تجذب الصفحة الرسمية للمفكر الإسلامي محمد شحرور (دمشق 1938) على "فيسبوك" اهتماماً متزايداً لدى متصفحي مواقع التواصل الاجتماعي، عبر منشوراتها المتنوعة التي تبدو ظاهرياً خارج سياق صراعات المنطقة العربية، لكنها تندرج عميقاً في صميم التصادمات الدينية والسياسية التي تشكل حوامل وفضاءات هذه الصراع.
تطرح المنشورات في أغلبها الأعم "تأويلات" فقهية لبعض النصوص القرآنية - والتي أقل ما يقال فيها إنها ثورية صادمة تخلخل مفاهيم اجتماعية وثقافية ومدنية قارة، مثل: الحجاب وتعدّد الزوجات ومُلك اليمين والتبنّي والقِوامة والإرث ومقادير الأرزاق والأعمار وغيرها - وتشكّل مدخلات نحو خلخلة مفاهيم سياسية بُني عليها الإسلام السياسي - كالحاكمية ونظام العقوبات والجهاد والجزية - بنسختيه السلفية والمعتدلة، مع الإشارة إلى أن شحرور ضدّ هذا التصنيف؛ حيث يرى أن كلّاً من الإسلام السياسي السلفي والإسلام السياسي المعتدل ينهلان من منظومة فقهية واحدة ولكنهما يمارسان انتقائية مكشوفة في تشكيل النظرية السياسية الخاصة بكل واحد منهما.
وهنا بالضبط تبدو أهمية ما يقدّمه شحرور من فكر إسلامي معاصر، أي في اللحظة "التاريخية" التي أُعلن فيها عن قيام "الدولة الإسلامية في العراق والشام" وإعلان أبي بكر البغدادي خليفة للمسلمين، مع تسجيل مفارقة لافتة لناحية تزايد الاهتمام بأطروحات شحرور الذي تعرّض منذ إصدار كتابه الأول (الكتاب والقرآن، 1990) لنوع من الإعراض الجماهيري المريب رغم العاصفة النقدية التي أثارها الكتاب والتي انحصرت ضمن نطاق مختصي ومثقفي الفكر الإسلامي.
ورغم ابتعاد منشورات الصفحة الفيسبوكية عن الأوضاع السياسية والعسكرية وتطوّرات ثورات ما بات يعرف بـ"الربيع العربي"، إلا أنها تبقى في فضاء التواصل الاجتماعي نسيجَ وحدها، تؤسس لـ"ثورة" من نوع خاص، ويكاد يكون نادراً، مقدمةً بدائل تتأتّى أهميتها القصوى وقوتها الذاتية من كونها نابعة من صميم الثقافية العربية الإسلامية، وعلى نحو أكثر تخصيصاً من داخل نصوص المصحف الكريم.
وبسبب قوتها وطاقتها الذاتية التي تتناقض مع طبيعة مواقع التواصل الاجتماعي التي لا تحتمل الإطالة والإطناب، تستقطب الصفحة أعداداً متنامية من المتصحفين الباحثين عن أجوبة لقضايا ومسائل اجتماعية وثقافية وسياسية لم يكن بمقدورالمشتغلين عليها طوال قرون من المفكرين الإسلاميين ورجال الدين أن يخفوا أو يحلّوا ذلك التناقض المرير بين تخريجاتها الفقهية التاريخية وبين طبيعة العصر الذي نعيش فيه.
فبحسب تأويلات المفكّر الإسلامي؛ أعمار الناس يمكن أن تطول وتقصر، وأرزاقهم يمكن أن تكثر وتقل حسب سعيهم، والتبنّي حلال، والقِوامة يمكن أن تكون للمرأة، ولا رجم في الإسلام، والمرتدّ لا عقوبة له. اجتهادات لافتة وإشكالية لمفاهيم القضاء والقدر والحلال والحرام، ومراجعة للإرث الفقهي الذي وضع مداميك الثقافة العربية الإسلامية ورسّخها لما يزيد عن ثلاثة عشر قرناً.
ويبقى الأهم بين كل ما يطرحه المفكر الإسلامي أن النهضة العربية الإسلامية وتفعيل المجتمع العربي الإسلامي لن يتحققا عبر الإصلاحات السياسية والاقتصادية الاجتماعية، وإنما عبر إجراء إصلاح ديني في الأصول والفروع.