أسواق العراق (زايد العبيدي/فرانس برس)
16 سبتمبر 2020
+ الخط -

عاد الجدل في العراق بشأن مشروع "الربط السككي"، مع الكويت وإيران، ففي الوقت الذي تسعى حكومة مصطفى الكاظمي إلى تطوير القطاع التجاري والاقتصادي، ضمن خطة معلنة للتقليل من الاعتماد على النفط كمورد وحيد للبلاد، لا يبدو المشروع مريحاً لبعض الكتل السياسية والمختصين بالاقتصاد والناشطين، حيث يعتبرونه "قتلاً" لمشروع ميناء الفاو العراقي في البصرة على الخليج العربي على حساب إنعاش ميناء "مبارك" الكويتي المقابل له وكذلك الخطوط التجارية الإيرانية.
وشهدت الأيام الماضية احتجاجات قادها ناشطون من مدينة البصرة جنوب العراق، رافضين أي نوعٍ من أنواع الربط مع الكويت وإيران، قبل إنجاز مشروع "الفاو الكبير"، الذي كشف وزير النقل العراقي ناصر حسين بندر في أغسطس/ آب الماضي، عن قرب بدء أولى مراحل تنفيذه بعقد مع شركة كورية جنوبية.
وتزداد الأمور تعقيداً مع زيادة الخلافات بين السياسيين العراقيين الذين يؤكد بعضهم على ضرورة الربط في سبيل تطوير الاقتصاد العراقي، في حين يرفض آخرون المشروع بالكامل.
وتضم محافظة البصرة خمسة موانئ تجارية، وكان من المقرر افتتاح المرحلة الأولى من مشروع ميناء "الفاو" عام 2016 على أن يتم إنجازه بشكل نهائي عام 2038، لكن عملية تنفيذه تعثرت.

واقتصر المشروع على إنشاء كاسر الأمواج منذ وضع حجر الأساس له في العام 2010. ويرى الرافضون لمشروع الربط السككي أن حجم العائدات السنوية من ميناء "الفاو" في حال استكماله سيقترب من 4 مليارات دولار أميركي، كما أنه سيوفر الآلاف من فرص العمل، واللجوء إلى الربط السككي سيحرم العراق من هذه الأموال وستتحول البلاد إلى ممر لعبور البضائع الكويتية والصينية والإيرانية.
وفي السياق، قال عضو البرلمان العراقي، فالح الخزعلي، لـ"العربي الجديد"، إن "العراق لديه فرصة كبيرة من أجل إعادة تأهيل ميناء الفاو الذي سيضخ نحو 4 مليارات دولار، وآلاف فرص العمل، وهناك من يريد أن يحرم العراق من هذه الموارد، من خلال عرقلة إنشاء ميناء "الفاو" واللجوء إلى الربط السككي مع الجوار"، موضحاً أن "أهالي البصرة سيتضررون بشكل كبير في حال جرى اعتماد الربط السككي، لأنهم سيخسرون مورداً مهماً ورافداً اقتصادياً يوازي النفط وربما أكثر، ولذلك من واجب الحكومة منع أي حراك يقف بوجه تطوير اقتصاد العراق، كما عليها أن تدعم مشروع "الفاو" عبر الموازنة المالية لعام 2021".
ويزداد الجدل تعقيداً مع استمرار تدفق التصريحات المتعارضة بين المسؤولين العراقيين، حين يعتبر وزير النقل العراقي الأسبق، عامر عبد الجبار، أن الربط السككي مع الكويت وإيران سيلحق الضرر بالموانئ العراقية من خلال حرمانها من أجور وعوائد السفن والوكالات والخدمات البحرية.
وفي المقابل، يهاجم وزير النقل السابق وعضو البرلمان العراقي حاليا، كاظم فنجان، الجهات التي تعترض على مشاريع الربط السككي مع دول الجوار، مبيناً أن "هناك جبهة معارضة تثير الزوابع وتطالب بغلق حدودنا وتحويلنا إلى دولة مغلقة، منكمشة على نفسها، بدعوى حماية الموانئ العراقية من هيمنة الموانئ الإيرانية، وتارة بدعوى عدم السماح لميناء العقبة بلعب دور البديل".

من جهته، حذر النائب عن محافظة البصرة، جمال المحمداوي، من أن "الربط السككي مع الكويت سيعرض العراق لخسائر كبيرة في الإيرادات وسيقضي على ميناء الفاو وعلى أهميته الاقتصادية"، مضيفاً في بيان أن "من مصلحة الكويت أن ترتبط بالعراق سككيا وذلك لتنشيط موانئها وتجعل من العراق ممرا لتجارتها فقط، لاسيما في حالة اكتمال ميناء مبارك الكويتي فيسهل الربط عمل هذا الميناء ويحقق ارباحاً على حساب الجانب العراقي". 
من جانبه، رأى الخبير الاقتصادي، أحمد قاسم، أن "لدى العراق الكثير من المقومات التي تجعله ناجحاً في مد خطوط سكك الحديد المحلية وربطها بعدة أطراف غربا وشرقا، وهذا الأمر سيحقق أرباحاً كبيرة للاقتصاد العراقي".
وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "غالبية شركات الإنتاج في غرب العالم، ستتوافد على القناة الجافة العراقية وتستخدم ميناء "الفاو" بعد استكماله، كونه سيربط الغرب بالشرق، ناهيك عن كون شركات أميركية وصينية تريد أن تقصد البلاد من أجل جعل العراق نقطة انطلاق لصناعتها". 
إلى ذلك، رأت الخبيرة بالشأن الاقتصادي، سلام سميسم، أن "العراق بحاجة إلى تفعيل الجغرافية السياسية "الجيوسياسية"، من خلال الميناء الوحيد الذي يمتلكه، وفي الوقت نفسه فإن الربط السككي مهم ومطلوب من أجل إيصال العراق ببقية دول الخليج والعالم، ولكن ما هو مُرعب، أن الميناء وطريقة عمله يخضع للجهات السياسية الحاكمة المتنفذة التي تسعى إلى خدمة أجندات ودول أخرى"
ولفتت في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "الحكومة العراقية حتى الآن لم تبد أي تصريح أو رأي بشأن الجدل الحاصل في البلاد بشأن الربط السككي لأنها لا تملك أي تصور عمّا يجري، كما أنها لا تمتلك الخبراء المختصين الذين من المفترض أن يرسموا خارطة الطريق". 

المساهمون