وقد بدأت معاناة أهالي حوض اليرموك، وعددهم نحو 50 ألف نسمة، في قرى الشجرة ونافعة وجملة ومعربا وعين ذكر وعابدين وكويا، منذ أشهر طويلة، حين اتخذ "لواء شهداء اليرموك" مناطقهم معقلاً له منذ عام 2015، قبل أن تنضم إليه في وقت لاحق "حركة المثنى الإسلامية"، وحركات أخرى أصغر حجماً، وجمعيها متهمة بمبايعة "داعش". ما أشعل حرباً بينها وبين فصائل الجيش الحر في المنطقة.
وقد شنت فصائل الجيش الحر في الفترات السابقة الكثير من المعارك ضد هذه التنظيمات، التي اتحدت أخيراً في فصيل واحد تحت اسم "جيش خالد بن الوليد"، نسبة إلى الصحابي الذي انتصر في بداية العهد الإسلامي على الروم في معركة اليرموك في هذه المنطقة بالذات.
ومع اشتداد معاناة الأهالي جراء الحصار الذي فرضته فصائل الجيش الحر على هذه المنطقة الحدودية بين سورية والأردن وفلسطين المحتلة، سمحت الفصائل بـ"أمر من محكمة دار العدل في درعا" للأهالي بالخروج للتزوّد باحتياجاتهم من المواد الأساسية، فخرج المئات منهم، لكن الفصائل لم تسمح لهم بالعودة إلى مناطقهم "حفاظاً على سلامتهم". ما جعل الأهالي عرضة للتشرد، وقضى بعضهم أياما عدة في العراء.
في هذا السياق، كشف قائد "تجمّع توحيد الأمة" التابع لـ"فرقة الحق" المنضوية في الجيش الحر، خالد الفراج في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "فصائل الجيش الحر تؤمن للأهالي كل احتياجاتهم من مأوى وطعام"، مضيفاً أنه "لولا حرصنا على سلامة الأهالي لكنا سيطرنا على حوض اليرموك خلال خمس ساعات فقط، وما يعوق حركة الفصائل أن التنظيم المتطرف يتخذ من الأهالي دروعاً بشرية".
وأضاف أن "تجمع توحيد الأمة عرض يوم الجمعة على أهالي الحوض، تأمين كل احتياجات من يود الخروج من منطقة حوض اليرموك من مسكن وطعام إلى حين القضاء بشكل تام على التنظيم المتطرف في مناطقهم". وأوضح أن "الفصائل بصدد التحضير لحسم عسكري نهائي هذه المرة في المنطقة، وهي تخوض المعركة تحت شعار نكون أو لا نكون".
وشدّد الفراج على "عدم السماح للمتطرفين الغرباء أن يحكموا أهلنا ومناطقنا، ونحن نقوم بتأخير المعركة النهائية ليتسنى لنا تأمين الأهالي وسحب أكبر عدد منهم إلى خارج المنطقة". وقدّر عدد أعضاء "داعش" في حوض اليرموك بنحو 200 عنصر من أبناء المنطقة، ونحو ألف من الأجانب من دول مختلفة. ولفت إلى أن "الجيش الحر في المنطقة الجنوبية لا يتلقّى من الدول المانحة سوى دعم محدود جداً، وبالنسبة لفصيلنا بالذات لم نتلق أي دعم خارجي من أي نوع منذ بداية الثورة حتى الآن". وكشف أن "المعركة ضد داعش لا يشارك فيها سوى فصائل محدودة من الجيش الحر، بينما هناك فصائل كبيرة تتلقى دعماً خارجياً تمتنع عن المشاركة"، لافتاً إلى أن "هذه الفصائل التي تمتنع عن قتال داعش تمتنع أيضاً عن مقاتلة النظام السوري إلا رمزياً".
بدورهم، اعتبر ناشطون أن "غرفة الموك في الأردن، المشرفة على العمليات العسكرية لفصائل المعارضة في محافظة درعا، لا تريد حسم الوضع مع التنظيمات المتطرفة، المتهمة بمبايعة داعش، وذلك بهدف استنزاف فصائل المعارضة هناك بالمعارك مع تلك التنظيمات، وعدم فتح الجبهات مع قوات النظام السوري". وكانت "جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقاً) قد أعلنت قبل أشهر إيقاف المعارك ضد تلك التنظيمات، معتبرة أنها "مسرحيات وغير جدية".
أما بالنسبة للأهالي العالقين، فقد أشار أبو محمد الرفاعي إلى أنه "خرج مع ابنه لجلب الخبز وبعض الاحتياجات من المناطق المجاورة بعد أن تم فتح طريق العلان قبل بضعة أيام، غير أنه لم يسمح لهم وللمئات من الأهالي بالعودة"، مشيراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الأهالي داخل قرى الحوض يعيشون أوضاعاً صعبة بسبب ندرة المواد الغذائية وغلاء أسعارها، خصوصاً مادة الخبز، بينما أغلقت أغلب المحال التجارية والأسواق في كل قرى الحوض أبوابها بسبب عدم وجود شيء تبيعه للناس".
