثير من الحذر مع هذه التظاهرات. وعلى الرغم من تعزيز قانون "مكافحة الشغب" الجديد، للترسانة القمعية، ووصول والي أمن جديد، معروف بتشدده، إلا أنه لا يمكن التنبؤ بالعدد الحقيقي لمثيري الشغب، الذين يأتي بعضهم من دول أوروبية، ولا بالحجم الحقيقي للمتظاهرين غدا، أي الذين قد يقرّرون الخروج، رغم تحذيرات الحكومة وتهويلاتها.
وسيتابع ماكرون مع وزير داخليته، كريستوف كاستانير، مجريات التظاهرات، ولن تَغيب عن الرئيس ذكرى عيد العمال العام الماضي، لحادثة ساحة كونترسكارب، التي شهدت تورط حارسه الشخصي، ألكسندر بنعلا، في اعتداءات على متظاهرين، وهي الحادثة التي هوَت بشعبيته، ولطّخت جزءاً من صورة ولايته الرئاسية.
حكم قضائي في حق متظاهر
من جانب آخر، أصدر القضاء الفرنسي حكما جديدا سيزيد من الاحتقان في صفوف "السترات الصفراء"، وفي تشككيها في نزاهة القضاء، وهي التي ترفع، منذ بدايتها، شعار "العدالة الضريبية والاجتماعية".
وإضافة إلى المئات من المتظاهرين الذين يخضعون لمحاكمات سريعة، صدر حكم قضائي، في أقل من عشرة أيام في حق متظاهر بتهمة إطلاق شعارات "انتحروا، انتحروا" في اتجاه قوى الأمن، التي فقدت منذ بداية سنة 2019، 30 قتيلا (28 شرطيا ودركيان اثنان) في أحداث انتحار هزت المؤسسة الأمنية.
وحوكم هذا المتهم، وهو طباخ عاطل عن العمل في التاسعة والأربعين من عمره، بالسجن 8 أشهر، مع وقف النفاذ، من طرف محكمة باريس، وبتنفيذ 180 ساعة من أشغال المصلحة العامة، مع إلزامه البحث عن الشغل وتعويض الشرطيين اللذين تقدما بالشكوى بـ 500 يورو لكل واحد منهما، عن الضرر المعنوي.
وبرّر هذا الطباخ العاطل عن العمل، والذي شارك في الحراك منذ الأيام الأولى من دون أن يتعرض، يوماً، للإيقاف بسبب العنف، فعلَتَهُ بإقدام قوى الأمن على دفع امرأة حامل. ونأى بنفسه عن "الجريمة"، وأكد أنه أنقذ غير مرة أفراداً من قوى الأمن من احتمال تعرضهم للضرب من قبل متظاهرين.
وهذا الموقف القضائي السريع أثار تساؤلات لدى "السترات الصفراء"، التي تتهم القضاء بالبطء وتتهم السلطات التنفيذية بممارسة الضغط عليه، حتى يكون أكثر زجرية وتشددا، والتي لم تر أي نتيجة بعدُ للشكاوى التي استهدفت رجال أمن بتهمة ممارسة العنف والتسبب في إعاقات مستدامة.
وفي هذا الإطار غردت النائبة الإيكولوجية في مجلس الشيوخ، إستر بنباسا، والتي تتظاهر بانتظام مع "السترات الصفراء": "عشرة أيام كانت كافية لمحاكمة وإدانة متظاهر من السترات الصفراء صرخ، في وجه الشرطة، "انتحروا". وفي المقابل فُتح 223 تحقيقا قضائيا يستهدف رجال شرطة ودرك بسبب ممارسة عنف ضد "السترات الصفراء"، ولم يُعرَض أحدٌ منهم، لحد الآن، أمام القضاء. لماذا؟".
Twitter Post
|
ولم يَغب عن أحد أن التسرع في إصدار هذا الحكم قُصد منه إظهار التشدد في وجه المتظاهرين، وهي رسالة وزير الداخلية، التي يكررها في كل تصريحاته، وتعليمات والي الأمن الجديد وأيضا ثمرة تطبيق القانون الجديد لـ"مكافحة الشغب".