عاش الراحل محمود سعيد حياة النجومية فترة طويلة من الزمن، حيث بدأ حياته الفنيّة منذ الصغر وهو في "دار الأيتام الإسلامية" في بيروت، عندما اكتشف رئيس قسم المذيعين في "الإذاعة اللبنانية" شفيق جدايل موهبة الطفل محمود سعيد خلال تردده إلى دار الأيتام لتنظيم مسرحيات آخر العام، وأسند إليه أدوار بطولة في عدد من المسرحيات.
"العربي الجديد" التقت السيدة الفلسطينية زهرة محمد، وهي آخر زوجات الراحل محمود سعيد، وروت جانباً من حياته وقالت: "محمود ولد في مدينة يافا الفلسطينيّة عام 1941 من أب فلسطيني وأم لبنانية، وعندما كان بعمر سبع سنوات حصلت النكبة عام 1948 بينما كانت والدته في زيارة أهلها في بيروت، وغادر محمود برفقة والده وشقيقه مدينة يافا بواسطة الباخرة متجهين إلى لبنان واستقروا في منطقة الأوزاعي في ضواحي بيروت".
وأضافت: "ثم انتقلوا إلى منطقة قصقص، وبعد أن توفي والده وكان شقيقه مريضاً وكان في المستشفى وشقيقه الآخر في السجن، اضطرت والدته لوضعه في دار الأيتام وتم اكتشاف موهبته هناك، ولكن بعد فترة قصيرة هرب مع أحد أصدقائه إلى منطقة المتن، شمال بيروت، وتم وضعهم في دار أيتام هناك إلى أن هرب مرة أخرى إلى بيروت واستقر فيها ليبدأ مشواره الفني".
"كان محمود يملك صوتاً أوبرالياً، لذلك كان في البداية مطروحا عليه أن يغنّي لكنه تحوّل إلى التمثيل، وكان قد اشترك عام 1959 في مباراة أجرتها الإذاعة اللبنانية وتم اختياره ليكون ممثلاً ومؤدياً في الإذاعة". توضح السيدة زهرة.
ورغم مشاركة محمود سعيد في أكثر من 150 مسلسلاً وأربعة أفلام، إلا أن أهمها وأحبها إلى قلبه كان فيلم "الرسالة" الذي أخرجه المخرج العربي الراحل مصطفى العقاد عام 1976، وقدم فيه دور خالد ابن الوليد. وتلفت إلى أن محمود سعيد لم ينل حقه من الجانب الرسمي الفلسطيني، رغم أنه إنسان وطني بامتياز ولم يكن يتقاضى أجراً عن أي عمل فلسطيني، ولم يكن يطلب سعرا معينا لأنه ليس له ثمن.
وقالت زهرة محمد: "في سنواته الأخيرة لم يشارك في أعمال فنيّة، لأن الأدوار التي كانت تعرض عليه دون المستوى وكان يرفضها لأنها كانت ستهبط من مستواه التاريخي، ورغم أنه لم يكن يعمل فقد تلقى عرضاً من إحدى الشركات لتصوير إعلان مشروبات روحية مقابل 500 ألف دولار إلا أنه لم يوافق ورفض كلياً الفكرة".
وعن تعدد الزيجات، لفتت محمد إلى أن محمود سعيد كان يرفض الارتباط بعلاقات غير شرعية، لذلك تزوج أكثر من مرة. وكانت الزوجة الأولى سلوى الغريب والدة ناهد، والثانية كانت المذيعة ليلى ملوحي والدة ياسر وعزت، والثالثة جانيت خشان والدة ميريام ويوسف، والرابعة السعودية ناديا طبيعة والتي أحبها كثيرا وبقي معها حتى وفاتها، وله منها بنت تدعى لنا، والخامسة روز الخولي شقيقة الفنان ربيع الخولي، والسادسة أمل خريس، أردنية، بقي معها لمدة سنة، وآخر زوجاته زهرة التي بقيت معه حتى وفاته. واللافت أنه لم يقم أي حفل زفاف سابقاً إلا مع زوجته الأخيرة كونها الوحيدة التي لم تكن متزوجه من قبل.
وتختم زهرة محمد أن لها عتبا كبيرا على الاتحاد العام للفنانين الفلسطينيين لعدم اهتمامه بالراحل في حياته وحتى على مؤتمر الفنانين لم تتم دعوته، وعندما كان مريضاً كان سيقدم الاتحاد له درعاً تقديرياً لكنه رفض، وقالت: "أن تزرع ابتسامة على وجه شخص وهو على قيد الحياة أفضل من أن نزرع الورد على قبره بعد وفاته". ولفتت إلى أن أكثر الأصدقاء الأوفياء له والذين كان يتواصل معهم بشكل شبه يومي هم مروان العبد وعبدالمجيد مجذوب وسمير شمص والمخرج محمود خزعل.
محمود سعيد كان حلمه زيارة بلده فلسطين لكنه لم يزرها أبداً رغم أنه حصل على تصريح لزيارة وطنه عام 2012 لكنه رفض الذهاب وقال: "لن أذهب طالما هناك جندي صهيوني يحتل وطني".