ولفت إلى أن "الأفران توقفت عن العمل منذ ما يقارب الشهرين، باستثناء فرن بلدة الشجرة، المخصص لأسر مقاتلي جيش خالد بن الوليد، في محاولة من التنظيم لجذب مزيد من المتطوعين إلى صفوفه عبر إغرائهم بالمواد الغذائية".
من جهته، أشار المدرس حسام الصمادي إلى "أن الأوضاع الصحية تردّت في المنطقة أيضاً نتيجة سوء التغذية، وتراجع الخدمات الطبية إثر انقطاع الدعم عن المستشفى الميداني الوحيد، الذي كان يقدم الخدمات لعشرات آلاف المواطنين في المنطقة". كما كشف عن الأضرار الكبيرة التي لحقت بالمزارعين هناك، لافتاً إلى أن "انقطاع المحروقات تسبّب بتوقف مضخات المياه عن العمل، ما أدى إلى تلف معظم المحاصيل، ومن نجح في قطف محصوله لم يسمح له ببيعه خارج المنطقة".
وفي محاولة للتعامل مع هذه الأوضاع، ذكر مجلس محافظة درعا الحرة أنه "بعد تواصله مع غرفة عمليات المنطقة الجنوبية التابعة للجيش الحر، وبسبب الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها أهل الحوض، فقد تم الاتفاق على أن يكون حاجز العلان هو الطريق الرئيسي لقرى وبلدات حوض اليرموك للتعامل مع جميع الحالات الإنسانية، وذلك طوال ساعات النهار، اعتباراً من العاشر من الشهر الحالي".
من جهته، وصف رئيس محكمة "دار العدل" في درعا، عصمت العبسي، إجراءات الحصار على منطقة حوض اليرموك بأنها "علاجية"، قائلاً إن "العمل في منطقة حوض اليرموك عمل جراحي اضطراري، لأن المنطقة منذ عام ونصف لم تشهد حياة مستقرة". واعتبر أنه "من غير المقبول أنه كلما شارف العمل على نهايته نقوم بالتدخل تحت الضغط بحلول تساهم في إطالة العمل أكثر، ونحن أشبه بمن يأخذ المسكنات ويرفض العلاج الصحيح".
وأضاف في حديثٍ إعلامي أن "السياسة المتبعة حالياً محددة وهدفها منع دخول السلاح للمنطقة في المقام الأول، ثم منع دخول المحروقات ثانياً"، مشيراً إلى أنه "تمّ ضبط شحنات أسلحة يتم تهريبها داخل سيارات تحمل مواد غذائية، كانت متوجهة لمنطقة حوض اليرموك".
مع العلم أن منطقة حوض اليرموك تتصل مع ريف درعا بطريقين رئيسيين، الأول يربط منطقة تسيل، التي تسيطر عليها فصائل الجيش الحر، ببلدة عين ذكر الخاضعة لسيطرة جيش خالد بن الوليد، والثاني يربط منطقة سحم الجولان التي تقع تحت يد فصائل الحر، بمنطقة نافعة، المسمّاة طريق العلان.
وفي موازاة ذلك، تشهد باقي جبهات محافظة درعا حالة سكون بين فصائل المعارضة وقوات النظام، باستثناء تقدم الأخيرة من وقتٍ لآخر لانتزاع مناطق جديدة من سيطرة الفصائل بالقوة العسكرية أو عبر هدن ومصالحات تفرضها على السكان.
في هذا الإطار، فتحت قوات النظام قبل أيام الطريق إلى بلدة محجة، الواقعة بين مدينتي أزرع والصنمين، بالقرب من طريق دمشق درعا الدولي، التي حاصرتها لنحو 17 يوماً. وأعلنت أن فتح الطريق محدود لمدة خمسة أيام، على أن يتم التفاوض خلالها بين قوات النظام ووجهاء من البلدة لتحديد مصير البلدة في الأيام المقبلة، التي يطالب النظام بتسلّمها وخروج كتائب المعارضة منها.
وحاء حصار محجة التي تضم نحو 30 ألف نسمة بعد تهديدات رئيس فرع الأمن العسكري العميد في محافظة السويداء وفيق الناصر، بإحراقها، في حال رفض مقاتلو المعارضة فيها عرض المصالحة مع قوات النظام، على غرار الاتفاق الذي أبرمته في مدينة الصنمين شمال درعا نهاية الشهر الماضي عقب حصار استمر لأكثر من شهر.
كما حاولت قوات النظام منذ مطلع الشهر الحالي التوغل في منطقة اللجاة، شمال درعا، تزامناً مع قصف عنيف بمختلف أنواع الأسلحة يستهدف المنطقة، وذلك بهدف إبعاد مقاتلي المعارضة عن الطريق الدولي بين دمشق ودرعا من خلال السيطرة على مجموعة من التلال والنقاط الحاكمة. كما حاول مقاتلو حزب الله التقدم باتجاه بلدة زمرين في منطقة مثلث الموت، انطلاقاً من مواقعهم في بلدة جدية، إلا أن مقاتلي المعارضة أوقفوهم.