محمد مردي.. طباشير المدرسة جعلت منه نحّاتاً بارزاً

27 نوفمبر 2015
تطور الموهبة يحتاج إلى فرص حقيقية (العربي الجديد)
+ الخط -
لم يدرس الشاب الإيراني محمد مردي النحت. لكنه أحب هذا الفن مذ كان صغيراً، وقد بدأ النحت من خلال الطبشور ومعجون الصلصال، لكنه يفضّل اليوم النحت على البرونز

لطالما كان محمد مردي مولعاً بنحت الأشكال والوجوه على أي شيء يراه أمامه منذ نعومة أظافره. منذ كان في الثامنة من عمره، أحبّ الأشغال اليدويّة، ومعجون الصلصال، وكان يلتقط الطباشير في المدرسة لينحت عليها الوجوه والأشكال، ويستخدم الصناديق الخشبية لصنع أشكال غريبة ومختلفة.

يقول مردي (32 عاماً) إنه بدأ النحت على الطباشير للتسلية فقط، وأحب صناعة الأشكال والوجوه بيديه، وتطوّرت موهبته وهوايته مع الوقت، وقد صار له مدرسته الخاصة في العاصمة طهران. فيها، يعلّم الهواة ومحبي الفنون الجميلة النحت. أما هو، فلم يدرس النحت على يد أساتذة. كان حبّه للنحت دافعه الوحيد وقد تدرّب كثيراً إلى أن صار فناناً معروفاً في البلاد.

كانَ مردي في الحادية عشرة من عمره حين شارك في مسابقة للنحت على مستوى المدارس الابتدائية في مدينة طهران وحصل على الجائزة الأولى. بعدها، طوّر هوايته من صناعة أشكال مستخدماً الصلصال والطباشير إلى نحت مجسمات كاملة لكن بحجم صغير، قبل أن يحترف هوايته شيئاً فشيئاً.

خلال عام 2004 قرر وصديقه الذي يحب النحت أيضاً العمل معاً، فشاركا في مسابقة للنحت على المستوى الوطني وقدّما عملاً مشتركاً هو تمثال بطول ثلاثة أمتار نحتاه على الخشب. يقول إنه كان عملاً مميزاً ومختلفاً ولا يمكن أن ينساه حتى اليوم. هذا التمثال كان بداية مسيرة احترافه، وخصوصاً أنه لاقى استحساناً كبيراً لدى زوار المعرض.

منذ ذلك الوقت، بدأ يزور المعارض باستمرار، وتعرّف على أشخاص وفنانين آخرين، ما أثر إيجاباً على أعماله، وقد اختار النحت على الخشب بشكل رئيسي، لكنه بدأ يتعلم النحت على البرونز في محاولة لتطوير قدراته. وعن تطور عمله، يقول إنه اتبع قواعد المدرسة الواقعية في بداية مسيرته، ثم خاض تجربة المدرسة التكعيبية، لكنه ينحت اليوم بشكل حر، لافتاً إلى أن القاعدة الأساسية التي ساعدته في التقدم هي حبه لهذا النوع من الفن.

وعلى الرغم من حصوله على شهادة بكالوريوس في الهندسة المعمارية، إلا أنه يرى أن هذا لا يتناقض مع النحت، فكلاهما يتطلّب حساً فنياً، وإن كان اليوم يكرّس كل وقته للنحت. يشير إلى أنه في إيران نحاتون معروفون وأعمالهم مميزة للغاية، لكنه يرى أن هذا النوع من الفن لم يتطور كما في العالم الغربي، بسبب بعض القيود المفروضة بشكل طبيعي في العالم الإسلامي، لافتاً إلى أن الفن تأثر كثيراً مع دخول الإسلام إلى الشرق.

في البداية، لم يكن هناك نحت لمجسّمات، واستخدم هذا الفن في صناعة أشكال ونقوش على الأثاث والجدران والأواني وغيرها. إلا أن النحت تطور أكثر خلال العقود الأخيرة، وبدأ الفنانون الإيرانيون تطوير عملهم وصناعة التماثيل التي يضاهي بعضها أعمال فنانين عالميين، على حد قوله.

مع ذلك، يرى أن عدد النحاتين الإيرانيين المميزين والمعروفين ما زال قليلاً، بالمقارنة مع الفنانين في مجالات أخرى. ويرى أن أحد المشاكل لها علاقة بعدم منح النحاتين الشباب فرصتهم، لينتقل إلى الحديث عن تجربته الشخصية. يقول إنه بدأ النحت منذ وقت طويل من دون أن يعيره كثيرون الاهتمام، وقد شارك في عدد من المعارض إلا أن البدايات كانت صعبة جداً. فالفنانون المعروفون لم ينظروا إلى جمال أعماله، بل اعتبروا أنه صغير في السن وليست لديه التجربة الكافية لتوضع أعماله في الصف الأول. ويضيف أن النحت تطور في إيران في السنوات الأخيرة، وباتت البلديات، وحتى مؤسسات تخطيط المدن، تهتم بالنحت من خلال إضفاء الجمال على المدن ووضع التماثيل في الأحياء. ويشرح أن الأمر ما زال يقتصر على الفنانين المعروفين.

ويؤكد مردي أن نضج العمل وتطور الموهبة يحتاجان إلى فرص حقيقية، قائلاً إنه استطاع الصمود على الرغم من كل هذه الأجواء الصعبة وحصل على دعم عائلته وأصدقائه، إلى أن تميّزت أعماله وبات اسمه معروفاً منذ عام 2005، لكن فنانين وموهوبين كثيرين يصيبهم الإحباط بسبب عدم إعطائهم فرصهم.

أصبح لدى مردي اليوم مدرسة خاصة به، يعلم فيها الهواة ومحبي النحت. يقول إن طلابه من مختلف الأعمار، لكنه يلاحظ تطور موهبة النحت بشكل أسرع لدى أولئك الذين لا يدرسون هذا التخصص أو أياً من تخصصات الفنون الجميلة في الكليات الجامعية. ويعتقد أن هذا يعني أن النحت يتطلب بالفعل أن تعشق ما تفعله، وهو ما يجعل الفنان يصنع شيئاً مختلفاً ومميزاً.
ولدى سؤاله عما إذا كان ينوي العمل خارج إيران، يؤكد أنه إذا كانت فرصة ملائمة وستساعده على التقدم، فلن يتردد، ولا سيما إن استطاع أن ينضم إلى دورات فنية خاصة، مشيراً إلى أنه سيشارك قريباً في معارض في المنطقة العربية.

إقرأ أيضاً: زهرة اعتضاد السلطنة.. إيرانيّة ترسمُ بقدميها وتدرّس الفنون للمعوّقين
المساهمون